* الجزء السادس و الثلاثون *
... لذا قرّرتُ بعدها أن أعايش واقعي بطريقة سلمية علّه يجنّبني المزيد من الأزمات .. قد أكون فكّرت لأكثر من صدفة في أن أتزوّج، ثمّ أبحث عن حبّ جديد خارج مراسيم الزّواج .. فقط لأملأ فراغ القصائد بأنثى .. كنت بحاجة لها كحاجتي لسطور محجوزة .. لا تقبل الانهيار لمجرّد أنّ صمتا موسميا تثاءب عند عتبة باب صفحة مهجورة و هو يرتدي شيئا من شجن مبتور ..
لأنّي قررت أن لا أنهار ..
لأنّي استغنيت عن حاجتي للأطفال .. رغم أنّ ذلك كان رغما عنّي .. و أقنعت نفسي بأشياء ما كانت لتخطر على بالي قبلها أبدا .. الأنثى أصبحت بالنّسبة لي فارقة حياة و منعطف شائك يجب أن أتخطّاه بثبات شديد .. و كان لابد لي أن أتخطّاه و إن تحطّمتُ بعدها لفاجعتين، كلّ أنثى بعمر قصيدة و عمر صفحة كانت قبلها امرأة صامتة ثم تكلّمت فجأة فاضحة رعونتها فماتت .. عَبَرْتُهَا .. كمحاولة لتجاوز جسر شيطانيٍّ آيل للسّقوط عند أيّة زلّة قدم أو تشبّع بأفكار فلسفية لا غاية لها إلّا اللّعب بأعصاب باردة .. تلك الّتي تستغني عن روابطها و تتبعثر ككلمات غامضة .. لا شيء يدلّ على أنّها كلمات إلّا الرّسم البياني للجرح .. و الجرح مسافة شرعية بين الذات الشاعرة و الخطيئة الحسّية .. و تصرّف لا عقلاني لقوى خارجة عن مفهوم الذاتية .. تلك الّتي تتخذ صورا و أشكالا لا حاجة لنا لنفقهها .. يكفي فقط الألم لاستشعارها .. يزول الألم المادي لكنّه يسكب امتداده في الرّوح كتوقيع رسمي .. و ما اختلط بالرّوح استحال تفنيده .. لذلك كان توقيع الرّصاصة نافذا ..
لأنّها لم تكتفي بمجرّد الرّسم السطحي، لكنّها تعدّته لتحفر توقيعها فوق مشاريعي القادمة .. بقسوة .. فكان أن وضعت نقطة نهاية رسمية قطعت بها امتدادي .. وتركتني أبحث عن ممرّات جانبية أسرّب من خلالها شيئا من قدر جارح و ما تبقّى من فجوة أصبحت أرستقراطية بفعل انتمائها لجسدي .. علّني أستوعب شيئا من خارطة كلّ حدودها نساء .. علّني بعدها أفيق متلعثما، متعثرا بكلمتين ( الرّصاصة و الأنثى .. ) فأسقط عنهما بمقياس الجاذبية بين الشّيئين، فكان أن تمزّقتُ بينهما، ذلك أنّ الهوّة الموجودة بين رصاصة أقعدت العالم و أنثى أقامت العالم ثمّ أقعدته ثمّ مرجحته بين القيام و القعود .. تمنع تجاذب الأحداث الداّمية و الحانية .. و تكاثفها .. رغم أنّهما قد يتّفقان في جسد واحد .. كما حدث لي .. !!
رصاصة سرّبت عمرا كنت سأطلبه .. في أنثى كنت لا زلت أبحث عنها ..
رصاصة سجّلت حضورها بأطيافها الحمراء ( كنجم ، ككوكب ) قهرتها المسافات الشاهقة و الأبعاد العينية .. انطلاقا من ثقب المسدّس حتّى الوصول لنقطة البعد الشّرعي للجرح، ذاك الّذي يقاس بزمنية القهر الحسّي .. تجاوز في ثانية آلاف الأميال الفجرية .. بصاعقة سوداء انحطّت على جسدي مربكة المواقيت و الفوارق الضوئية بين اللّيل و النّهار .. فكان أن انتصر اللّيل بفوضى حواسه و ارتباكاته، و ظلمة سكنتني لأبدية الشّعور بالألم ..
و الأنثى الّتي عبرت كطيف ملامحي فسكنتني .. قبل أن تربك الرّصاصة رسمها فوق ملامحي .. بتصميم جديد لا تعنيني خطوطه المتكّسرة .. فالبعد الصارخ بين مسافتين كالفضاء و الأرض يجعل الأشياء تتطاير " كحلم " بين يقظة و شبيهتها، بين وعي و أشباه الوّعي .. ذلك الحلم الّذي ينتمي لأعلى قمّة من الجنون .. بحكم قوانين الجاذبية المعروفة .. و التي يجوز إسقاطها على حالة الذهول و الشرود ..
لذلك بقيت مترنّحا، محلّقا تمنعني الجاذبية العالية لسلطان الرّصاصة من أن أعيش سيّدا بمملكة النّساء .. ثم بعدها أوقظ شرعيّتي في جسد طفل صغير، يحمل من تقاسيم العروبة ما يحرّر بها وطنا، اسمه يطوّق كلّ حروف الأبجدية العربية و حدوده تُداخل الصين و الجزر و المذابح القارية .. و اليونان القديمة و شيئا من حداثتها .. وروما .. معلنا ميلاده من فوق مآذن القدس الشّريف، فوهة البركان العربي .. وطنا يقتني من الحضارات " أثمنها " فقط للذاكرة التَّأْرِيخية .. طفلٌ استحوذ على زاوية من الزّوايا الثّلاث لمثلث برمودا .. فقط ليحضر موت الأطفال .. رمزا قديما للموت، يصلح لأن يكون استحداثا جديدا لآلية تفنّد الاغتيالات .. تاركا إيّاه بزاويتين و مقصلة مفتوحة .. حتّى لا يفنّد عنه مزاعم التاريخ في أنّه المنفى الوحيد الّذي لا يعترف بانتهاء عهدة النّفي .. و أنّه مملكة الشّياطين .. و أنّه سيّد المآسي البحرية ..
طفل أربكته الرّصاصة، تشبّها بمثلث الموت .. من حيث عدد المآسي الّتي تعاقبت فور الرّسم الدائري لها، فوق منطقة كانت لغزا صامتا قبل ذلك .. ثم شيّعت صمتها محرّرةً سلسلة من الألغاز .. آخرها كان رمزا سرّيا لامرأة تنتمي بحكم رسوخها لعهد حجري ..
طفلٌ كان سيحرّرني من لعنات الرّصاصة .. ثم يلتفت شرقا ليكمل مهامه السّياسية .. و يرحل .. !!
لكنّه رحل .. باكرا جدا .. قبل أن يحلّ شتاء جديد ..
رحل و تركني على عهد معلّق مع أنثى .. !! ذلك أنّ علاقتي بها أصبحت حدودها مرسومة بنقطة نهاية ..
و لن تعتقني .. الذاكرة الأنثوية ..
ذلك أنّ الأنثى تذكير شرس .. !! و توقيع حاد يطبع خطوطه بتركيز شديد فوق الخطوط الدّامية .. تقديسا للتواقيع، و حتّى لا تتهّم فيما بعد بالتّقليد ..