عرض مشاركة واحدة
قديم 26 / 03 / 2012, 09 : 12 AM   رقم المشاركة : [98]
حياة شهد
شاعرة و رسامة و كاتبة

 الصورة الرمزية حياة شهد
 





حياة شهد has much to be proud ofحياة شهد has much to be proud ofحياة شهد has much to be proud ofحياة شهد has much to be proud ofحياة شهد has much to be proud ofحياة شهد has much to be proud ofحياة شهد has much to be proud ofحياة شهد has much to be proud ofحياة شهد has much to be proud ofحياة شهد has much to be proud of

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )

* الجزء الخامس و العشرون *



[align=justify]... فرض حصار شديد على غزّة .. في يوم عاصف من أيّام اتحاد تاريخي للفصول الأربعة على وقع الصّمت العربي .. في 2007، سنة بانتكاسات متتالية و كأنّها كانت تمارس حقّها المشروع في اهتزازات جانبية تماما كما هي الشّرعية الزلزالية .. تصبّبت فيها لعنات الموت من سماء سجنتها صواريخ الدمار على جسد العروبة .. حتى وصلت ذروتها .. على إثر الأزمة الخانقة تضاءلت الكهرباء .. فصل السّلك المحجوز للتصنّت السرّي عن صاعقة الكهرباء الّتي كانت كفيلة بإشعال المخابرات القّارية لأكثر من خمسين ألف سنة .. هي عمر الفاجعة الكونية .. الحصار كان له طعم المنافي .. الاغتراب تحت راية الوطن حيث لا ملجأ إلا لاسم حافظ على حروفه متقدة .. الحصار كان قاتلا، بسياجه المرسوم بسذاجةٍ شقراء .. كما لو أنّه استعار شيئا من شمس فُجِعَت إطلالتها على ضواحي فجر مسلوب الإرادة .. حتّى البحر مارس أرستقراطيته على شعب تفطّن أخيرا للفوارق الشّعرية بينه و بين المدّ و الجزر بسلطانهما الّذي لا يقهر ..
يحدث أن يولد على ضفاف قصيدة .. حبٌّ وطني بغمازة أنثوية ساحرة و قد يُجْهَض حلم أسطوري على خلفية نزيف قاتل .. مشبوب بفطنة معتمدة الأوراق الدبلوماسية ..
كان الحصار شبيها تماما بقطعة شمس ولودة .. سجنت بين أسوار علبة ليلية فخمة و كانت النتيجة .. أن مات كلّ أمل في إنجاب شموس أخرى، قد تغطّي العجز العربي في حاجته للنّور .. حتّى يرى مسالكه نحو غد جميل .. تلك الفجوات التي كانت تطرقها الطيور المهاجرة كلّما شابها الحنين لغزو طقوس خريفية أنانية .. تدارت خلف رهبة مهجورة .. و كأنّ الدبلوماسية لا ترضى بمراوغات ما وراء الطبيعة .. ذلك أنّ الأنفاق .. سريّةٌ .. لا يجوز هتك عرضها .. بتجاوزات ليلية مربِكة .. مشكوك في انتمائها السّياسي .. حتى و إن كانت الحياة ثمنا جريئا .. لقطعة رغيف مخبّأة .. و فوضى حواس ..
حتّى الجسر الوحيد .. الّذي قد يوصل طفل بزجاجة حليب و قطعة رغيف تعوّضه عن تلك الّتي تلفت حوافها .. على إثر قصف شديد الوطأة و تداخلت محتوياتها بعربدة دماء .. على الضّفة الأخرى ، كسر .. ما بين الضّفّتين .. كما كسرت يوما لعبته المفضّلة و تبعثرت شظاياها بين زوايا الحصار .. كلّ زاوية تُرى مسافاتها الحسيّة المشفّرة بهواجس النّهاية الأبديّة .. و الدّمار .. حتّى الدّمار لا يمكننا لمّ شمله، محاولة لعناق أخير .. لا يمكننا إلصاقه بغراء أحلامنا الّذي استباحها الموت أيضا، فكانت الفاجعة أكبر .. و أرسخ بذاكرة شاذة تترصّد كلّ شيء مهول و عاصف كرحلة موت إرادية ..
موت .. و موت .. و موت ..
الحصار على غزّة .. تجاوز الحدود، في انطلاقة شعرية خارقة .. عابرا كلّ الاحتمالات و التّداعيات و التظاهرات و الخوارق و رحلة جنون فاقت المستحيل في تواريخها .. كلّ تاريخ يحمل ذكرى استشهاد .. حتى أصبحت السنة مدينة لما بعدها بتواريخ جديدة .. لا تمتّ للأرقام و لا للشهور بصلّة .. غير أنّها حُمِلَتْ فوق الأجساد لصيقة بجثة شهيد .. الحصار عَبَرَ متاهات الجنون .. ليصلني على بعد خافقة برق تلبّسته السّماء فجأة و كأنّ شظايا الزّجاج الّذي كسرته ابنة شقيقتي " أمال" ذات الأربع سنوات، الّتي زارتني رفقة والديها إثر تعرّضها لحادث عشوائي من حوادث الطفولة .. قصد إجراء أشعة على الدّماغ .... يعتقد أنّ هناك نزيف داخلي .. كان له منطق غريب .. و كأنَّ الزّجاج نفق سرّي معتمد لإيصال رسالة مشفّرة بين مجموعة أطفال .. ناقل للكهرباء على بعد قرن من الزّمن .. و هو أيضا على بعد همسة .. شعرت أنّها تلقّت برقية ممضية بقلم دموي مجهول .. تلك الرّسالة فجّرت جنونها على جسد أمال .. فجأة .. و كأنّه نداء استغاثة .. فكان أن نزفت طويلا ..
تلك الطفلة .. الأنثى .. الّتي تجاوزت المفاهيم عندها المستحيل .. لتصلّ حدّ الصمت .. و الإيماءات المبهمة .. كانت تواسيني لمجرّد أنّها كانت طفلة .. و تفهمني لمجرّد أنها تنتمي لجنس النّساء .. صمتها كان يشعل رغبتي في الشّرود .. ابتساماتها كانت تنفضني كسيجارة مميتة، توّد إزهاق شرعية السّموم بداخلها .. لتبقى فقط الورقة البيضاء الّتي تلفّها .. تصلح لأن تكون افتتاحية لقصيدة جديدة ..
أمال شرّعتها السّماء لتكون امتدادا لروحي .. تداخلني متّى شاءت بتمتمات الطفولة المبهمة .. تسكنني برغبة مجنونة في الصراخ ليلا .. حيث لا يسمعني غيرها .. ذلك الصّراخ الّذي يمتزج أحيانا ببكائها .. كان يصلح لأن يتبنّاه رعد برّي .. من ذلك الّذي يهوى التسكّع فجرا و النّاس نيام .. تمهيدا لشروق آسر ..
تلك الطفلة الّتي أحببتها حدّ التبنّي الرّوحي لها .. ولدت يوما و أنا أحرّف مشاعري فكانت أن أمسكتها بين كفيها الصغيرتين و أعادت تشكيلها على مقاسها .. تلك أولى اللّحظات الّتي حملت فيها طفلا رضيعا لم يمضي على ميلاده إلّا مجرّد ثوانٍ .. ذلك الميلاد كان محذوفا من عمر الشجن ..
لذلك حين نزفت فجأة و سقطت شعرت أنّ الثواني المحذوفة تضاعفت آلاف المرات حتّى غطت عمري بكامله .. و أعادتني طفلا يبحث بين الأجساد الممتلئة عن شبيهة أمه ..
أمال بقيت بالعناية المركّزة لأكثر من أسبوعين .. بعدها رحلت تاركة خلفها طفلا و رجلا .. طفلا يحنّ لرفيقة طفولته التي تعلّم معها، كيف يغازل الدّمى في حضورها ثم بعدها يلثم يدها في اعتذار طويل .. و رجلا يبحث خلف ثوب مزركش لطفلة .. في يوم عيد ميلادها عن عطر نسائي خلّفه مرور أنثى بمحاذاة طفولتها و هي تطفئ شمعتها الأولى ..
[/align]
حياة شهد غير متصل   رد مع اقتباس