08 / 12 / 2011, 22 : 08 PM
|
رقم المشاركة : [22]
|
أستاذة وباحثة جامعية - مشرفة على ملف الأدب التونسي
|
أيُّها الليلُ - أبو القاسم الشابي
أيُّها الليلُ
أبو القاسم الشابي
أيُّها الليلُ! يا أَبَا البؤسِ والهَوْ *** لِ، ياهيكلَ الحَياة ِ الرَّهيبِ!
فِيكَ تَجْثُو عرائسُ الأَمَلِ العذْ *** بِ، تُصلَّي بصَوتِه المحبوبَ
فَيُثيرُ النَّشِيدُ ذكرى حياة ٍ *** حَجَبَتها غيومُ دَهر كَئيبِ
وَتَرُفُّ الشُّجونُ مِنْ حول قلبي *** بسُكُونٍ، وَهَيْبَة ٍ، وَقُطُوبِ
أنتَ ياليلُ! ذرَّة ٌ، صعدت للكونِ*** من موطئ الجحيمِ الغَضوبِ
أيُّها الليلُ! أنت نَغْمٌ شَجِيُّ *** في شفاهِ الدُّهورِ، بين النَّحيبِ
إنَّ أُنشودة السُّكُونِ، التي ترتجّ *** في صدرك الرّكود، الرحيب
تُسْمِعُ النَّفْسَ،في هدوء الأماني ***رنة َ الحقَّ،والجمال الخلوبِ
فَتَصوغُ القلوبُ، منها أَغَارِيداً، *** تَهُزُّ الحياة َ هَزَّ الخُطُوبِ
تتلوّى الحياة ُ، مِنْ أَلَم البؤْ *** س فتبكي، بلوعة ونحيبِ
وَعَلى مَسْمَعيكَ، تَنْهلُّ نوحاً *** وعويلاً مُراً، شجون القلوبِ
فأرى بُرقعاً شفيفاً، من الأو *** جاع، يُلقي عليك شجوَ الكئيبِ
وأرى في السُّكون أجنحة الجبَّــــارِ، مخضَّلة ً بدمعِ القُلوبِ
فلَكَ اللَّهُ! مِنْ فؤادٍ رَحيمٍ *** ولكَ الله ! من فؤادٍ كئيب
يهجع الكونُ، في طمأنينة العصفور *** طفلاً، بصدركَ الغريب
وبأحضانك الرحيمة ِ يستيقظُ، في *** نضرة الضَّحُوكِ، الطَّرُوبِ
شَادياً، كالطُّيوبِ بالأَملِ العَذْ *** بِ، جميلاً، كَبَهْجَة ِ الشُّؤْبُوبِ
ياظلام الحياة !يا روعة الحز *** نِ! وَيَا مِعْزَفَ التَّعِيس الغَرِيبِ
إنَّ في قلبكَ الكئيب، لمرتادا *** لأحلام كل قلب كئيب
وبقيثارة السّكنة ، في كفَّيـك ، تنهلّ رنّةُ المكروب
فَيكَ تنمُو زَنَابِقُ الحُلُمِ العذْ *** بِ، وتذوِي لدَى لهيبِ الخُطوبِ
خلف أعماقك الكئيبة تنسَا *** بُ ظِلالُ الدُّهورِ، ذَاتَ قُطوبِ
وَبِفَوْديكَ، فِي ضَفَائِرِكَ الس*** ـودِ، تدَّب الأيامُ أيَّ دَبيبِ
******
صَاحِ! إنَّ الحياة َ أنشودة ُ الحُزْ***نِ، فرتِّلْ عَلَى الحياة ِ نَحِيبي
إنَّ كأسَ الحياة ِمُتْرَعَة ٌبالذَّمْـ***عِ، فاسْكُبْ على الصَّبَاحِ حَبيبي
إنّ وادِي الظَّلامِ يَطْفَحُ بالهَوْ *** لِ، فما أبعد ابتسام القلوبِ!
لا يُغرّنَّك ابتسامُ بني الأر***ضِ فَخَلْفَ الشُّعاعِ لَذْعُ اللَّهِيبِ
أنتَ تدري أنَّ الحياة َ قطو***بٌ وَخُطُوبٌ، فَما حَيَاة ُ القُطُوبِ؟
إنّ في غيبة ِالدهور، تِباعاً ***لخَطيبٌ يمرُّ إثر خطوبِ
******
سَدَّدَتْ في سكينة ِ الكونِ، للأعما*** قِ، نفْسي لحظا بعيدَ الرُّسوبِ
نَظْرة ٌ مَزَّقَتْ شِغَافَ اللَّيا***لي فرأتْ مهجة َ الظْلام الهيوبِ
ورأتْ في صميمِها، لوعة َ الحزْ***نِ،وأَصْغَتْ إلى صُراخِ القُلُوبِ
لا تُحاوِلْ أنْ تنكرَ الشَّجْوَ، إنّي*** قد خبرتُ الحياة َ خُبرَ لبيبِ
فتبرمتُ بالسّكينة والضجّـ ***ـة ، بل فد كرهتُ فيها نصيبي...
كنْ كما شاءَت السماءُ كئيباً *** أيُّ شيءٍ يَسُرُّ نفسَ الأَريبِ؟
أنفوسٌ تموتُ، شاخِصَة ً بالهو*** لِ، في ظلمة ِ القُنوطِ العَصيبِ؟
أم قلوب محطات على ساحلِ لُجِّ الأَسَى، بموْجِ الخُطوبِ؟
إنما النّاسُ في الحياة طيورٌ*** قد رَمَاهَا القَضَا بِوادٍ رَهِيبِ
يَعْصُفُ الهولُ في جَوَانبه السو*** دِ فيقْضي على صَدَى العندليبِ
******
قَدْ سَألتُ الحياة َ عَنْ نغمة ِ الفَجْــرِ، وَعَنْ وَجْمة المساءِ القَطُوبِ
فسمعتُ الحياة َ، في هيكلِ الأحزا *** نِ، تشدو بِلَحْنِها المحبوبِ:
مَا سُكوتُ السَّماءِ إلا وُجُومٌ *** مَا نشيدُ الصَّبَاحِ غيرُ نحيبِ
لَيْسَ في الدَّهْرِ طَائرٌ يتغنّى *** في ضِفَافِ الحياة ِ غَيْرَ كَئيبِ
خضَّبَ الإكتئابُ أجنحة َ الأيّا *** مِ، بِالدَّمْعِ، والدَّم المَسْكُوب
وَعَجيبٌ أنْ يفرحَ النّاسُ في كَهْـ *** ـفِ اللَّيالي، بِحُزْنِهَا المَشْبُوبِ!»
كنتُ أَرْنو إلى الحياة ِ بِلَحْظٍ *** باسمٍ، والرّجاءُ دونَ لغوبِ
ذَاكَ عَهْدٌ حَسِبْتُهُ بَسْمَة َ الـ *** ـفَجْر، ولكنَّه شُعاع الغُروبِ
ذَاكَ عَهْدٌ، كَأَنَّه رَنَّة ُ الأفرا *** ح، تَنْسَابُ منْ فَمِ العَنْدَليبِ
خُفِّفَتْ ـ رَيْثَما أَصَخْتُ لَهَا بالقَلْـ *** ـبِ، حيناً ـ وَبُدِّلَتْ بَنَحيبِ
إن خمر الحياة وردية ُ اللونِ *** ولكنَّها سِمامُ القُلوبِ
******
جرفتْ من قرارة ِ القلبِ أحْلا *** مي، إلى اللَّحْدَ، جَائِراتُ الخُطُوبِ
فَتَلاشَتْ عَلَى تُخُومِ الليالي *** وتهاوَت إلى الجحيم الغضوبِ
وثوى في دُجنّة النّفس، ومضٌ *** لم يزل بين جيئة ٍ، وذُهوبِ
ذكرياتٌ تميسُ في ظلمة ُ النَّفــسِ، ضئالاً كرائعاتِ المشيبِ
يَا لِقَلْبٍ تَجَرّعَ اللَّوعة َ المُرَّ *** ة َ منْ جدولِ الزَّمانِ الرَّهيبِ!
وَمَضَتْ في صَمِيمِهِ شُعْلَة ُ الحُزْ *** ن، فَعَشَّتْهُ مِنْ شُعَاعِ اللَّهيبِ..
|
|
|
|