* الجزء الثاني و العشرون *
[align=justify]
حصلت منها على أوراق الإقامة و حتّى تأشيرة الدخول .. بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشّرف .. و مقعد شرفي في جناح الأمراء .. و كأنّ المهجر يدعوني لدخول أراضيه على بلاط مرَّصع بالأحجار الكريمة، الّتي تواري خلف لمعانها كؤوسا فارغة، معدّة مسبقا لذرف الدّموع ... و لو بعد زمن ..
العودة للوطنيّة بعدها ستكون صعبة جدا و شاقة .. فلا شيء أصعب من انكسار قدح الطّفولة .. الأوّل بذكرياته المعبّأة في خلجان الرّوح .. كلّ من يستخلفه فيما بعد مجرّد ملء فراغ . لا شيء أصعب من انكسارٍ داخلي، بعدها لا شيء يصلح لترميمه ..
كان يكفيني التّرخيص و الإجازة المرضية من الوطنيّة لأغادر مطار هواري بومدين الدولي، المهووس باشتهاء المسافات البعيدة .. ذلك المحفّز على الرّحيل، باتجاه منتجع أقضي فيه فترة نقاهة بعد عملية استئصال جزء من حبّي لوطني .. بعدها و بعد شفائي التّام، سأطالب بحقّي في التجنّس و في رفع العلم الأجنبي في المناسبات الدّولية و في مباريات كرّة القدم العالمية ..
لكنّي تراجعت .. و أخفيت أوراق سفري المُدَّمِرة، في حقيبتي الدبلوماسية الفاخرة .. المصنوعة من جلد ثعبان برّي .. الّتي تحوي أوراقي المهملة من زمن الحبّ الأوّل إلى غاية الدّرجة الثالثة من حروق الرّوح .. حيث تقبع تلك المرأة الأولى في تاريخي الشّعوري، تجلس كأميرة في جناحي الملكي ... رَفَضَت بكلّ ما أوتيت من أنوثة ساحقة أن تبرحه .. و لو لثوان ..
حتّى مشروع جنسيّتي المزعومة، أوقفته بدهاء أنثى .. عربيّة مبجّلة، معقّمة من كل تزوير .. لذلك كانت مختلفة .. فالأنثى الّتي تُطِيح بطائرتك لحظة إقلاعها، تصلح لأن ترتدي راية وطن .. تصلح لأن تفرش لها دفاترك و أوراقك و تعيرها في لحظة جنون .. توقيعك كي تكيد به .. كي تمنحك الشّرعية الكافية لتدير حزبا رجاليا يصلح لأن يعتلي السّلطة .. بثقافة الانصياع .. أنثى .. أوقفت عملية تشييد لتمثال عربي، كان منّ المقرّر تاريخا وضعه على قارعة طريق منفية .. مزّقت دون أن تدري أوراق هويّة لم تولد بعد .. أحرقت خارطة تحوي طرقا مختصرة جدا للوصول إلى العالمية الغربية .. محت بحبر ماسخ، توقيع شمس طلعت شقراء من معبد الغروب .. فأعادتها لطفولتها الأولى ..
قتلت رجلا بداخلي .. كان لا يقوى على الاعتراف بحبّها .. لأولد أنا .. !!
أَجَّلْتُ كلّ مشاريعي لدراسة بنود مشروع حبّ جديد .. الصّفقة الّتي منحتني إياها الأقدار على طبق من ذهب .. و لأحاول مطابقة تصميمي الأخرس مع تصميمها .. بشكل قسري و قهري و كأنّي أحاول بتر الخدوش من على ملامح رسمي التشكيلي لها ... كأنّي أحاول استبدال أغلفة صارت للتّو متهرّئة بأخرى، أثبتت بسذاجتها أنّها الأنسب لتغطّي جثمان تمثال بشري .. كمن يصنع واجهة مطّاطية تصلح لأن ترسم كلّ شيء و تصوّر كلّ شيء بأدقّ تفاصيله .. دون الحاجة لمراجعة المقاسات ..
تماما كمن يغطّي النّور بالعتمة .. فلا يكاد يرى شيئا غير التفاتة القدر الجارح ..
ذلك هو الواقع الّذي بثَّني ألمه أخيرا و استرشد بكتب التاريخ ( الغجري ) كي يجنبني أفضع فاجعة قد تعرفها عالمية الحبّ .. خارج الأسوار ..
حينها لم أكن أبدا لأعترف بجنين حبّها .. الّذي بدأ يتشكّل شيئا فشيئا و ينمو بين أحراش قلبي و أشواكه المتّقدة حقدا .. حتى أنّني جرحتها أكثر من مرّة ..
حين تعرَّت الحقيقة أمامي عاجلني المخاض فجأة .. و انتكاسات ما بعد عملية البّوح القهرية القيصرية، فدخلت في متاهة الكوابيس و أحلام منتصف العمر ..
كانت أوّل طفلة تولد برغبة مميتة في الحياة و بقائمة أشياء طالبتني باقتنائها فور استفاقتها الأولى .. و هي تراقب الدّنيا في ملامح وجهي المحذوفة قبل تاريخ ميلادها .. و كأنّها بميلادها الشّرس .. أعادت رسم ملامحي من وحي خيالها و رغبتها الأنثوية و حسب تصاميمها المعدّة مسبقا ..
هي المرأة و الطفلة الّتي اجتاحت سمائي، كنجمة .. فعلَّمتني كيف أبحر و بمحاذاتي قارب قد أستجير به من أمواجها العاتية .. فأعود منها إليها .. و أغرق فيها و لها و أمامها ..
كتبت عنها يوما :
أريدك أنثى ...
بمفهوم تجهله النساء
تجهله كواكب العشق المترامية بسمائي
و تجهله طفولتي التي رحلت ..
يوم تهت بمدن الشّوق ..
.....أريدكِ حلما ..
يُشَتِّتُ لحظات سهوي ..
يبدّد سحبي ..
وكوكبا يحطّ بفجري .. حين أشتهي ..
صبحا يعد بلقياك ِ...
أريدكِ أنثى ..
تتحطّم أساورها إذا صرخت
و تتبعثر حبّات اللّؤلؤ الّتي تتوسّد نحرها ..
كلّما رقصت ..
لها الأولى و لي تمتمات الثّانية
و قبلة تحرّرها الآهات فوق
[/align]