[ميساء البشيتي]

رحمة الله عليك يا أمي .

لم تصدقوني يا نصيرة حين قلت أن أمي تموت ..
لم يصدقني أحد ..
ربما لأنهم ظنّوا كما ظننت أنا أن الموت لن يقترب من أمي ..
وربما لأنهم ظّنوا كما ظننت أنا أيضاً أن الموت بعيد .. بعيد جداً ..
وإذا به يتربص بأنفاسنا ويخطف مني أمي بعد أن قبلت يدها ورششتها بماء الزمزم
وقرأت عليها سورة يسين ولقنتها الشهادتين وأدرت ظهري لدقائق ..
كانت حينها أمي تلفظ آخر أنفاسها وتودعني وتودع هذا العالم إلى دار الحق ..
كانوا يصرخون ويبكون ويلطمون على رؤوسهم وخدودهم وأنا الفرحة تقفز في قلبي لقد قبلتها الآن ..
حضنتها الآن ..
كانت بين يديِّ أقبلها وأحدثّها ..
وكانت تحرك الجفن أحيانا وتخفق أحيانا ..
وكنت أحدثها وأعدها بأنني سأبقى إلى جانبها ولن أغادر ..
لكن هي غادرت ..
غادرتني وغادرت كل شيء .
بيديِّ هاتين التي أكتب فيهما رسائل إلى أمي غسّلت أمي ..
لم أشأ أن أتركها لغيري يغسلها ..
قبلتها ..
قبلتها كثيراً ..
وابتسمت وهي مسجاة ..
ابتسمت أمي وهي مسجاة ..
ابتسامة الرضى أنني وأخواتي حولها ..
قمن بتغسيلها كما هي تحب ..
ابتسمت أمي فمسحت جبروت الموت من قلبي وأعلنتُ انتصاري على الموت وسلمته أمي وأنا راضية كل الرضى بقضاء الله .
وفي اليوم التالي أعددت القهوة وتركت لها فنجانها كي تشاركني قهوة الصباح
التي حلمت أن ألحق الوقت وأشربها معها لو مرة واحدة
لكن القدر لم يسعفني وكان الموت في هذه المرة أسرع فشربت قهوة الصباح برفقة روحها الطاهرة
وغادرت لأنني عدت تلك الطفلة التي تبكي وتولول وتصرخ وتفزع من حولها ..
أريد أمي ..
أريد أمي ..
لكن أمي غادرت إلى دار الحق ..
وبقيت أنا ودموعي نبكي كل الوقت ..
كل الوقت .