رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))
لم يكن عدنان يُخفي سرا عن صديقه طوال حياته .. وكان وليد قد بدأ يلاحظ تكتما غير متوقع يمارسه عدنان في المدة الأخيرة
بعدما صار يتغيب كثيرا في فترات ما بعد الظهر ، وحين يُسأل يقول إنه يحاول الاتصال بلبنان ليطمئن على حركة البيع في متجره !
- " صحيح أن أخي شاطر ولكنه يحتاج إلى توجيه " كان وليد يقتنع في أول الأمر ولكنه بدأ يشك ..
فالاتصال لا يعقل ان يكون أربعة أيام متتالية ويأخذ من الوقت مدة ساعتين او ثلاث !
عندما عادوا إلى فندقهم تلك الليلة بعد قضائهم سهرة جميلة
لم يستبدل عدنان ثياب السهرة بثياب النوم ، ولم يدع صديقه ليفعل ذلك بل أمسك يده وقال له :
ألا تُفكر في بيرناديت ؟
- بل إني هائم بها .
- هل حدث بينكما شيء لم أعرفه ؟
- مثل ماذا .. نحن مع بعضنا البعض طوال الليل والنهار
فلماذا تسأل ؟
- هل أحببتها .. هل أحبتك .. ماذا تقولان .. ماذا تفعلان .. أنا رأيت أن البنت قد غرقت
هي الأخرى بك فهل تصارحتما .. هل أنت أعمى أم أهبل ؟!
- صدقني إن معظم احاديثي معها عن الطبيعة والبحر والحرب وفلسطين .. حين أصل إلى هذا الموضوع
تصمت وتغير الحديث .. أنا أعرف أنها عاشت في بيئة مختلفة وأعرف أن بعض تجاوزاتنا قد أكسبتنا
بعض العداوات ولكني أود من كل قلبي أن تتعرف على لبّ القضية و..!
قاطعه عدنان وهو يتهكم :
- عرفت الآن لماذا تصاب المسكينة ببعض الاكتئاب أحيانا ..! إذن تعال لنسهر ساعة إضافية عندهم في
فندقهم لعلك تفلح في شرح وجهة نظرك أيها " الثوري " أنا كنت مترددا ولما ذكرت ذلك لسعاد قالت
ومن يمنعكم من الحضور إلى غرفتنا !
انفرجت اسارير وليد ودبّ فيه نشاط عجيب قفز بعدها الرفيقان مباشرة إلى الفندق وصعدا حتى غرفة البنات اللائي
فتحن الباب ولم يتفاجأن أبدا ولكن سعاد قامت ببعض حركات غنج وقالت " ما الذي أتى بكما " ثم قامت وبدلت
ثيابها وتأبطت ذراع عدنان وقالا " سنأتي لكم بشيء سوف تحبونه لن نتأخر " !
كان الحدث مفاجئا ومستغربا بالنسبة لوليد ،
فمن أين سيأتون " بشيء يعجبنا " بعد منتصف الليل و جميع المطاعم والمحلات تُقفل في الساعة الحادي
عشر والساعة كانت قرابة الواحدة ؟!
استسلم وليد لذلك الأمر ولم يعترض على تصرف صديقيهما أما بيرنا فأمسكت يد سعاد ولوتها ثم ضربتها على كتفها
وهي تبتسم وشيء من القلق قد ظهر على وجهها وقالت " إلى أين يا مجنونة ! "
ها هما الآن في غرفة فندق سياحي وجها لوجه ، هي في ثياب تُظهر بعض محاسنها ، وهو في حلم يدرك
نفسه فيه جيدا وأرجله على أرض الواقع .. هو وهي فقط .. لا تلفاز ولا " نت " ولا هواتف ذكية ولا غبية ..
هما فقط وراديو " ترانزستر" صغير ملقى بالقرب من وسادتها ، التقطه بيده فقالت " عبثا حاولت فلم التقط إذاعة عربية "
التفت نحو ستارة باب الشرفة وتفقد بابها المقفل .. ففاجأته بسؤال " هل تود الجلوس هنا " واشارت نحو
الشرفة ثم أردفت قائلة " سوف أضع القهوة في سخان الماء الكهربائي ريثما يأتون فهلا ساعدتني في إحضار
أربعة فناجين .. ها هم هنا ، افتح الخزانة "
صار الوقت يتثاقل بالرغم من أنه وقت سعيد ؛ كان وليد قلقا تعصف به أشياء لا يفهمها .. لحظة يتصنع القلق على
غياب سعاد وعدنان – وهي تشاركه القلق أيضا – وفي نفسه يتمنى لو أن الليل يطول ولا ينتهي .
كانا يجلسان وهما متقابلان على كراسي خشبية يشربان القهوة على تلك الشرفة المضاءة بنور خفيف
ويطيلان النظر في العيون ، بعيدان عن بعضهما البعض ، لم تقترب منه كعادتها وهو كعادته لا يتقدم ،
حتى اياديهما كأنها مكبلة .. كانت تريد أن تفعل شيئا وتتردد وما لبثت أن دخلت إلى الغرفة ثم خرجت تعلو
وجهها ابتسامة رقيقة ثم فتحت يديها فظهرت فيهما سيجارة وعلبة كبريت وقطعة من لوح شوكلاه صغيرة وقالت :
- أنا أعرف بأنك تكره السجائر والمدخنين ولكني سأفعلها ،
أحيانا احبها .. أنا لا أدخن كثيرا ، يعني غير مدمنة .. وهذا ما تبقى من الشوكولا التي اعطيتني إيها كلها أنت !
- ولكن أحيانا أنا أيضا أشعل سيجارة !
- متى تأتي على مزاجك .. هل عندما تزعل أو تفرح ؟
- لا هذا ولا ذاك !
- متى إذن ؟
- عندما أكون غارقا في الغرام ، أعطني سيجارة !
استنزف وليد وبيرنا ما في جعبتهما من أحاديث لا تخرج عن التلميح دون التصريح بكلمة حب واحدة
كانت ربما ستكسر جليد فترات الصمت الطويلة التي كانت تجتاحهما .. هي تعرف أنه متيم بها ، وهو يريد
أن يعرف إن كان هو الشاب الوحيد في حياتها ؛ فعندما ترك لبنان كان على موعد تعارف مع فتاة تحب
المراسلة كانت تبتسم له ويبتسم لها من بعيد ، لم يتحدث إليها إلا مرة واحدة ، قالت له في احدى الرسائل
" غدا سأذهب لبيت خالتي في العاشرة قبلها بساعة أو بعدها بساعة لا أعلم ، ولكنني سأذهب وحيدة ،
حاول أن تراني وسوف نتحدث معا "
ذهب في اليوم التالي وانتظرها عند الثامنة صباحا وانتظر. انتظر في الشارع طويلا ولكنها أخيرا أتت.
مشى خلفها وهي مسرعة الخطى ، تبعها ، احتاط لئلا تكون مراقبة من أحد ، أسرع لعله يدركها ،
وأخيرا توقفت أمام باب بقّال فتقدم نحوها وقال " صباح الخير " قالتها وهي خائفة " صباح الخير"
وأدارت بوجهها نحو أحد الرفوف ، طلبت حاجتها ، أخذتها في كيس ورقي ومضت مسرعة كما بدأت ،
لم تعد تلتفت خلفها وفجأة دخلت إحدى الأبنية واختفت .
انتظرها وهو محبط وفي حيرة شديدة .. وعندما نزلت لم تجده بانتظارها .. ندم على فعلته وقد بدا امام
نفسه صغيرا .. فكيف قضى ساعات أربع يلهث خلفها لتقول له كلمتين متلعثمتين قالتهما وبلعت لسانها ،
ومع ذلك فقد بعثت له في اليوم التالي رسالة اعتذار وبادلها مثلها .
لكنه الآن أمام شيء آخر ، أمام لحم ودم وروح .. إنه أمام حقيقة أنه يتحدث إلى أنثى – وأي أنثى –
وهي لا تتحدث إليه فقط ، إنها ملكت عقله وروحه ..فالأنثى هي الأنثى في كل مكان وزمان ؛ وما لا
تستطيع قوله بلسانها تقوله بجسدها .. صحيح أنها لم تقل له كلمة حبّ واحدة ولكن كل خلية من خلايا
جسدها تنطق بالغرام وتدفعه نحو التهور والقفز في المجهول .. أو يلتزم التعقل ليبقى وفيا للقول الذي
بدأ به الرحلة " سيعود عفيفا " وللمبادئ الخلقية التي يؤمن بها .. كان والده يقول :
" إن العيب يا ولدي لا يأتي من طرف واحد ، وإن الرجل يتحمل المسئولية الأخلاقية أكثر من المرأة "
تعلقت إحدى شقيقات صديق له في رقبته في ساعة اختلاء ؛ ردعها .. طيّب خاطرها ، بل عقلنها ،
وقال أنا أحبك كأختي وسوف أظل ، ولا يعني أن هفوتك هذه تدل على انك رخيصة أو بلا أخلاق بل دلّت
على صدق مشاعرك وساعة أحب أن أتزوج سوف لن أختار إلا واحدة مثلك !
الأنثى هي الأنثى في كل مكان وزمان ؛ وما لا تستطيع قوله بلسانها تقوله بجسدها ..
وكان جسد بيرنا يقول أنا الأنثى التي تريد أن يصنعك جسدها من جديد !
|