..............................
استاذ سامر..
شكراً للسؤال ، لكن لا أذكر أنني قلت إن "الطفولة حاجز المبدع" في المقابلة التي ذكرتها.. في الحقيقة أعتقد أنه لا يمكنني أن اعتبر الطفولة حاجزاً للكاتب أو لسواه.. الطفولة برأيي على العكس تماماً، هي معبر القلم إلى فضاء إبداعي حقيقي.. ذكريات الطفولة وأشجانها ومشاهداتها وأحلامها وتفاصيلها تظهر في كل مسافة نقطعها نحو غد لا نعرفه.. نحن أحياناً نطل عليها كما يطل شخص من أعلى منحدر فنراها غريبة وبعيدة ومختلفة ، وأحياناً نستغرق في تأملها كأننا أمام صورة لأحد الغائبين محاولين أن نطابق ملامحه التي في الذاكرة مع الأخرى التي في الصورة..
على أنها لا تتحول إلى حاجز أبداً..
الشعر طفل أولاً.. طفل بري لم يولد لأبوين وإنما ولد من ضلع شجرة أو من شق صخرة في كهف أو من ألوان قوس قزح الشتائي.. الشعر الحقيقي هو الذي يفهم لغة ذاكرة الطفولة ويزج بها في تأمل وتجربة أكبر منها سناً ..
بالنسبة لقصيدة (رحلتي الأولى)، هي تستند أو تأخذ من ذاكرة شخصية من الطفولة.. ليست حادثة بالضبط، ربما هي مشهد أو ذكريات من ذلك النوع الذي يضيف إلى المخيلة الوجدانية.. لا أرى أن الحديث عن ذلك سيكون مهماً للقارئ.. أرى أهميته فقط حين يتمظهر بشكل أعمق وأهم من خلال القصيدة.. لكن .. حسناً.. ما من مانع من الإجابة على سؤالك:
ما أتذكره هو أنه كان عمري ثماني سنوات حين قرر والدي أن أنتقل للعيش وحدي عند عمتي العجوز.. كانت رحلة غير متوقعة.. وهناك كان أثاث الطبيعة موحشاً قليلاً وغريباً علي: بستان قريب بأشجار واقفة كالحواة مختزنةً صمتاً قديماً من الصباح إلى المساء، وطريق ضيقة لم أعرف إلا أنها تذهب نحو شارع إسفلتي محترق بشمس النهار.. وزقاق أثري الرنين يصغي لأيام وأصوات مزمنة الغياب... لم يكن ثمة أطفال.. ولم أكن أرى من أول الزقاق إلى آخره سوى طفل مصاب بالتخلف العقلي يقف عند باب موارب، كان يحدق إلى كلما مررت بنظرات ما بين الخوف والفضول... كنت أقضي الليل والنهار وحدي تقريباً، مواجهاً فيض وحشة مبكرة، وكانت زيارات والدي القليلة هي التي تذكرني بأن ثمة عالماً خارجياً وراء هذا البيت العربي الموحش.. ومن هنا قلت في القصيدة إنها تجربة رحلة أولى كان علي أن أمر بها لأتعرف إلى الغريب .. لكن القصيدة لا تحاول التوقف عند الحادثة الشخصية ـ كما أسميتها ـ ، لقد لجأت إلى الحادثة، كي أدخل في تفسير الغرابة شعرياً.