[align=justify]
متابعة لما سبق
طبعاً عائلتنا مثل كل العائلات الفلسطينية التي أبعدت عن ديارها ليحتلها لصوص الأوطان والتاريخ
كل منا في بقاع وكل منا في ديار بعد النكبة وعند كل مرحلة شتات جديد وتفرق جديد
جدي توفي في لبنان حين علم بسقوط فلسطين وبقي الأبناء في طرابلس - لبنان حيث توفي جدي أما أولاد أشقاء جدتي ( آل سقيرق ) حلوا في دمشق بعد النكبة وجاء إحصاء لجوئهم هناك وآل الخطيب في لبنان، لذا عمتي بعد زواجها من ابن خاله سكنت في دمشق، طبعاً طلعت الوحيد من أولادها المولود في طرابلس.
عمي الأكبر صلاح الدين والذي توفي بعد أسبوعين من رحيل طلعت، سكن في دمشق من أجل الزوجة وأهلها، أما الاخوة غير الاشقاء فتوزعوا أيضاً في عدد من البلاد
كنا نلتقي في الاجازات وكانت كثيرة جداً في البداية وحتى وفاة جدتي وكان لا بد لأهل الشام تحديداً من النزول في كل فرصة إلى طرابلس
ثم أخذتنا الحياة وظروفها بعيداً كل في بقاع لنستقر نحن في كندا، وأنا تحديداً عشت في كندا أكثر مما عشت في طرابلس
لكن الصلة بين الأهل كانت دائمة وحتى حين يكونوا في دمشق ونكون في طرابلس كنا نكتب لبعضنا البعض ( جميعنا) رسائل، وكانت هذه فكرة عمي يحيى الذي أراد ألا تفصلنا المسافات بين دمشق وطرابلس وابتدع أن يكتب ونكتب جميعنا رسائل دائمة لبعضنا البعض..
وما زلت أذكر يوم أعلنت إضراباً عن كتابة الرسائل حين اكتشفت أن عمي يحيى يقوم بقراءتها.
أنا وأختي بسبب وفاة والدنا نشأنا في مجتمع لبناني، فوالدتي لبنانية ومن أسرة كبيرة العدد ضمن منظومة اجتماعية شديدة الترابط بين العائلات الطرابلسية
لكن بالنسبة لي كنت أقضي عطلاتي المدرسية والاسبوعية في بيت جدتي
وبقي على الدوام لطلعت مكانة خاصة موشاة بشيء من القداسة إن جاز التعبير
الشيء الذي أود أن أنوه عنه هنا
والدي الأديب والمفكر والشاعر نور الدين الخطيب تعرض ربما لأكبر قرصنة يتعرض لها أدب ، وطلعت هو الإنسان الوحيد من بين الجميع الذي حاول جهده سنوات طويلة بلا كلل ولا ملل للسير خلف الخيوط والعمل على استراجاع إبداعات خاله والحفاظ على نتاجه الشعري والأدبي والفكري لكن ما قطع الخيط كان تلف معظم الأراشيف بعد الحرب الأهلية اللبنانية
وكتب عنه مرات عديدة محاولا بشتى الطرق، وهذه حكاية أخرى تشكل بحد ذاتها مأساة الغيرة والحسد والتي تدعى مأساة قتل الأديب مرات عدة
بكل الأحوال ليس هنا مكانها ولا هذا زمان فتح ملفاتها، ولدينا الجرح الطازج الآن
بين كندا وسورية كنا نتحدث بعض الأحيان عبر الهاتف خصوصاً حين يكون عند عمتي أما اللقاءات فكانت نادرة حين أتمكن من النزول في إجازات ، حتى أني لم أتابع مسيرته الشعرية والأدبية بعد هجرتي، وفوجئت في إحدى أمسيات الصداقة الفلسطينية الكندية بقصيدة شعر ألقيت بالعربية ومترجمة بالانكليزية كان لها أن تذهلني وأكملت بلوحات راقصة تصاحبها بعض الأناشيد الفلسطينية لأكتشف أنها لابن عمتي وصديقي الغالي الأستاذ طلعت سقيرق وحين أخذ يتحدث الشخص الذي ألقى القصيدة عن هذا الشاعر الفذ المبدع الذي يكتب بدم القلب وماذا قدم للانتفاضة وكيف أنه استحق لقب شاعر الانتفاضة، خالطتني الكثير من المشاعر بين الفخر والاعتزاز والتأثر ووجدتني أقول لنفسي
هذا هو طلعت وهذا الصفاء والشفافية الآسرة فعلا لا يمكن أن تكون إلا لطلعت
وكان لي أن أصرح بكل اعتزاز أن هذا الشاعر الفذ الذي يتحدثون عنه والذي أقيمت الأمسية معتمدة بشكل خاص على قصائده وأناشيده
ابن عمتي
وجاء فجر الانترنيت ووصل إلى سورية وكان لهذه الشبكة التي اختصرت المسافات أن تعيد أواصر الصداقة والقرب وصلة الرحم من أوسع أبوابها وتضعها حيث يجب أن تكون، والجميل هنا أن هذا القرب الذي كان دائماً برغم المسافات وجد فرصة استثنائية وكانت الغالية سهير هي التي أعادتها حين أعطتني ايميله وأخبرتني أن الانترنيت انتشر عندهم وأن والدها يستعمله في البيت وأخذت إيميلي وأعطته وتلقيت منه في نفس الليلة أول إيميل، ومن يومها وعبر كل هذه السنوات بقينا على تواصل يومي
انزعج جداً في البداية لانقطاعي عن الكتابة في الصحافة العربية ثم بعد بدء الكتابة بالانكليزية وعملي بالصحافة هنا انفصالي الذي بدأ جزئيا حتى انفصلت تماماً
وألح في عودتي وبدأنا الكتابة المشتركة ثم بدأ يجهز لأوراق99 ودخلت من خلاله وبصحبته إلى مجال الكتابة على الشابكة وأصبح لنا مشاريعنا المشتركة...
لو سألتني أجيبك بكل صدق طلعت الإنسان عندي أكبر وأعز وأسمى من أي تأطير بما تعارف عليه الناس
طلعت وطلعت تحديداً وطني وأهلي وأبي.. بعض فلسطيني
وانا كذلك عنده أعز وأقرب وأكبر من أي تأطير
إنه أهلي ووطني ودمه يسري في شراييني ومعنى موشى بالنبل
المشاعر الخاصة التي يفكر بها الناس تبدو طير صغير أمام معاني هي هذا الفضاء باتساعه والسماء
مع كل ما جمع بيننا من قرب ومعاني نبيلة ودماء مشتركة وأطباع قريبة وطفولة دائمة جمعت بيننا صداقة حقيقية وأقرب وأعز الأصدقاء من تستطع أن تقول له (( يا أنا )) وقد يكون الجزء الأعز في هذه الأنا بكل ما يمكن أن ترتقي إليه الإنسانية من طهارة ونقاء ما بعده نقاء فصوفية الصداقة خصوصاً بين الأهل يمكن أن ترتقي إلى هذا الحد فيشعر بألمك قبلك وتصله شكواك قبل أن تبثها لذاتك
طلعت الرجل وطلعت الشاعر
طلعت الرجل والشاعر كان دوماً من الرجل النبيل، أنقى وأطهر من أن يبتعد إنسانياً حتى بفكره وأنت شاعر أستاذ محمد وتعرف
ما أشبه الشاعر المبدع الأصيل بالرسام، يرسم لوحاته بكل صفاء وتجرد
قد يكون بعض الشعراء وهم قلة مزجوا بين الشاعر والرجل وبين الإلهام وواقع الحياة
لكن طلعت لم يستطع أن يكون إلا إنسان شاعر بكل ما فيه من نبل وقيم وإخلاص وشهامة قل مثيلها
هو في هذه الزاوية أيضاً مثل خاله، كثيرات تحلقن حوله لكنه لم يكن ليخون نفسه وإنسانيته
كان بالفعل كبيرا في كل شيء
[/align]