18 / 03 / 2012, 27 : 11 PM
|
رقم المشاركة : [78]
|
شاعرة و رسامة و كاتبة
|
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
* الجزء التاسع عشر *
[align=justify] أم قد يكون الحنين لمسقط الرّأس، من دفعها لزيارة محذوفة من تاريخ أسفارها .. تَفَقُّد لجزء نائي من شهادة جنسيّة مزدوجة .. جزء منسي حمل وبال المسافات ..
تطفَّلت على طاولتي من تحت ملاءة شعرها الممشوق، كأنّه قَدُّ غانية .. في تسريحة موقّرة تداعبها تموّجات خصلات شقراء، بملامح أنثوية صارخة، حتى لون عينيها تجنّس بزرقة العيون الغربية ..
كانت جميلة لحدود غير معقولة، حتّى لا تكاد التفاتة رجل أن تخطئها .. و كأنّها المدى البعيد الّذي تقع عليه النّظرات المتطفّلة و ليس بعدها شيء يُرى .. آخر نقطة تُقْفِل قصيدتك عنوة، لا مجال بعدها للسّطور .. و لا للكلمات ..
و كنت أنا ليلتها، بكامل أناقتي النّفسية و الجسدية .. بربطة عنق ترقص لها الفاتنات و بذلة شرقيّة الملامح، تطرب لها الأفئدة .. كأنّها معزوفة شعرية لكمان تنصّل من أصابع عازف جبان .. فاختار أن يمارس جنونه تحت شرعيّة أنثى .. أنثى فاتنة، لا تخضع للتّفتيش و لو عبرت حدود كارثة جويّة .. ملتحفة راية وطنية مغمورة بالكتمان اللّوني .. و الحسّي .. ذلك الانتماء الصارخ، لا تطوّقه دونية المواثيق و لا الدساتير ..
تَرَبَّصْت بعطر تساقطت قطراته مباشرة على جسدي من طائرة أقلعت للتّو من باريس .. و كأنّه لا تزال قطع الزّهر و الياسمين و أنواع الياقوت و الزّمرد و المرجان و أنواع الورود المحنّطة متشبثة به، تماما كما يتشبّث الزّهر الحرّ المغترب عنوة .. في قارورة عطر أجنبية، بأرض فلسطين، فيعودها كلّما أقلعت طائرة نيسان .. ليبحث عن أنثى، تخبّئ علما فلسطينيا بين شُعَبِها الهوائية .. بين ما يختلسه النّحل من رحيقٍ، ليداوي به علّة مجهولي النّسب، ممّن يعانون من عقدة الأصل المجهول و مترادفات الجرح اللّفظي و تتبّع للعاهة مع إشراقة حزن وفيّة لميعاد طلوعها .. من بين جبال قهر و ذل .. فتات ذاكرة .. و بقايا زجاج تحطّم من قلب تحوَّل من كثرة بكائه، لآنية زجاجية قد تنكسر بمجرّد اقتطاع نَفَس ..كضريبة على توارث الأنفاس العليلة، العقيمة ...
كنت جالسا على طاولة عشاء فاخر، أُعِدَّت خصيصا على شرف صديقي الدّبلوماسي حسن، و كان في زيارة ترفيهية لجذوره الجزائرية .. كان العشاء نجمة ثامنة، تضاف للسّبع نجوم المعلَّقة " سهوا " على جدار الفندق الرّسمي .. بصورة شفافة .. لا يراها غير مبتوري الأجنحة، ممّن لا يُسْمَح لهم بالتّحليق فوق أبنيّة تفوقهم عزّة و كرامة .. و كأنّ الكرامة تقاس بالأرصدة البنكية ..
كان هو النّجم اللّامع، الّذي أشهر ليله في وجه اصطناعية اللّيالي .. فلفَّها بظلامه الحالك ثم شهق شهقته المسكونة بضياء ساحر، فأشعل شموسها النائمة اقتداءً به .. تحوَّلت اللّيلة، من ليلة ضَجِرة إلى ليلة فارهة الضّياء، تسكب من فيض نورها شعرا صامتا في كأسي فيُسْكِرُني .. كان هو .. كما عهدته رجلا بمقاس ليلة قمراء .. يكفي حضوره حتى يعتلي اللّيل قمّة هرم الجمال و السّحر ..
ثم خلفه و قبله .. أشباه نجوم لحراسته .. ببدلات سوداء تشبه ليل الحزانى .. لولاه لاستحالت الرّؤيا ..
كان رجلا مهما بوزارة الخارجية الجزائرية، حتى أنّي أعتقد اليوم أنّه أصبح سفيرا للجزائر ببلد ما .. مظاهر رفاهية عاصفة .. و قطع جليد و قارورات نبيذ .. ترقص على أغلفتها عناوين السّيادة .. تُحَضَّر على الطريقة العاصمية المدنّسة بغرور أجنبي .. كما لو أنّها تُعْصَر له خصّيصا من نوع خاص من الفواكه اللّاموسمية .. الّتي تحتاج لسنة من الإلحاح و التّبجيل حتى تنمو و تُزْهِر .. بدلال أنثوي .. و" قمّة الغموض " في طريقة سقيها ..
كراسي الطّاولة يشغلها رجال أعمال مُهِمِّين و نساء مُهِمَّات صعبة أم هي عملات صعبة ... بتصميم مختلف تماما عن الأنثى الشرقيّة الكلاسيكية، الّتي تشهق على دخان سيجارة مشتعلة بين أسوار شقّة مجاورة .. حتى تموت خجلا و تلفظ أنفاسها الأخيرة على عبارة ( أستغفر الله ) ..
تجاوزت تلك المرأة السّياج الأسود المربك .. و أطلَّت من خلف ستارته المعتّمة لترصد لحظات نقمي و مللي و أنا في جلسة رسميّة، فقدت على ضفافها نكهة البّساطة و التّلقائية و الابتسامات الشاهقة بتلقائيّتها الشديدة .. حتى أنّ السّيجارة الباريسية المظهر، تثاءبت بين شفتيَّ من قوّة قهري و رغبتي في التّنصل من الرّسميات و الصفقات و حكايا المجتمع الرّاقي .. أطلَّت و كان يفصلني عنها مجرّد شرفة ليلية .. تواطأت و صدفة مغيب القمر، مجرّد سحب شيطانية تنفثها الشّفاه، نكاية في الصّقيع المنسدل كأنّه اغتراب مشاعر .. تلك الأمكنة كانت جافّة، باهتة لا تربت على كتفيْ اليّتم و لا تكفكف دمعة نزلت لتفضح حزنا متواريا خلف ظلال شقراء ..
[/align]
|
|
|
|