[رأفت العزي]

كان يودّع الشمس كلما اقترب الغروب
لعلها لن تشرق على صباح غده
لم تكن له إلا أمنيات قليلة
كان يبثها من هنا
من نبض قلب الشآم
عين عليها
وأخرى تنظر نحو الجنوب
نحو البعيد / القريب
نحو حيفا حلم كل عاشق
فيحمله إلى شاطئهاالحنين
يجالس الصبر
يحادث البحر
يحمّل موجه الأسرار

لا يوقفه أي جدار
ولا حواجز الذل العار
وفوق ذلك
لا تخترقه النار
ذات وجع قال :
قال
حدّثني البحر وقال
أنا مثلك يا طلعت
هم عاجزون
عن وضع الحدّ لحدّي
لا يستطيعون منع سفري
فلا أحتاج إلى
جوازاتهم
أختامهم
اذوناتهم
لا أنفذ أوامرهم
ولا أبالغ في التحدي
لأني حرّ مثلك يا طلعت

فأنا وموجي ونسائمي الحرة
وأسرار رسائل العشاق
ودموع الحيارى المغرمين
تبللني
تزيد من مائي
من ملحي
من حسني
تزيد من غضبي
إذا كانت دموع العاجزين
أوصلت إليها كل رسائلك
عشقك جنونك غضبك
فأنا الأمين
أنا الأمين
:
حدّثه البحر
وأخبرنه عن زهر الكرم
وأغصان الزيتون
قال
ما زال الجذر قويا
يأخذ طريقه للصعود
إلى الأعماق
والأرض على عهدها
تَبّتَلِعُ ولا تُبْتَلَعْ ؟
،
أخبره البحر وأخبره
عن مراكب مكسورة القلاع
عن صواري مزقت
أشرعتها الرياح
عن جثث بحّارة
أياديهم قابضة على المجاديف
وقال البحر ليس الذنب ذنبي
إن سار بعكس التيار الربان

حدثه البحر وأخبرنه
عن نصف روحه التائهة في غابات الكرمل
فغاص بأعماقه حبا
وشكرا
وعانق بنصفها الثاني أمواجه
موجة حمّلها حبّ أهل الشام
وأخرى أشواقه
وموجة حملت دمعه
ولم يتلاشى

قالت من قبل عِشْتار
وبالغت
هو بحر ماءه
قد تكوّن من نزف العيون
من أوجاع الصبايا
من آهات المسايا
من خيام المشردون
والطفل الرضيع

صار بحر الدموع
من عهد رؤى عيناها
من عهد أول الأقداس
وآخر الأنبياء


حدثه البحر وحدثه
عن جدران بيوتنا العتيقة
قال صامدة .
والياسمينة الشامية ؟
قال
غطّت النوافذ والشرفات
وعربشت على كل البيوت
حتى سعف النخيل وأبار الأشرار
وخيمت على
أرصفة الشوارع
فوق المقاهي
والملاعب
ودفاتر الأطفال
فوق رأس العابرين
وصلت حتى المآذن
والله أكبر
تطوف بعطرها
الله أكبر
كم صار عمرها ؟

حدثه البحر وحدثه
ثم صمت
بكى
بللته دموعه
مد يده إليه وقال
ذات صباح
وعلى شاطئ الرمل بحيفا
مكسر أمواجي وصندوق البريد
وجدت سطرا مكتوبا بخط يدها
في قلب محارة
قالت له فيه
سيقتلنا اثنان يا طلعت
الجبناء والمحتل

فهذي بذوري امانة
احفظها في عينيك
لكني يا طلعت استغربت !
سأل البحر :
هل للياسمين بذور ؟
هل للياسمين بذور ؟؟