واسمحوا لي أيضاً أن أترك لكم بين أضلاع هذا الملف هذا النص من" الكتاب الفلسطيني " للأستاذ طلعت
[align=center][table1="width:100%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit4/backgrounds/10.gif');border:4px double silver;"][cell="filter:;"][align=justify]
زائر من التاريخ
فعلها الولد شحرور الغندور ويتمني حين تركني وذهب وحده إلى بلاد بعيدة في رحلة استجمام كما قال وادعى.. ولأنني كنت حزيناً من جهة، ومسروراً بعد أن خلت لي الساحة من جهة ثانية، فقد أخذت أتجول في الشوارع جيئة وذهاباً دون قيد أو شرط، ودون أي تدخل من شحروري العزيز، أو من أي شحرور آخر من الشحارير الغنادير المنتشرين في أرض الله الواسعة الشاسعة.. لكن ما حدث أثناء تجوالي في الشوارع القديمة، وفي الحارات الضيقة العابقة برائحة التاريخ، جعلني أنسى كل شيء، حتى نفسي، فما بالك بشحرور الغندور.. فماذا حدث؟؟..
كان شيئاً يشبه الحلم، أو يشبه الدخول في أحلام يقظة.. ولكم أيها الشباب أن تفسروا الحالة حسب ما ترون فلن أعترض والله.. لكن إياكم ثم إياكم، أن تظنوا للحظة واحدة أنني أخترع القصة، أو آخذ في تأليفها وحبك صورها من عالم الخيال.. فوالله يا شباب، كان خالد بن الوليد بلحمه وشحمه.. والغريب أنه كان يحمل حجراً لا سيفاً.. وكان يركض ويطلق حجره لينقض صخرة، وأي صخرة، في وجوه الغرباء..
صرخت.. قلت: بالله عليك يا ابن الوليد.. أيها القادم من نبض قلوبنا، كيف استطعت الوصول إلى هنا، ثم أيمكن أن يناسبك زمن ضاعت فيه الملامح، وسقطت العناوين، وكبرت الفرقة، وتمزقت صفحات النخوة؟؟
نظر إلي بعينين تقطران رحمة رغم الشرر الذي يقدح فيهما.. وقال بصوت ملأ الزمان والمكان: وأي زمن أنسب لي من هذا الزمن؟؟ ألا ترى أن الغرباء يمتصون خيرات الأرض، وفوق ذلك، يتحكمون بكم ويملون شروطهم الجائرة الغريبة دون وازع أو رادع.. كيف تريد أن أبقى حبيس قبري، وأنا أرى ما أرى، من حقي أن أخلع كفني، لأساهم في رد الغرباء..؟؟!!..
كنت أسمع وأرى وأغص.. قلت بصوت لم يكن مسموعاً: آه يا خالد، وهل يستطيع هذا الحجر أن يرد هؤلاء الغرباء الذين أتوا من آخر الدنيا مدججين بأحدث الأسلحة ليفرضوا علينا الكثير والقليل.. ماذا سيفعل حجر يا خالد.. ماذا سيفعل بالله عليك؟؟..
سقطت دمعة حرى من عين خالد بن الوليد، اقشعر لوقعها بدني والله، فما كنت أتصور أن يبكي سيف الله المسلول.. صحت: لا يا خالد.. بالله عليك لا تبكي، فأنا ما قصدت النيل من حجرك.. لكن الحقيقة تقال يا رجل، فلماذا كل هذا الحزن؟؟!!..
مسح ابن الوليد دمعته بأصابع الروح وقال: ما أصعب الزمن الذي تعيشون، هل وصلت بكم الحال إلى حد دفن الرؤوس في الرمال حتى لا تروا ما يحدث.. المسألة ليست مسألة حجر أو سيف أو دبابة.. المسألة أولاً وأخيراً مسألة قرار، مسألة إرادة، مسألة كرامة.. الحجر يمكن أن يكون معجزة حين تسنده إرادة لا تلين، ألا ترى أطفال فلسطين، هؤلاء الذين جعلوا من الحجارة سلاحاً لا يماثله سلاح.. الشيء الجميل أن هؤلاء لم ينتظروا قراراً من أحد، أخذوا القرار وواجهوا المحتل دون خوف، فكانوا خير من يعطي الدرس في النضال الجميل الشامخ الرائع.. لكن ماذا أقول وقد سحبوا منهم كل شيء، الورد والهواء والزمان، كي يضعوا في سلة الريح سلاماً لا يستطيع الوقوف على قدميه.. كان الحجر رائعاً، فحولوه إلى وسيلة حمقاء!!.. أتدري أريد أن أعيد لهؤلاء الأطفال حجارتهم، أريد أن أعيد لهم هواءهم النظيف.. لذلك جئت من الزمن البعيد وفي يدي حجر..
قلت: أنا معك يا ابن الوليد.. لكن من سيسمح لك بأن تعيد لهؤلاء الأطفال الرائعين حجارتهم؟؟!!
هز خالد بن الوليد رأسه بأسف وصاح: ها أنت تعود من جديد للف والدوران.. ومن قال لك إنني سأنتظر السماح لي، أو عدم السماح.. لا.. لن أنتظر.. فالقرار قراري.. وما جئت من رحم السنين والزمن لآخذ إذناً من أحد.. والآن دعني بالله عليك.. دعني..!!..
ومضى خالد بن الوليد، في يده حجر، وفي عينيه شرر.. ركضت خلفه.. بحثت عنه في كل مكان.. جبت الشوارع والحارات والأرصفة.. لهثت وتعبت وحرت.. كنت أريد أن أتابع الحوار.. كنت أريد أن أسأله الكثير.. ليتني طبعت قبلة على جبينه العالي.. ليتني حملت حجراً وإلى جانبه مشيت.. لماذا لم أفعل؟؟ خالد بن الوليد كان معي.. أنفاسه الساخنة عطرت الزمان والمكان.. كلماته رنت وعلت مثل صقر في الفضاء.. أين أنت يا خالد بن الوليد؟؟ أين ذهبت؟؟ بالله عليكم أيها الشباب ابحثوا عنه، في كل مكان فتشوا، في داخل كل واحد منكم دققوا النظر.. وإن وجدتموه قولوا له: لماذا كان الحجر الذي يحمله يقطر ناراً ودمعاً ودماً.. مجرد سؤال؟؟..
طلعت سقيرق
[/align][/cell][/table1][/align]