رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
وجهتهم كانت " فارنا " الواقعة على البحر الأسود ؛ المدينة التي ازدهرت فيها السياحة في سبعينات القرن الماضي
وتعتبر من المدن الجميلة على ذلك الشاطئ الجميل ، القسم الأكبر والأجمل منها يقع وسط الغابات ، بيوتها الصغير
الجميلة تعلو فوق قمة جبل وتنحدر لتضع أقدامها على شاطئ البحر ، الأشجار متشابكة بشكل كثيف و
تحيط بالبيوت من كل الجوانب ، ويتسلل نمو أغصانها وفروعها لتحتل الشرفات والشبابيك في كل الاتجاهات
ويستطيع السائح في بعض غرف أحدى الفنادق أن يمد يده وهو في سريره ويقبض على غصن فرع من
تلك الأشجار التي كما يبدو لا تحيا إلا على عناق ابدي أو تموت .
فرصة كبيرة ووقت مناسب كان بانتظار هذان الصديقان في مطار " فارنا "
فجيع الركاب الذين كانوا أقل من أربعين شخصا بانتظارهم اثنان من الموظفين
الكسالى المتباطئين جدا في إتمام إجراءات الوصول ، الأمر الذي أثار غضب
معظم المسافرين باستثناء عدنان و وليد ، لم يشعرا بمرر الوقت على ثقله !
فمع توقف الطائرة لم يتوقف عدنان عن الحديث " معها " وحتى أثناء نزولهم
سلم الطائرة وركوبهم " باص " النقل حتى تلك القاعة وصولا إلى تلك اللحظة
التي التفت فيها نحو وليد وقال : أعرفك على الأنسة " سعاد "
مدّ يده وعيناه كانت تنظران دون قصد منه إلى تلك " البيضاء " التي اتسعت
ابتسامتها حين نطقت أسمها بهمس لم يعرف وليد كيفية نطقه ، وربما سمع
به للمرة الأولى في حياته : " بِرْنا " رد بصوت مبلوع وقال :
تشرفنا " ميرنا "
ضحكت بخجل وقالت : اسمي " بِرناديت " ولكنهم يختصرونه ب " برنا "
آه بيرنا .. تشرفنا ، هل أنتم من بيروت الشرقية ؟!
تدخّل عدنان قائلا : نحن هنا من وطن واحد ، لا شرقية ولا غربية !
هزّ وليد براسه وقال متمتما : طبعا ، طبعا ! و لعنه في سرّه ، فكم من
المواقف التي كان ينتهزها عدنان كلما سمحت له الفرصة حتى يظهر بمظهر
الإنسان المتحرر الفهيم ! لقد كان الحال هكذا ؛ " شرقية وغربية " فالحرب
اللبنانية في بدايتها ، وبيروت مقسّمة ما بين شرقية تسكنها أغلبية مسيحية
وغربية بمعظمها من المسلمين ، والناس لا تلتقي إلا عند المعابر وخارج
الحدود ، أما الاتصالات فكانت تقتصر على بعض السنترالات التي يسيطر عليها
اصحاب النفوذ ؛ وان معظم الناس كانت بحاجة إلى مكان آمن لا تسمع فيه أصوات
القذائف ولا تشم فيه رائحة الدم .. و وحده مطار بيروت كان مُحيدا من جميع
المتحاربين لكن طرقاته كانت تخضع لأمزجتهم ، وها نحن هنا ،
وكان بديهيا أن وليد يسأل !
- نعم نحن من المتن الشمالي ، يعني من شرق الشرقية "
قالت " بِرنا " ذلك وتنهدت بعد ان أخذت نفسا عميقا وكأنها أزالت عن كاهلها حملا ثقيلا !
- أليس عجيبا أن تكون الناس بهذه الوداعة والطيبة مع بعضهم البعض وفي داخل الوطن تكون كالذئاب المفترسة ؟ قال وليد !
تدخلت سعاد وقالت :
- أرجوكم .. نحن أتينا إلى هنا حتى ننسى الأحاديث في موضوع بلدنا ودعونا نتوقف قليلا عن الكذب ، ،
في داخل كل منا شخصيتان ، بل عدة شخصيات في وقت واحد .. نحن نكذب ، نكذب .. فهلا توقفنا قليلا عن التكاذب
والتزمنا الصدق ولو فقط هنا في المدة التي سوف نقضيها هنا "
ساد صمت ثقيل ، حتى عدنان تلعثم ولم يجد ما يرد به عليها .. ثم فاجأتهم
بالقول : - بصراحة ، سأكون أول من يلتزم عدم الكذب " ثم التفتت نحو
عدنان وأكملت قائلة : أنت أعجبتني .. أعجبني " تيبك " وشخصيتك المرحة
وأظن أن برناديت لن تمانع في ان يكون لنا صديقان " رجلان " باستطاعتهما
حمايتنا " وتسليتنا " ثم سألت وتوجهت بكلامها إلى وليد قائلة :
" أم أنكما ملتزمان بأشخاص آخرين ؟ "
على الرغم من صدمة وليد وتفاجئه بكلام سعاد الا أنه هزّ برأسه يمنة ويسرى ثم قال :
لا .. لا .. نحن أحرار ، وقد كنا نعتقد أنتن الملتزمات !
لم يعرف لماذا قال جملته الأخيرة ، حاول الاعتذار
ابتسمت بِرنا وعاجلته قائلة : بصراحة ، كنا . ! " وسكتت .
|