17 / 03 / 2012, 11 : 11 PM
|
رقم المشاركة : [75]
|
شاعرة و رسامة و كاتبة
|
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
* الجزء الثامن عشر *
[align=justify] .... هل كان انتحاره ردّ اعتبار .. ؟؟ صمت مقابل صمت .. موت مقابل موت .. مشاريعه الّتي انتحرت برمي نفسها من أعلى سطر لأوّل ورقة دوَّن عليها فصول رواية عشقه المسلوب بتواطؤ أجنبي .. و أنثى جرّدت نفسها من أوراقه، الّتي كانت تلفّها .. كشجرة استسلمت لأوّل بادرة خريفية، أسقطت عنها كسوة سنين .. و كان الشّتاء .. فماتت بردا، عند أوّل قطعة ثلج سلخت عن السّماء رياء الفصول ..
هل كان انتحاره لعبة تخف و مخادعة لفنجان قهوة .. ؟؟ ذلك الّذي داهمته هي فيه، على حين غفلة، فرحل عنه مع دخانها المتوارث كأنّه سُحِبَ من سيجارة عرّافة، لا تجيد غير تزوير تواريخ الحبّ .. كان ذلك انتقاصا من فتنة القهوة و استنكارا لسطوتها، فكانت النتيجة أن انكسر الفنجان و انسكبت قهوته قهرا ..
لحظة انتحاره كانت انتقاما منه، حتى يشعر بعد ذلك بتيتّمه .. و حاجته لأنثى و حبّة بن .. و رجل يمارس شعوذته من خلالهما ..
أم كان انتحاره تكذيبا لفضيحة أنثوية .. ؟؟
قد يكون كلّ ذلك سببا دفعني لأبحث عن أنثى مغتربة، لأوَّطن ذاكرتي بأوراق ثبوتيّة أجنبية، لأفكّ عنه طلاسم لعنة تلبَّستها الأبديّة حتى قتلته، ثم أدَّعي فيما بعد، مروري بمنعطف خطير، كان سببا في تعثّر صديقي يوما ما .. و لأثبت أنّ وطني يصلح لأن يعيد إلى أحضانه إحدى الرّاحلات عنه، بسبب رجل أيضا، رجل امتصّ وطنيته من أزهار الغربة بحقد شديد و وزّعها بتفنّن رجولة و غيرة، فاستجابت له كلّ أنثى متمرّدة .. راجعت أوراقها، أحرقت ما أتلفته منها غطرسة الكلمات .. ثم انحنت تُقبِّل قصائدي الوطنيّة ..
ألأجل خنجر غرسته امرأة مزَّقت هوِّيتها على حافّة جواز سفر و تأشيرة عبور مشبوه بجوسسته على حدود وطن .. أَعْلَنْتُ انتقامي و كنت في أوجّ معاركي الكلاسيكية من أجل استئصال ورم خبيث من تصاميم النّساء المعروضة في متحف للفرجة الجماعية، تلك الّتي تتحدّى شرقيّتي .. و كنت أرفض التواجد داخل حوض للأسماك المجمّدة .. تسبح و هي ترى حدودها الممنوعة فلا تتجاوزها .. آليا تتحاشى الاصطدام .. فترسم خطوطها الدّائرية ثم بعدها لا تشغل نفسها بالتّأويل و التنجيم و إغراء المجهول، بخطوط حظّ .. رُسِمَت بكُحْل عربيّ، يدّعي الأصالة و رسّختها حِناء مغاربيّة مخادعة .. ذلك الوّشم، لا يلبث أن يزول بمزحة مطر خريفي عابر لحدود الخُرافة ..
منطق تلك المرأة لم يفاجئني، بالقدر الّذي استنكرته على أنثى .. كان يجب أن توَّطن نفسها في حدود أضيق من وطن .. و جغرافيّة لا تعترف بالقّارات و لا المحيطات و لا التّضاريس و لا حتّى بالمساحة و لا المسافات الخرافيّة الّتي تقاس بمحض الصّدفة .. كلّ ما تعرفه أوراق زوج .. و دفتر يأوي إليه مجموعة أطفال .. و كأنّي بعد سنين نضجي السّياسي و المدني استرجعت أصالة الرّجل الشرقي، الّذي اختفى منذ زمن بأعماقي .. محاولة منه لمسايرة العصر و متطلّبات التحضّر الزّائفة ..
كنت أفكّر في السّفر دون الهجرة، في كسر جدار أصبح بالنّسبة لرجل اكتفّى بشرقيّته، رجل لم يبرح جذوره الأولى .. إلّا لمجرّد تعاطي نَفَس من لفافة فجر طلعت شمسه باكرا، متخفيّة عن أنظار لحظات غضب و قهر و تمرّد، رجل لم يزوّج جنسيته بجنسيّة فرنسية أو إيطالية، وصمة عار .. لم ينجب وطنا أصغر يصلح لأن يكون أجنبيا، قد يكون عربيّا بحدود مرسومة بسياج حجري آيل للسّقوط في أيّ لحطة تعر من الوطنيّة ..
حتّى الأطفال في بلدي، أقاموا علاقات غير شرعية مع شهادات الجنسيّة الأجنبية .. و كأنّها كانت تُمْنح لهم بالتبنّي و بالمراسلة الالكترونية .. اللّغة تدحرجت بين مخالب ذئب برّي، أفقدها نكهتها الطبيعية و شوَّه معالمها بأشلاء طريدة التهمها للتوّ .. ثقوب في الذّاكرة المعرّبة و فجوات أخفتها قطرات الدّم المتبقّية من عروق نزفت طويلا ... و الدّم لا يصلح لأن يرمّم جرحا غائرا .. بقدر ما يمنحه بركات النّزيف و تعويذاته الّتي تمنع عنه الألم .. حتى إذا تجاوز مرحلة التعفّن تيبّس و على حوافه قطعة جرداء، لا تصلح لأن تتولّى الديدان مصاهرتها .. حتّى الجرح الغائر .. يُورِّث القسوة ..
و كأنِّي استدركت ثقب فضاء ذاكرتي، الّذي أخذ يتسّع يوما عن يوم .. من وقع التلوّث و كميّة الغازات التي تطرحها حروق الذّاكرة .. و تفحّم الحواس و الاستغناء عن التنفّس الطبيعي بآخر ذو نزعة كربونية .
في إحدى خرجاتي الصيفيّة في فنادق العاصمة، ذات السّبع نجوم .. بإضافة نجمتين أجنبيتين من أصول عريقة .. تعرّفت على حرف القاف ..
طالبة جامعية مقيمة بنيس الفرنسيّة .. حضرت لتتطفّل على وطن .. نسبتها الأقدار له، دون عذر شرعي و لتوقّر شهادة ميلادها الّتي حملته طفلا لقيطا بين سطورها . يحتاج للمسات حنان من الحين للآخر، حتى لا يشعر بتيتّمه .. بعد أن أضاع رسم خصر خارطته النّحيل من كثرة ما أنجب من أطفال .. بعضهم بار و البّعض منكر للجميل .. و بعضهم حمل نقمة الدَّيْنِ طويلا، حتى أسدل جفنيه عن شتاء مزدوج .. أضاع ذاته بينهما ..
[/align]
|
|
|
|