بقلم الأستاذ حسان العاني
الاستاذة العزيزة هدى .. كنت قد نشرت موضوع له علاقة تقريبا بالطرح الرائع الذي انتِ بصدده وقد كنت كتبته بعنوان .. القومية .. العولمة .. التشريع .. ايهم الافضل .. وهذا نصه ...
السلام عليكم
اصبح التكلم عن موضوع القومية والاقلية موضوع حساس جدا وينذر بصراعات في بلداننا بين تمرد الاقلية على الاكثرية او طغيان الاكثرية على بقية الاقليات من مفاهيم لاتعدو غاياتها سوى التمسك بالسيطرة على زمام الامور السياسية والمادية في البلدان التي احتضنت اكثر من قومية .. ولكن المراد السيطرة عليه من خلاله هو جعل اللغة هي الاساس (( المقدس )) لهذه الصراعات والذي ستنطوي تحته وتضمحل بسببه المفاهيم والاعتقادات الاساسية والانسانية التي جمعتهم .. ولو نلاحظ النظرة الشمولية للرأيين المادي والعقائدي لوجدنا ان كلاهما يتفقان على ان الاندماج الانساني هو الاساس في السير بعجلة القيادة الى ماتطمح اليه الشعوب .. سواء من الناحية الوجدانية او من الناحية المادية تتلائم مع التطور الهائل الذي شهدته بقية بلدان الارض .. فلو نرجع قليلا الى الوراء في بداية القرن المنصرم لوجدنا ان بذور القومية بدأت بعد انهيار الدولة العثمانية نتيجة الانهيار الاقتصادي وتبع هذا الانهيار اتفاقية سايكس بيكو بين انكلترا وفرنسا لغرض تجزئة الدول العربية بعد ان نصبت هاتين الدولتين الاستعماريتين نفسها الحامية (( اللاامينة )) .. بعدها قام الاستعمار بوضع حدود وهمية بين البلدان العربية وزرع كيانات تنفذ مخططاتهم وتستخدمهم لاثارة المشاكل بين هذه البلدان .. تارة حول حدود لاتعدو صحراء قاحلة .. وتارة اخرى طلب الانفصال من بعض الاقليات نتيجة اضطهادهم من قبل الحكومات ذات الفكر الايديولوجي القومي .. وهذا الحال الذي صارت عليه البلدان العربية غالبًا ما سادت فيه علاقات وسياسات التجزئة والتبعية والتخلف.. اكثر مما اثرت فيه سياسات وعلاقات التكامل والوحدة والاستقلال والنهضة ... حيث تمخضت عنه هذه المشاكل ..
اولا
تعاظم وتفاقم مشاكل الأقليات في عالم المسلمين
ثانيا
تفاقم الاتجاه نحو الانفصال والتفكيك
ثالثا
ضعفت التوجهات التكاملية والوحدوية والتعاونية كرؤية وكسياسات وعلاقات ومؤسسات
رابعا
كثرت الصراعات البينية، وصراعات الحدود، وصراعات الأعراق
خامسا
تدويل المشاكل والقضايا التي تخص عالم المسلمين بعد ان يئست الشعوب من اجتماعات ومقررات الجامعة العربية التي لم تكن سوى تلاقي في الاحضان بين المجتمعين اولا ثم يعقبه تلاسن وصل الى حد الشتم والتشهير بين زعماءنا وأمام مرأى كل العالم من على الفضائيات
سادسا
ضعف اوانعدام التنسيق في السياسات والعلاقات خاصة القضايا البينية والمشتركة والمتبادلة واهمها قضية القدس ويعقبه قضية احتلال العراق وتدميره وتفتيته وكذلك قضية لبنان بالاضافة الى قضايا المغرب العربي التي بدأت تشتعل فتيلها مابين مطالبات بالانفصال ومابين انتهاج اسلوب العنف الهمجي في سبيل تغيير الحكومات واما مشاكل البلدان الاسلامية غير العربية فهي بعيدة اصلا عن المقررات (( المهمة )) للجامعة العربية قلب العالم الاسلامي في القول (( فقط)) الا القليل ممن قدم يد العون بشكل انفرادي لتلك الدول الاسلامية
وهنا اريد ان اعرض النظرة الاحتوائية والتسابق بين الفكر المادي والفكر العقائدي الوجداني او الديني لاهمية التعايش السلمي بين ابناء الشعب الواحد بغض النظر عن القومية او اللغة بعد ان فشل مشروع الوحدة العربية ولم يجن اي ثمرة طيلة اكثر من ستين عاما او اكثر.. حيث بقيت الشعارات القومية محصورة في الخطابات الثورية الحماسية ذات الطابع العاطفي والتأملات البعيدة المنال نتيجة سيطرة الحكومات بطريقة ديكتاتورية جعلت الشعوب تدور في رحى التناحر القومي والعرقي والتخلف العلمي عن عجلة التطور العالمي دون وضوح اي بادرة امل في توحيد دولتين متجاورتين فقط فكيف بتوحيد اكثر من عشرين دولة عربية .. مما صار يقينا عند الكثير بأن المادة هي التي تجمع بينهم فلهذا نشاهد الان ان النظرة المادية هي البارزة الان في رجوح كفتها في الميزان بعد ان تقاعس المسلمون العرب عن التشريع الاسلامي وتشبثه بماديات الحياة دون اي وازع للتقوى والورع نتيجة الظلم الذي لحق بهم من حكوماتهم التي احتكرت الاموال وخلق طبقتين متناقضتين بين الشعب .. بين الارستقراطية الاستبدادية المتنفذة وبين الكادحة المعدومة .. بيد ان التشريع وضع الاساسيات التي تمكننا من استغلال المادة الاستغلال الامثل وجعلها وسيلة شريفة نزيهة لتحقيق غايات سامية تضمن الرفاهية والعدالة بين افراد الشعوب حتى وان تعددت دياناتها وليس قومياتها فقط ..
اذاً الذي حصل هو سيطرة الحكومات الديكتاتورية على بلداننا بكل مفاصلها الرئيسية وتفرعاتها سواء كانت السياسية اوالاقتصادية اوالاجتماعية وحتى الدينية بطريقة تسخير بعض من مايسمى رجال الدين التابعين لحكومة الدولة والحاصلين على الصدارة في الظهور على الفضائيات فالكلام الفصل دائما مايكون تابعا لفتاواهم مما جعل كل فئة في واد .. فالحكومات في واد السيطرة بقوة السلاح والقمع لكل من يتجرأ ان يعترض على سياستها او يتفوه بكلمة حول الواردات الى اين تذهب وفي اي مسار تستخدم فهذه تعد من المحرمات الكبائر تصل الى حد الابادة الجماعية لكل من تسول له نفسه في التطرق اليها حتى ولو كتابة وليس نطقا كما حصل لكثير من اخواننا الكتاب والمدونين .. والشعوب في واد التناحر العرقي والطائفي فيما بينهم نتيجة استخدام مبدأ فرق تسد من قبل الحكومات لغرض السيطرة عليهم بعد ان اقرته ونفذته بنجاح قوى الاستعمار الخارجي بين البلدان .. لو تلاحظون هنا كيف هو صبر الاستعمار ونفسه الطويل على المدى البعيد في اسلوب تفكيك مجتمعاتنا بعد ان افلحوا في تفكيك بلداننا ومع كل هذا لازلنا ندور في نقطة فاسدة قبيحة الا وهي التمسك بمبدأ التعصب على كل مستوياته دون الالتفات الى الامر الجلي الذي جمعنا واعزنا وجعل القيادة لنا من خلال تشريعه وليس من خلال اي شيء اخر .. ونتيجة لهذا المسلسل التخريبي لشعوبنا من قبل قوى الاستعمار الخارجي وادواتهم الذين هم منا وفينا ومن خلال سيطرة المادة على المبدأ ليتزامن معه الخنوع والخضوع لبلداننا شعوبا وحكومات فقد وجدت العولمة ثغرات واسعة لتنفيذها على ارض الواقع رغبة ورهبة بعد ان اقرتها الدول الكبرى والماضية قدما في تنفيذ مشروعها بغض النظر وتجاهل اي مفهوم عقائدي او ديني لاية ديانة او اية عقيدة او اي مجتمع وهذا ماستستقبله كل بلداننا أكراها او بمحض ارادتهم بعد ان يأسوا من توحدهم تحت مسمى القومية او توحدهم تحت حكم يستوحي تشريعه من الشريعة الاسلامية التي لم تفرق بين احد إلا بالتقوى
اذاً .. هما مبدأن متناقضان يتصارعان من اجل التعايش بين الشعوب بطريقة متداخلة بغض النظر عن اي تسميات عرقية او قومية وهذا في الاخر يعتمد تنفيذه على سيرة الشعوب الحياتية فأما الانجراف مع الماديات التي لن تجلب لنا الا الفساد الاخلاقي والتفكك الاجتماعي نتيجة التمسك بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة ....... او التوحد تحت راية واحدة يحكمها تشريع عصري مطاطي يصلح لكل مكان وزمان بشكل يقدس الانسان والانسانية قبل ان يقدس اللغات التي اصبحت هي الافيون الجديد والنار المستعرة في نفس الوقت بين شعوب البلد الواحد ... فأذا كان دعاة القومية يتمسكون بأن لغتنا هي لغة القرآن ولغة اهل الجنة فهذا يعني اننا يجب ان نقدس القرآن الذي نزل بلغتنا وليس تقديس اللغة على حساب هجرنا للقرآن الكريم الذي رسم لنا الاساسيات في العيش بكل سلام وتطور وامان واطمئنان لعدالته .. ويجب ان نعمل بما يوصلنا للجنة التي فيها نتكلم بلغتنا وليس باستخدام لغتنا كوسيلة لتفريق ابناء الشعب الواحد فمثلما استقبلت الشعوب الغير عربية لغتنا بكل ود وانشراح نتيجة التشريع الرباني الذي جاء بلسانها فهي الان تنفر من لغتنا لان حكوماتنا تستخدمها من اجل السيطرة على الجميع بافكار ديكتاتورية او عاطفية اوايديولوجيات بعدت كل البعد عن المنهج الاسلامي الصحيح الذي ضمن لكل انسان حقه واملى عليه واجباته والذي جعل العزة والقيادة لنا كعرب منذ بزوغ فجر الاسلام بقيادة النبي العربي محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي ارسله الله رحمة لكل الناس ولكل العالمين مهما اختلفت لغاتهم والوانهم وجنسياتهم ... وفي نفس الوقت اذا كانت الاقليات تطلب الانفصال بسبب اللغة فهذا ايضا لن يخدم قضيتهم لان قطع الجزء من الكل الاصل سيؤدي الى اضعاف الجهتين وسيفكك حتى الأسر المتداخلة اجتماعيا والتي هي نواة المجتمع .. فلن يستفيد من كل هذا الا من زرع فينا المبدأ المشؤوم الذي شتت جمعنا الا وهو (( فرّق تسد ))
واختم قولي بقوله تعالى
وأن هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون
وقال تعالى
ياايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا
أن اكرمكم عند الله اتقاكم
وقال عليه الصلاة والسلام
لافرق بين عربي واعجمي الا بالتقوى