نوافير الوئام
نورٌ تدفّقَ من أمّ القرى فنما * حبٌّ يطاولُ فينا الصدقَ و الكرَما
كمْ أطفأ الجهلَ حينَ امتدّ حالكهُ * و انسابَ يروي النفوسَ الحِلْمَ و الحِكَما
شقّ الدياجيرَ حتى أنبتتْ أملاً * و اهتزّ غصنُ الأماني مُثمراً حلُما
أرخى خيوطَ الرؤى فالحبّ ينسُجها * مجداً رقيقَ المعاني يستُرُ الأمَما
نورٌ غزيرُ النوايا كلّما شربتْ * منه المساءاتُ صُبحاً أجّلتْ ظُلَما
و استعذبتْ زقزقاتِ العدلِ و انتفضتْ * عصفورَ حرّيّةٍ يشدو الهوى هِمَما
النورُ أحمدُ بالعينينِ منسكبٌ * كيما يُبرعمَ في أحداقها الشّيَما
هذا النبيُّ الذي تأتيهِ قافيتي * معسولةَ البوحِ تُحيي بالقصيدِ فما
نبضٌ يُضمّخُ بالأحلامِ أفئدةً * نحو المحبّةِ يهدي في العروقِ دما
تهوى الجراحُ التئاماً بابتسامتهِ * إنّ التبسّمَ فأسٌ يحطبُ الألَما
في يثربِ الخيرِ أخلاقٌ لهُ بُنِيَتْ * و المعولُ الدّينُ أحزانَ الورى هدَما
يبكي حراءُ فراقاً عن فضائلهِ * بعضُ الفضائلِ تغدو للثرى دِيَما
جوداً و برّاً و قِسْطاً أمطرتْ يدُهُ * منْ أبصرَ المُزنَ يمحو بالهدى سَقَما؟
مِنْ غار ثورٍ إلى أهدابِ طَيْبَتِهِ * أسرى بأمنيَةٍ حينَ الدعاءُ سَما
العنكبوتُ تحيكُ العشقَ يحجُبُهُ * عن غارسينَ ضلالاً يَحجُبُ القِمَما
و الصادحانِ بملء الشوقِ ما بنَيا * إلا المودّةَ عُشّاً فالوفاءُ هُما
ما كانَ يخرجُ منْ جبِّ الإباءِ غدٌ * لولا مشاعرُ سلّتْ نخوةً قَدَما
إنّ الرسولَ شعاعُ الحقِّ نتبعُهُ * مِنْ شُرفةِ القلبِ عُرْبَ الوَجدِ أو عجَما
تحلو القصيدةُ في بستانِ سيرتِهِ * ما الشهدُ إلا خصالٌ عانقتْ ذِمَما
لا زال يسكُنُنا عطراً فنحسبها * تلكَ الحكايا فَراشاً بيننا ارتَسَما
تُغفي القلوبُ زهوراً في ربى رَجُلٍ * يسقي المدى فرَحاً بلْ يزرعُ الكَلِما
يتلو الغمامُ ظلالاً فوق هامتِهِ * يسلو بها مطراً في قلبِهِ ابتَسَما
هذي قريشُ تناديهِ الأمينَ و ما * ملّتْ مسامعها أنْ يُصبِحَ النّغَما
في دافقاتٍ من التوحيدِ رقرقَها * كمْ راودَ اللاءَ حتّى أزهرتْ نَعَما
لمْ ينسَهُ الطيرُ لحناً بين أضلُعِهِ * و اسْمٌ لهُ في جبينِ العُمْرِ قدْ وُشِما
المفرداتُ برغمِ الحبرِ تذكرُهُ * بيضاءَ من فرطِ ودٍّ ضاءَ مُحتَشِما
فالمصطفى هدَّ أسوارَ الأسى و بنى * فِكْراً تُسيِّجُهُ كفُّ التقى حُرُما
تخطو الحروفُ إلى معنى توهُّجِهِ * خرساءَ فانتصبَتْ أشعارُها خِيَما
جفَّ الكلامُ و ما جفَّتْ مدائحُهُ * إنّي لأُتعِبُ في دربِ العُلا القَلَما
للذكرياتِ نوافيرُ الوئامِ جرتْ * محمودُها الماءُ ألغى فُرقةً و ظَما.
الشاعر الجزائري:
بغداد سايح
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|