عرض مشاركة واحدة
قديم 22 / 04 / 2012, 40 : 02 AM   رقم المشاركة : [43]
رأفت العزي
كاتب نور أدبي متألق بالنور فضي الأشعة ( عضوية فضية )

 الصورة الرمزية رأفت العزي
 





رأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond repute

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))




- لكل شيء نهاية . "
عندما قال عدنان ذلك تغيرت قسمات وجه وليد ، بدا وكأنه أسقط عليه حملا ثقيلا أنهكه !
- كيف سينتهي الأمر بنا في رأيك وماذا سنفعل .. ؟
كان وليد يكرر هذا السؤال وهو يُمسك بفنجان قهوته دون أن يسمع أي رد .. ترى لماذا سكت عدنان .. !
تاه في صمته ،فالمسألة لم تعد بضع ايام جميله ثم تمضي هكذا !!
كان اسمه وليد عندما قدم إلى هنا ، كان يعرف على اقله ماذا سيفعل .. أما الآن ... !!

اصبح في مكان آخر وهو يفكر ، كأن زوبعة زمنية نقلته من مكان إلى آخر، غاب حقا ،
لم يعد إليه وعيه ، إلا ويدّ عدنان تهزه من كتفه ويصيح به :
"- يا وليد .. هييه ،هيي .. هل تسمعني ؟ أما زلت تحلم يا صديقي ؟ نحن هنا الآن في معرض الكتاب !!
ألم تقل لي قبل قليل ، حين مرت تلك الجميلة " لقد مرّ من الزمن عشرات السنين ؟!
اشرب قهوتك اشرب ، ودعنا نكمل جولتنا ، فالازدحام قد خفّ ! "

صحيح أن عشرات السنين قد مرّت ، لكنها لم تُغيّر في طباع عدنان .. ما زال يلاحق
الأنثى التي تعجبه كلما وقع نظر إحداهن على عيناه ولو بالصدفة ! .. وما زال صديقه " المتعفف "
يظهر بمظهر القانع الشكور المتفكر ، والذي أوغل بالتفكير بتفاصيل غرامه الماضي كأنه ما زال جالسا
عند حافة المسبح في فارنا هو وعدنان يرتشفان قهوتهما . ساعة حاول أن يشرح لصديقه الشعور
الذي بدأ يعصف به تجاه بيرنا قال له " لكل شيء نهاية " !
إنه الماضي البعيد ..ولكنه الماضي الذي لا ينسى !
:
:

- هاي عدنان .. كيفك وليد .. " العربية للكتاب " تنشر رواية جديدة ل " باولو كويلو " تسمى " الألف "
ترجمتها الدار وهي معروضة الآن .. الدار تقع في
القسم الشرقي الشمالي من المعرض ، الحقوها قبل أن تنفذ "
التفت عدنان نحو صديقه فادي ، شكره ودعاه إلى الجلوس وقال " سنلحقها لا تخف ، شكرا فادي " !

- من قال لك باني أحب فلسفة هذا الكاتب ، روايته السابقة " الخيميائي " لم أكملها
لقد مللت منها .. ربما لم أفهمها جيدا كما لم أفهم الكثير هذه الحياة "
قال وليد ذلك بانفعال متعمد ، التفت نحو عدنان وأردف " سوف اجول في الأرجاء ، عند انتهاءك اتصل و.. سنلتقي "

توقف وليد أمام كتاب يتحدث عن الحرب الأهلية في لبنان .. يحب هذا النوع من الكتب ،
مع انه عاش تلك الحرب بكامل فصولها ومآسيها . كان الكتاب يتضمن صورا كثيرة عن
أهم الشوارع والأحياء والمعالم التي هدمتها صراعات الخمسة عشر عاما من القتال، لكن صورة
استوقفته لمطار بيروت وهو يُقصف ويرتفع منه دخان القذائف !
دقق بالصورة جيدا ، حاول قراءة تاريخ التقاطها لم تسعفه عيناه ، ارتبك وهو يبحث عن نظارته المكبرة ،
نسي بأنه يضعها على رأسه فوق أختها التي على عيناه ، حملق مليا بالتاريخ بعد وضوع الرؤية ،
استعجل في أخذ الكتاب وكأنه قد حصل على آخر نسخة مع أن هناك الكثير منها ، حمله بيده وراح يبحث
عن صديقه بعينان تائهتان ثم أخذ هاتفه واتصل به في الحال :
- اترك كل شيء من يدك وتخلص من هذا السمج و وافيني امام باب الكافتيريا فورا !
- هل حدث شيء ما .. ؟ ممممممم يعني هل وجدتها .. سأوافيك فورا !"
من مكان شراءه للكتاب حتى باب الكافتيريا كان وليد يمشي وعيناه معلقتان بتلك الصورة .. ولكن لماذا
دقق بالتاريخ ومطار بيروت قد قُصف مرارا وعلى مدى سنوات ؟!
التقى الصديقان ، تنحيا جانبا فالازدحام شديد ، دققا بالصورة جيدا ، الصورة عادية جدا لولا ذلك
التاريخ الذي التقطت فيه ، كان يشير إلى أنها المرة الأولى التي قُصف فيها المطار .

ما هذه المصادفات الغريبة في هذا المساء ولماذا ترافق ظهور تلك الصورة مع ظهور
تلك السيدة التي اعترض عدنان طريقها وكان ربما عرّض نفسه إلى إهانة كبرى ليثبت بأنها سعاد !
ما علاقة الزمان بالمكان؟!
نظرا جيدا إلى الصورة ، دققا جيدا في تاريخ التقاطها وكانوا مذهولين .. قال عدنان
" غير معقول .. صدفة عجيبة حقا " كيف ينسون ذلك النهار، لقد تذكرا ذلك جيدا !!
:
ما أن وصلت بهم الطائرة وحطّت في مطار بيروت تدافع معظم ركابها أمام الباب الرئيس قبل أن يُفتح وقبل
أن يصل السلم الخاص الذي يرتفع حتى بابها ، كان السبب في ذلك أن إحدى المضيفات وعبر مكبر الصوت
وبعد تهنئتهم بالسلامة وتمنيتها بأن يصلوا إلى بيوتهم أيضا بالسلامة ، أخبرتهم بأن عليهم التصرف بهدوء
فالأمر قد حدث وانتهى : " بضع قذائف سقطت بالخطأ في حرم مطار بيروت ولم يصب أحد بأذى " !!
عندما فتح باب الطائرة كاد الجمع يطيح ب المضيفتان ويوقعانهن من أعلى السلّم ، وعندما نزلوا بانتظار
الباص الذي سينقلهم من طرف المطار شاهدوا قادما باتجاههم بسرعة جنونية وتوقف بشكل فجائي وعنيف .
خاطبهم سائقه بصوت عال بأن عليهم الصعود جميعا وبسرعة ، فالمطار قد قُصف قبل ساعتين ،
وتوقف بعد وساطات بين امراء الحرب .. ! أضاف : " ولكن من يدري ؟ "
ارتبك معظم الواصلين وانتقلوا من حال نفسي إلى حال آخر ، حشروا أنفسهم وانطلق !
إحدى الراكبات صرخت وهي تنظر في وجوه لم تعد تعرفها : " ماذا يريدون منا ،الله يقصف أعمارهم .. ؟
بدأ حديث التحزّب داخل الباص بين من يقول إن القذائف من الشرقية ، ومن يقول
أنها من الغربية ، عادوا إلى لغة الفرز الطائفي وكأنهم لا يعرفون بعضهم البعض ؛عجيبة هي بلادنا وكأن أرضها لا تنبت إلا الشوك !!
أقل من خمسة دقائق صار الركاب فريقين ! ولكن .. يا لميزة هذا المجتمع : هناك دائما رجل مصلح!
شخص ما ، يحاول حلّ هذه الإشكالية حين يقول :
" يا إخوان لا شرقية ولا غربية ، هيْدي أيادي خارجية وطرف ثالث "
طرف ثالث .. ؟ دائما هناك طرف ثالث ولكن لا أحد يعرف أو كشف عنه إلا بلغة السياسة !!
خمس دقائق مرت على بعض الركاب دهرا وبعضهم طرفة عين ، الهمس والهمهمة والوجوم صاروا
السمة الظاهرة على وجوههم ، كأنهم ليسوا قادمين على نفس الطائرة ولم يكونوا في نفس
" الكروب " السياحي مع بعض ؛ فحتى صباح ذلك اليوم ، كانوا معا ، أكلوا وشربوا وضحكوا مع بعضهم البعض ..
غنوا ورقصوا طوال تلك الرحلة ، ومنهم من تحابّ ! فما هي علتهم ، كيف عادوا في لحظات إلى التقوقع بلا سبب ؟!
:
بينما كان معظمهم مشغولا بالحدث كان وليد يطوق برناديت بذراعه وهما واقفان طوال مسافة الطريق ،
كانت تندس بصدره ، لاويةً ذراعيها نحو الخلف ، متأبطة بوسطه النحيل ، تشبك أصابعها بثيابه
تتمايل بجسدها مع أن الطريق ليس فيها منعطفات . جميع الركاب يعرفون قصة هاذان العاشقان ،
أخبارهما كانت إن لم تُرى تتناقلها الألسن في مجتمع السياح بفارنا ؛ فبعد تلك الليلة إياها نُسجت
بينهما قصة حبّ رومانسية جميلة عاشاها كالحلم طوال ما تبقى لهم من ايام سعيدة هانئة و وردية ..
ولكن عندما حزموا أمتعتهم صباح ذلك اليوم إيذانا بالرحيل ، السماء أمطرت بغزارة ،كانا يجلسان منذ
الصباح الباكر في حديقة فندقها ،كانا في عناق حين اختلطت دموعهما بماء المطر ، ابتلت ثيابهما
ولما بدلاها تبادلا قمصانهما المبتلة بالمطر والدموع كما يتبادل أبطال الكرة ألوانهم
،كانوا كمن يودعان بعضهما لآخر مرة وهم في الطائرة ، بقوا في عناق حميم طوال تلك الرحلة
يمسحون أدمعهم كلما اقتربت من لبنان ، إحدى المضيفات البلغاريات أخبرتهم بأن الطائرة تقترب
من لبنان وقالت لبيرنا أتحنين للوطن ؟ أشارت بيرنا إلى وليد وقالت " هو وطني " !
انحنت تلك الجميلة نحو بيرنا ، وضعت يدها على شعرها ، مسحت دمعتها وقالت : يجب أن تكوني سعيدة ! "
تلك الغريبة عن لبنان لا تعرف أن المشكلة تكمن أصلا في ما يعانيه وطن بيرنا ، لكنه ومهما كان وطنها ؛
لقد كان ل برناديت من قبل وطن ، وما زال ؛ أما هو ، فكان بلا وطن قبل أن يعرفها ، معاناته ليست مع وطنه
بل انه ووطنه يعانون مشكلة من نوع آخر . لا يستطيع لمسه ولا حضنه ولا حتى الموت فيه !
عندما عانقته لأول مرّة ، عرف منذ تلك اللحظة ما معنى أن يكون حضن الإنسان للإنسان وطن
لقد قال لها " صار حضنك وطني " فبكت .
عندما اشارت إليه وقالت للمضيفة " هو وطني " شهق وكاد قلبه ينفجر .
لكنهما الآن على ارض الواقع ، وسيتصرفان كالأغراب حين يخرج الركاب إلى قاعة الوصول .


لا خيال ولا كلمات حب ولا احلام جميلة .
توقيع رأفت العزي
 "
كل ومضة نور في وسط الظلمة تدفع السائرين إلى الأمام خطوة !
وكل تصويب لمسيرة النضال على الطريق تقدم للنجاح فرصة !
" !!
رأفت العزي غير متصل   رد مع اقتباس