15 / 12 / 2011, 01 : 01 AM
|
رقم المشاركة : [1]
|
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
|
زائرة اقتحمت صومعتي / هدى الخطيب
[align=justify]
أخيراً.. ربع ساعة وأنا أدق على الباب حتى كدت أكسره، لماذا لا تردين على الهاتف ؟!!
وجلست تتحدث وتثرثر....
الهاتف لا يتوقف
الباب يدق
ما زالت هنا وما زالت تثرثر
شعرت بكثير من التشوش ومزيد من الإنهاك، وبكثير من التعب والغضب!!
- عزيزتي أين سرحت، كفاك فـ " الحي أبقى من الميت " ؟
- كنت أخبرك عن...
ههههه ما رأيك،ههههه أتسمعيني أين سرحت؟؟!!
انتابتني نوبة عصبية هيستيرية، لم أعد أستطيع تحمل ضحكاتها التي كانت تشد أوتار أعصابي
صرخت بأعلى صوتي: " آآآآآآه "
كفى
كفى.. أرجوكِ ارحميني
لا أسمعك ولا أريد أن أسمعك!
ارحميني من أحاديثك ومن اقتحامك لخصوصية وحدتي وحزني، ارحميني من محبتك التي تفرضينها على تفاصيل جرحي وأحزاني
أريد أن أكون لوحدي
روحي حزينة ونفسي قتيلة وأحتاج عزلتي بعيدا عن أي اقتحام
نعم أنا دائماً كنت لطيفة وأجامل الناس وأنا أتمزق، لكني لم أعد أستطيع
أخشى أن أجرح وأخاف أن يزعل مني أحد ولا أحب أن أكون جافة مع أحد لكني الآن مرهقة من كل هذا ولا أستطيع أن أكون كما كنت دوماً
اتركيني لحزني حتى أتمكن من التعامل معه وترتيب أوراقه
اتركيني لوحدتي فأنا أحتاج الآن فقط أن أكون معه ومع روحه
لا تقولي لي يا حبيبتي ويا عمري، لا تسرقي حتى خصوصية الكلمة بصوتك النشاز في سيمفونية حزني
إن كنت صديقتي حقاً احترمي حاجتي للوحدة وابتعدي عن صومعتي فنيران أحزاني تشكل مشاعري من جديد وأي خطأ في اقتحام هذه المنطقة الحساسة الآن سيجعلني أكرهك ولن تكوني بعد الآن أبداً صديقتي!
اتركيني لوحدي معه واحترمي خلوة أحزاني
لا تؤكدي لي موته بكل هذه القسوة والجبروت المغلف بطبقة من عسل المحبة!
الموت يخطف الناس كل يوم وغداً قد يخطف غالياً لديك وتشعرين بقدسية خلوتك وتكرهين كل من يحاول تمزيقها عنوة واقتحام معبد أحزانك
أغلقت خلفها الباب وفصلت جهاز الهاتف وتركت العنان لدموعي تغسل صفحات وجهي...
آه كم يخطئ بعض الناس أحياناً في إصرارهم على اقتحام حياتنا في وقت لا نحتاج فيه إلا أن نكون لوحدنا
كم يخطئ بعض الناس في اختراق هذه الخصوصية في ظرف خاص وتحميلنا ثقل وتعب مجاملتهم وتحمل أحاديثهم فيما لا يعنينا
كم يخطئ بعض الناس في تصوراتهم بالحلول مكان الغائب الحاضر فينا واستعمال عبارات تخصه وحده، وإن كنا نتحملها في وجوده فسنتحول إلى كتلة ملتهبة من الألم والغضب في غيابه والدفاع المستميت عنه وعن كل ما يخصه فينا..
كم يقسو بعض الناس ويزيدون في تعذيبنا بعبارة: " الحي أبقى من الميت " وإضافة كلمة المرحوم أمام اسم غالٍ علينا كلما ذكروه أمامنا
من قال لكِ سيدتي أنه ميت في نفوسنا وأرواحنا؟!
من قال لكِ أنه ليس أشد وأطغى حضورا فينا منكم جميعاً؟!
أنتِ لا ترينه لأنه لا يعنيك كما يعنيني ولا تفهمين أنه انتقل من حولنا إلى داخلنا وبات فينا أشد التصاقاً وأقرب من كل الأحياء في أعرافكم...
رفقاً أيها الناس بقلوب معذبة وأرواح نازفة ولا تكونوا كالضباب الذي يحاول أن يحجب وجه الشمس التي تشرق على أرواحنا لنتحمل عناء الغياب وقسوة المصاب
وجهه معلق كالقمر يفرش نوره على ليل حزني وصوته يأتيني من داخلي وفي ذاكرتي، فلا تحاولي سيدتي التشويش على طقوس هذا الحزن المقدس...
أنت حي ولن تموت..
أنت حي في داخلي وفي روحي ونفسي
أنت هنا..
أنت هنا أيها الغالي وستبقى أشد حضوراً وهيمنة في مدينة عمري ومرفأ ذاكرتي من كل تلك الوجوه والأصوات...
...
في خلوتي اتركوني فأنا ميتة إن مات في ذاكرة يومي وعلى قيد الحياة أبقى ما دامت روحه تطوف حولي وصوته وتفاصيله أنيسي في خلوتي...
وأطلقت صوتي المرتعش في أغنية انكليزية قديمة:
أنا يمامة بيضاء في ظل جناحه أعيش
اتركوني معه أعيش وأموت كما أشاء
هدى الخطيب
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|