رد: أثر المناهج الغربية على الدرس النقدى العربى
نظرية المستعمر
في زمن الثورات العربية نجد الشعوب منقسمة بين مؤيد لها و مندد بها فالموقف الأول هو الأقرب للمنطق الإنساني فعندما يرزح الإنسان تحت الظلم و القهر لمدة عقود فمن الطبيعي أن يثور فكل ضغط يولد إنفجار و هذه سنة كونية
لا مناص منها ليجد الموقف الثاني تبريرا يعتبره مقنعا بإنكاره لهذه الثورات عندما يقول أنها صنيعة الغرب و أن الإستعمار و أياديه الخفية هو من حرك الشعوب و له غايات و أهداف بعيدة المدى لنجد أننا على طرفي نقيض مما يجعل تقريب وجهات النظر عملية مستحيلة
مع الأسف الشديد نجد هذا الإنقسام على كل المستويات و ما يهمنا هنا هو الأحزاب السياسية و النخبة المثقفة و التي من المفروض أن تكون لها رؤية واضحة فهي مغيبة تماما إبان الثورة في تونس و مصر و أيضا بعدها وكان الأحداث تجاوزتها بأميال فلم تجد نفسها لا مع النظام القديم و لا ما بعد الثورة فقد عمت الفوضى الشارع و الفكر و السلوك و كأنها تمهد الأرضية للقوى الخارجية للتدخل على راحتها و اللعب بأوراق السياسة و الإقتصاد و هذا أمر طبيعي و متوقع لنجد من يريد ركوب قطار الثورة و البطولة يندد بالعمالة للخارج و يتهم الحكومات المنتخبة بقبض ثمن الثورة و هذا غير صحيح و لا يستند لمنطق سليم
للفوضى الفكرية تداعيات خطيرة على سلوك الأفراد و المجتمع و لها تأثير على جميع الميادين الثقافية و الأدبية و السياسية و الإقتصادية لتتساوى العامة بالنخبة و هذا أخطر ما في الأمر لأن ذلك يهدد المجتمع بالتحلل لينفرط النظام على المستوى الأمني و الإقتصادي و يُغَيب المنطق على المستوى الفكري
و أقول أن سبب هذه الفوضى هو النخبة و التي من المفروض أن تقود المجتمع و تاطره و تلملم شتاته لكن في غياب رؤية واضحة تكتنف الضبابية كل الخطابات مهما كانت توجهاتها فهي غير مقنعة و لا ذات جدوى لأن من يهاجم واقع موجود على الأرض لا بد أن يكون له طرح بديل حتى لا يكون الهجوم من باب التشفي أو محاولة السطو على كرسي هناك من سبقه إليه بطريقة ديمقراطية
إن أحزاب المعارضة و النخبة المثقفة وقعت تنشأتهم في ظل نظام دكتاتوري سخر كل المؤسسات التعليمية و الثقافية لتدجين الشعب و إخضاعه لسياط الخوف من القمع لتكون ملامح أحزاب المعارضة و النخبة واضحة ليست في حاجة لتوضيح فهي غير قادرة على طرح بديل عملي و لا تصور قكري ناضج و راشد قادر أن يخرج من دائرة النظام السابق فكل ما يطرحه هو فكر مشتت يجذر الصراعات أكثر مما يحاول أن يطفيء نيرانها و لهذا أسباب منطقية:
لقد تربت الشعوب لمدة عقود تحت ظل إستعمار إحتل الأرض و الفكر ليعشش في العقل العربي الذي تعود على الترغيب و الترهيب و التغريب ليستهلك و يتكلم و يفكر بمنطق الغرب و يتجاهل قدراته الذاتية يمتلكه الجهل و يستوطنه الغباء و يصبح تابعا لا متبوعا و متلق سلبي لكل النظريات الغربية في جميع الميادين التعليمية الثقافية الفكرية الإقتصادية و السياسية و حتى المدارس الأدبية الغربية وجدت طريقها إلينا و غزت العقل العربي و هيمنت على الأجناس الأدبية هي عملية تطبيع بالكامل مع الغرب طمست معالم تراثنا و أدبنا العربي الإسلامي لنخرج من هذا النفق بعد الثورة بجهل كامل بقدرة الإنسان العربي على الخلق و الإبداع و بالتالي يكون له جهل مركب يسخر فكره وخطابه و فعله لخدمة الغرب من حيث لا يشعر لأنه غيب قدرته الفاعلة و القادرة على تخليق بديل من تراثه يتماشى مع بيئته و دينه و حضارته العربية الإسلامية.......
لأقول أن الجهل هو اليد الخفية التي تحرك النخبة المثقفة لتجعلها أداة طيعة في يد المستعمر الخارجي لأن هذه النخبة عجزت عن الخروج من دائرة الفكر الغربي و بالتالي كل تنظيراتها تصب في مصلحة الإستعمار فمن يتكلم و يسمع و يستهلك و يفكر بمنطق الغرب كيف نطلب منه أن ينتج فكرا يقاوم الهيمنة الغربية على الوطن العربي و المفكر نفسه واقع تحت سلطة الفكر الغربي فمرجعياته كلها غربية و قد إستهلك الإستعمار عقله ليجعل فكره في خدمته فهو لم يعد في حاجة لإحتلال الأرض لأنه أصبح قادرا على تحريكه عن بعد لأن الفكر الغربي مادي بحت يقسم الشعوب لتباين الآراء باسم حرية التعبير و الديمقراطية و حقوق الإنسان ليسهل إستيعاب بعض الأطراف و جعلها في مقابل أطراف أخرى تناهض فكره
نجد أنفسننا نندد بالإستعمار الخارجي وندعي الذكاء و الحرص على الوطن بينما عدونا اللدود يوجد داخلنا وهو من يمنعنا من تحرير فلسطين و العراق و كل شبر من أرضنا المحتلة هذه هي النظرية التي أوجدها المستعمر على أرضنا لنندد بها دون ان ندرك أننا السبب في وجودها و أن تنديدنا لا يحل المشكلة بل هو ما يريده الغرب حتى يكون له متسع من الوقت لإحتوائنا ليترسخ فينا أكثر إحساسنا بالعجز و لا نهب لمقاومته بسلاح نحن من صنعه
يتبع
|