كاتب نور أدبي متوهج ماسي الأشعة ( عضوية ماسية )
|
رد: النكبـــة والمســرح الفلسـطينــي
المسرح الفلسطيني.. البدايات
عبد الناصر حسو
[align=justify]كان ومازال المسرح حاجة من حاجات المجتمع العربي, كأية حاجة أخرى مثل الغناء والرقص, لذلك تقبّلها المجتمع العربي منذ البدايات, وانتشر بهذا الشكل الذي وصل إلينا, رغم تعثره في بعض الفترات، وازدهاره في فترات أخرى, واتخذ لنفسه مكانة رفيعة بين الوسائل التعبيرية والفنية العديدة التي تمارس في الوطن العربي, كونه يعالج قضايا المجتمع الحساسة, رغم إدعاء البعض أنه فن وافد من الغرب, وليس امتداداً للحكواتي أو خيال الظل, أو أشكال فرجوية أخرى.[/align]
[align=justify]منذ البدايات ولد المسرح العربي مقاوماً ومازالت صفة المقاومة تلازمه, كما أنه يستجيب لمتطلبات الإنسان وذوقه وما يحيطه به من أحداث. وإذا ربطنا ولادة المسرح العربي بعام 1948, مع مارون النقاش التاجر والزائر لبلدان أوروبية عريقة في مجال الفن المسرحي , فلا يمكن تحديد ميلاد المسرح الفلسطيني لأن العروض كانت تقدم من قبل الإرساليات الأجنبية, والفرق الزائرة منذ زمن بعيد جداً, فقد جاءت إلى أرض فلسطين العديد من الجاليات الأجنبية بهدف التبشير الديني, لموقعها الاستراتيجي والحضاري والديني, وفتحت مدارسها, ونشرت ثقافتها إلى جانب أفكار الثورة الفرنسية,بالنسبة للمدارس الفرنسية, كما أن بقايا أفكار الثورة الصناعية انتشرت بين الطلبة في المدارس الإنكليزية, وكذلك مفاهيم وأفكار مثل الحرية والاستقلال والقومية, والعدالة في المدارس الروسية والإيطالية والأمريكية, وهكذا اطلعت بلاد الشام عامة وفلسطين خاصة على هذه الأفكار الجديدة نوعاً ما, وانفتح الغرب أمام المثقفين العرب في فلسطين ينهلون من الغرب ما يلائم واقعهم العربي, ويترجمون الفكر والثقافة والأدب, سميت التزاوج الثقافي (المثاقفة), هذه العوامل وغيرها, شكلت النهضة العربية,وتالياً النهضة الفكرية في فلسطين, إلا أن وعد بلفور المشؤوم جاء ليقضي على الأمنيات مرافقاً مع بدايات المسرح في فلسطين, وبذلك كان المسرح منذ البداية مسرحاً يقاوم الاحتلال والاستعمار, كبقية المسارح عصرئذ في الوطن العربي.[/align]
[align=justify]تحصن رجال النهضة في عشرينات القرن الماضي مع ظهور المسرح ضد وعد بلفور, عندما كانت المدارس الأجنبية تساهم في نشاطاتها المسرحية في فلسطين مع الفرق المصرية والشامية الزائرة للمدن الفلسطينية بين أعوام 1925 ¯ 1932, وقد أثرت هذه الظروف في تأسيس فرق تمثيلية تحت مسميات عديدة, كالجمعيات, والمنتديات, والنوادي الثقافية التي كان الهدف الرئيسي منها النهضة الفكرية لمقاومة وعد بلفور والمشروع الصهيوني.[/align]
[align=justify]إلا أن الأمر تغير بعد نكبة 1948, حيث طردت السلطات الإسرائيلية غالبية رجال الفكر والمسرح وكوادره إلى خارج فلسطين, باتجاه البلدان العربية, ومن بقي داخل الأراضي المحتلة, لاحقته سلطات الاحتلال ومنعته من ممارسة العمل الفكري المسرحي كون المسرح ذا تأثير قوي على بنية المجتمع, الشبه الأمّي, وتالياً دخل مرحلة جديدة من المقاومة والنضال بأشكال جديدة, هي مرحلة المخيمات والشتات والمنفى, مما كرس أساليبه في المقاومة, ومواجهة العدو الصهيوني الذي مازال يشدد الحصار, ويضيق هامش الحرية, ويطمس الهوية الفلسطينية, ويسرق كنوزها الثقافية, الحضارية, وتطلب هذا تغير الخطاب الموجه إلى الناس, والمواضيع المطروحة أقرب إلى الشعارات والخطابات التي تحرك الحماس في أذهان الناس.[/align]
[align=justify]انتبه رجال النهضة الفلسطينية آنذاك إلى واقع الأمر, وإلى خطورة الموقف, وأهمية المسرح وتأثيره على الشباب, بعد تفعيل المدارس الأجنبية أنشطتها الثقافية/ الفنية, حيث كانت تعرض مسرحيات هزيلة المواضيع لا تناسب الواقع الفلسطيني, وبنفس الوقت تسعى إلى تشويه اللغة العربية بقصد حسن النية أو من دون قصد, إذ كانت سلطات الانتداب تفضل عرض المسرحية المترجمة.[/align]
[align=justify]بعد أن وضعت الحرب العالمية أوزارها, كان معظم الناس يعيشون في حالة فقر مدقع, وكانت الإرساليات الأجنبية تبث الدعاية لمدارسها, طالبة من الناس أن يرسلوا أبناءهم إلى المدارس, وكانت تقدم الكتب والدفاتر مجاناً إلى الطلاب, في الوقت الذي كان التدريس في المدارس الحكومية لم يكن بالمستوى الجيد ويتطلب مصروفاً, فيما بعد تميزت مدرسة (روضة المعارف) الحكومية بنوعية التدريس واستقطبت الطلاب, بحيث أصبحت تضاهي المدارس الأجنبية, وفي نفس الوقت تأسست جمعيات ثقافية¯ سياسية سرية وعلنية, وكان المنتدى الأدبي أقدم الجمعيات التي تأسست في القدس, (مؤسسها الأستاذ جميل الحسيني) الذي كان عضواً في نفس الوقت في المنتدى الأدبي في اسطنبول (كانوا يعملون في العلن), فكان الهدف من تأسيسها, التوعية وتآخي المسلمين والمسيحيين, والتنبيه إلى مخاطر وعد بلفور.[/align]
[align=justify]تأسست في ما بعد جمعيات عديدة من أهدافها المحافظة على سلامة اللغة العربية, وسلامة العربية هنا من سلامة الوطن, وراحت تناضل في سبيل الحفاظ على مقومات اللغة العربية.[/align]
[align=justify]كان من الضروري أن تكون بدايات المسرح, اقتباساً وترجمة نصوص مسرحية وروائية كما هي العادة لدى غالبية المجتمعات, حيث كانت حركة الترجمة نشيطة بفعل المدارس الأجنبية وأساتذتها وخريجيها, ولما كان رواد الفكر والأدب على اتصال مباشر مع لغة الآخر وثقافته, فكانت الترجمة في كافة المجالات, الأدب والفن وفكر ¯ انفتاحاً على الآخر, إلا أن هذا لا يعني أنهم لم يتأثروا بالتراث العربي والحكايات الشعبية, فقد بدأ هذا الجيل يبحث عن قصص ومآثر بطولية, لشحذ الهمم وبث روح الحماس والمقاومة في النفوس.[/align]
[align=justify]الملاحظ أن هذا الجيل تنبّه في عشرينات القرن الماضي إلى خطورة وعد بلفور, وبدأ يحرض الناس ضده ويعرض مخاطره المستقبلية من خلال كتاباتهم وخطبهم السياسية ومواقفهم, وعروضهم الفنية, فتوجهت جهود هؤلاء إلى الترجمة وإنشاء فرق التمثيل لإحساسهم بإقبال المدارس والأندية والجمعيات إلى هذا النوع التمثيلي في نشاطاتهم, ولاستقبال الناس هذا الفن الجديد, وبنفس الوقت كان حرصهم على ما يرضى ذوق الجمهور, بمختلف فئاته, فكانوا يتصرفون بالنص المترجم ليلائم ذوق الجمهور والتعبير عن واقعهم, أي ما يسمى بالاقتباس.[/align]
[align=justify]لاحظ الدكتور علي الراعي أن عدد الفرق في القدس وحدها ينوف على الثلاثين فرقة مسرحية, وقدموا مسرحيات (تمثيليات) عربية كثيرة, وهذا يعني مدى استجابة الناس لهذا الفن الوليد, كونه يلبي احتياجاتهم, وإذا عرفنا أن غالبية المواضيع كانت قومية ووطنية من التاريخ العربي القديم والحديث, فندرك تماماً مدى تأثير هذا الفن على المجتمع, إلا أن الحال لم يستمر هكذا طويلاً, فقد كان هناك كتاب غزيرو الإنتاج يهتمون بالمسرح إلى جانب اهتمامهم بالأدب والصحافة, فمثلاً خليل بيدس, صاحب مجلة (النفائس) والذي ترجم العديد من الروايات الروسية إلى العربية, أشرف على العروض واختار المواضيع المناسبة للمجتمع آنذاك, فأشرف على الإخراج واعتنى باللغة العربية, في الوقت الذي كانت لغة فرق المدارس الأجنبية ركيكة وعامية للغاية, وهذا ما قاد خليل بيدس في عام 1920,إلى أول مظاهرة عربية قامت في بيت المقدس, وخطب في الجماهير محرضاً على ثورة عارمة, والإجهاز على وعد بلفور, وآخر عبارة قالها بيدس للمتظاهرين في باب الخليل بالقدس «لقد بح صوتي, لكن قلبي لن يبح» في إشارة إلى استمراره في هذا النهج الذي اتخذه لنفسه.[/align]
ك[align=justify]ثيراً ما كان بيدس يرفض موضوعات التمثيل التي لاعلاقة لها بالبيئة العربية الفلسطينية, حيث يختار المواضيع من المسرحيات التي عرضها, «وفاء العرب» لجميل البحيري, و»السلطان صلاح الدين الأيوبي ومملكة أورشليم» تأليف فرح أنطون, بينما كان يحرض طلابه وممثليه على الحرص على اللغة, ويردد عليهم أثناء البروفات, حافظوا على لغتكم العربية, وتراثكم العربي, فهناك من يحاول طمس اللغة العربية, والتراث العربي. منذ ذلك الوقت تنبّه بيدس بإحساسه الصادق للخطورة التي ستلحق باللغة والتراث والمجتمع والدولة, ومحاولة طمس معالم الفلكلور والثقافة والفكر, وعندما عرض مسرحية «عبد الكريم الخطابي» كما وردت في المصادر, وأثارت غضب السلطات الإنكليزية, ولاحقته, وحكمت عليه بالإعدام, إلا أنه أطلق سراحه عندما تغير المندوب الإنكليزي. كان يطلب من الممثلين أن يعيدوا الجملة الواحدة مرات عديدة مع ضبط حركات الإعراب, ومقاطع الكلمات حتى يتقنها الممثل جيداً.[/align]
[align=justify]ساهم كاتب آخر في تنشيط الحركة المسرحية في فلسطين إلى جانب بيدس, هو الصحفي جميل البحري الذي أصدر أيضاً مجلة »الزهرة« والذي اشتهر برواياته المثيرة التي اعتمدت على عنصر التشويق البوليسي, ورسخ قواعد الفن المسرحي. كان يعد النص ويشارك في المسرح المدرسي, خصوصاً بتقديم مسرحيات هامة, إلا أن الطابع الخطابي كان مهيمناً على مسرحياته كون المرحلة تتطلب هذا النوع الخطابي, ويعترف جميل البحري أنه كان يعد النص بتصرف, كما أنه يستبدل أدوار النساء والعشاق بأدوار تحاكيها رقة, ثم يضيف »إن فكرة عدم تمثيل النساء جعلتني أنسج رواياتي المسرحية على منوال خلوها من أي دور نسائي..« ومن أعماله المتبقية في مجال المسرح: سجين في القصر, قاتل أخيه, في سبيل الشرف, أبو مسلم الخرساني, زهيرة, وفاء العرب, وحصار طبرية, إلا أن المطبوع من هذا التراث قليل جداً, لقد ضاع التراث الأدبي والمسرحي بمقتل جميل البحري المبكر عام 1930, إثر خلاف على قطعة أرض مع جيرانه, ولم تسلم سوى مسرحية سجين في القصر, كما تورد في غالبية المراجع الأدبية والمسرحية.[/align]
[align=justify]
ساهم كتاب كثيرون في ترسيخ وتطوير الفن المسرحي في فلسطين, نذكر منهم على سبيل المثال, برهان العبوشي الذي كتب مسرحية «وطن الشهداء», ومحي الدين الصفدي كتب مسرحية «كليب», ومحمود محمد بكر هلال كتب مسرحية «فلسطين» حيث كانت غالبية المواضيع تحض على عدم بيع الأراضي لليهود, وخاصة الذين كانوا يوهبون الأرض لهم من دون مقابل من أبناء الإقطاع والملاكين الأغنياء.
كان المسرح في فلسطين تحت الانتداب البريطاني يحذو حذو المسرح المصري, بتأثير الفرق الزائرة, وهذا لم يمنع بعض الكتاب من تأليف نصوص محلية ذات طابع فلسطيني.[/align]
[align=justify]إلا أن النتاج المسرحي تشتت بعد النكبة, لأسباب التهجير والطرد والاحتلال والفقر والعيش في المخيمات, فضلاً عن أسباب اقتصادية, وأحياناً اجتماعية, حيث غالبية الناس عاشوا في حالة بؤس, وعدم سماح السلطات الإسرائيلية بممارسة هذا النشاط في داخل فلسطين, بل ملاحقة بعض ممارسيه وفرقه.[/align]
[align=justify]يبدو أن تدهور أو تراجع هذا الفن, يعود إلى أسباب عديدة, نجملها هنا في عدة نقاط, لم تسمح الهيئات المسؤولة في النوادي التابعة للمدارس الأجنبية باشتراك النساء في بعض العروض. وكانت تمنع الفرق الفلسطينية والجمعيات الثقافية من أن تعرض مسرحياتها على خشبة مسارحها, وعدم مشاركة العنصر النسائي فيها, وكذلك عدم ملائمة المواضيع المترجمة لروح العصر والبيئة الفلسطينية, حيث كانت المدارس تفضل المسرحيات المترجمة على التأليف المحلي.[/align]
[align=justify]كان تأثير الفرق الزائرة من مصر, وبلاد الشام قوياً على رجال النهضة الفلسطينية, فأسسوا النوادي والجمعيات في عشرينات القرن الماضي, ومن الفرق المصرية الزائرة للمدن الفلسطينية, فرقة جورج أبيض التي لها تأثير كبير في نفوس المجتمع الفلسطيني, حيث قدمت العديد من المسرحيات المترجمة منها «لويس الحادي عشر» ترجمة إلياس فياض, و»عطيل» ترجمة خليل مطران, و»أوديب» ترجمة فرح أنطون, و»الشيخ متلوف» ترجمة عثمان جلال, و»صلاح الدين الأيوبي», و»السموأل» من المسرحيات العربية وغيرها.[/align]
[align=justify]ولفرقة رمسيس التي أسسها يوسف وهبة زيارات عديدة إلى المدن الفلسطينية, وبالتالي لها تأثير على جيل الشباب, خاصة تأثير ممثلي الفرقة منهم حسين فياض, روز اليوسف, أمينة رزق, زينب صدقي, فاطمة رشدي, أحمد علام, عزيز عيد, وآخرون. كانت غالبية المسرحيات من تأليف يوسف وهبة, بينما نجيب الريحاني المعروف ب¯ «كشكش بك» له حضور لافت في المدن الفلسطينية, في البداية كان يعتمد على مسرحيات فرنسية, خاصة مسرحيات موليير, وفي ما بعد, اشتهر ب¯كشكش بك مع وجود الكاتبين اللذين كانا يكتبان النصوص المسرحية هما أمين صدقي, وبديع خيري, ويعود لهما الفضل لابتداع شخصية كشكش بك. ولشخصية نجيب الريحاني تأثير كبير على المسرحيات الكوميدية الخفيفة حتى أخذ عدد من الممثلين الفلسطينيين يقلدون يوسف وهبة,وجورج أبيض, ونجيب الريحاني, وأمينة رزق, وساهمت هذه الظروف في إنشاء فرق تمثيلية فلسطينية في تلك الفترة.[/align]
[align=justify]
كما أن لصليبا جوزي الذي كان يقيم الحفلات الموسيقية والغنائية في مدينة القدس دور هام في ترسيخ العروض المسرحية الغنائية, فقد كان يتخلل الاحتفال فصول تمثيلية تعالج مشاكل المجتمع الفلسطيني آنذاك, وألف صليبا جوزي أوبريت »لابد للحب أن ينتصر«, ومسرحية »أمي« ومثلتها سيدات وآنسات نادي الشابات الأرثوذكسيات, ومثلت النساء أول مرة للسيدات اللواتي لم يحضرن العروض, وللكاتب العديد من التمثيليات ذات المغزى الإنساني البعيد, وقد أذيعت غالبية هذه المسرحيات في الإذاعة الفلسطينية بين عامي 1936 ¯ 1948.
[/align]
|