رد: العرب والأقليات العرقية والدينية في الوطن العربي
نهى الإسلام منذ البداية عن العنصرية و عمل على إعادة بناء المجتمع على أسس المساواة و العدالة بين البشر، و قال الله سبحانه في القرآن الكريم: (( هذه أمتكم أمّة واحدة و أنا ربكم فاعبدون ))
و قال الرسول صلى الله عليه و سلم:(( الناس سواسية كأسنان المشط )) و (( لا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى )) و وقف الرسول موقفاً واضحاً جاداً و صريحاً ضد العصبية القبلية و التنابذ بالألقاب و قد أوقف الإسلام عداوة تاريخية بين الأوس و الخزرج في المدينة المنورة: (( و قد ألّف الله بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً ))
و هذا كان في الأخوة الإسلامية الإنسانية و كذلك كان للإسلام السبق و الفضل بتأسيس أول حركة في التاريخ عملت على تحرير العبيد فعلياً و مواطنتهم الكاملة و احترام إنسانية الإنسان في كل فرد ( حقوق الإنسان)، و كثير من العائلات كانوا يرفضون تزويج بناتهم من العبيد بعد تحررهم، و تدخّل الرسول ( ص) بنفسه مرّات لمعالجة هذه القضية و كذلك بالنسبة للفقر و الغنى و جعل الزكاة فريضة و حقا مشروعا للفقراء على الأغنياء لا فضل لهم به و لا منّة فكما الفقراء يحتاجون! المال من الأغنياء كذلك الأغنياء يحتاجون تزكية أموالهم و تطهيرها بالزكاة فالمال لله و ترسيخ مفهوم أن مال الأثرياء أمانةٌ عندهم وكلّهم الله به و فيه نصيبٌ مفروض للفقراء ( التكافل الإجتماعي) و في الزواج أيضاً ( خذوا فقراء يغنيكم الله من فضله) و كان الرسول ( ص) لا يرضى أن تكون أسباب الرفض لغير عيب في الخُلق و الدين أو عدم الارتياح النفسي و الوجداني من المرأة أو الفتاة للخطيب ( كلكم لآدم و آدم من تراب) إلخ من محاربة التعصب للعنصر و اللون و الطبقة و الأوضاع الاجتماعية و حتى تكتمل الصورة فقد نهى عن التعصب الديني و قد وردت آيات عديدة في القرآن الكريم تنهى عن التعصب الديني لقوله: " ينهاكم الله عمّن لم يحاربوكم في الدين أن تبروهم.. إلى آخر الآية الكريمة حتى مع الكفار : " لا تقل لهما أفٍ و لا تنهرهما و لو كانوا من الكافرين و قل لهما قولا كريماً.. إلى آخر الآية الكريمة بخصوص الآباء الكفّار " و يبدو معنى التسامح الديني مع الكفار جلياً في سورة الكافرين " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون و لا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم و ليَّ دين "
أمّا بخصوص أهل الكتاب أو أتباع الديانات السماوية السابقة فقد سمّاهم الإسلام " أهل الذمّة " أي أنهم في عنق المسلمين وذمتهم و منوطٌ بالمسلمين حمايتهم و برّهم إلخ.. لقوله: " لعن الله من آذى ذمّياً" و قصّة الرسول " ص" مع جاره اليهودي معروفة و قد احتمل الرسول (ص) و المسلمين من غدر اليهود بهم رغم المعاهدات بينهم و لم يحاربهم المسلمون في النهاية و عملوا على طردهم من المدينة إلا مكرهين مضطرين بعد أن عانوا من غدرهم مراراً و تكراراً و باتوا يشكلون خطراً حقيقياً و كان الرسول (ص) يوصي المسلمين بأهل الذمّة حتى يقال إن آخر ما تلفظ عليه أفضل الصلاة و السلام كان: " أهل ذمّتي " ، و حين أعلن الرومان عليهم الحرب و عملوا بعد هذا على طرد المستعمرين من العراق و بلاد الشام انضمّ العرب المناذرة و تطوعوا في جيش المسلمين منذ البداية بينما وقف الغساسنة في بلاد الشام على النقيض و حاربوا إلى جانب الرومان و لمّا انتصر المسلمون جاء زعيم الغساسنة جبلة بن الأيهم يطلب الصفح من المسلمين قائلا: " أنتم أخوتنا و أبناء عمومتنا" و صفح المسلمون بالفعل عن الجميع من أخوتهم العرب و أبناء عمومتهم الساميين و في حين اعتنق معظم المناذرة الإسلام طوعاً و رغبة فقد بقي الغساسنة على مسيحيتهم لم يجبرهم على تغيير ديانتهم أحد.
و عمل الصحابة و السلف الصالح على حماية أهل الكتاب، و للخليفة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه مواقف كثيرة و جليلة في هذا الشأن إحداها انتصاره لفلاح قبطي على عامله في مصر و هو يقول له مقولته الشهيرة: " متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟! " ثم توجه إلى القبطي و سأله ماذا فعل بك؟ قال: " صفعني على وجهي " فطلب منه أن يردّ إليه الصفعة كما صفعه، و استصعب القبطي الأمر لكن عمر ألحّ عليه حتى تشجع و صفعه بقوة أمام الجميع، ثمّ بعد هذا ردّ على القبطي قطعة الأرض التي باعها مكرها.
هذه لمحة بسيطة تثبت ممّا تقدم أن الإسلام حارب العنصرية على أنواعها و عمل على اجتثاثها و ترسيخ مبدأ الأخوة و المساواة في الحقوق و الواجبات و الوحدة الإنسانية بين البشر.
و القومية العربية لم تكن أبداً شأناً إسلامياً وقد حمل الإسلام رسالة عالمية لبني البشر جميعاً على الرغم من التواؤم بين العروبة و الإسلام تاريخياً فقد كانت قوة العرب دائماً بالإسلام و قوة الإسلام و انتشاره كلما حكم العرب و حملوا لواء الإسلام أما ارتباطهم باللغة العربية فكان ارتباطا مقدسا لا علاقة له بالعنصرية من أي نوع و إنما لكون هذه اللغة هي لغة القرآن الكريم و ممارسة شعائر الإسلام و قد نشر المسلمون الإسلام و ووصلوا حتى حدود الصين شرقاً و إيطاليا غرباً و مع هذا حافظوا على قوميات الشعوب و لغاتهم.
|