عرض مشاركة واحدة
قديم 01 / 05 / 2012, 40 : 02 AM   رقم المشاركة : [61]
رأفت العزي
كاتب نور أدبي متألق بالنور فضي الأشعة ( عضوية فضية )

 الصورة الرمزية رأفت العزي
 





رأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond repute

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))

:
كان العبور بين المتاريس للوصول إلى " المنطقة المحايدة " محفوفة بالمخاطر بالرغم من وقف إطلاق النار
ألا أنها لا تقتصر فقط على من يضغط على الزناد من المقاتلين ؛ قد تدوس على رصاصة محشوة فتنطلق ،
أو تمر بجانب قذيفة لم تنفجر قد تنفجر ، وتتكئ على حديد دبابة أو تمر بمحاذاة ماسورة مدفع ،
وفوق ذلك عليك أن تنصاع لأوامر المسلحين حين يفتشونك ، لا يسمحون إلا بنقل ثيابك الخاصة القليلة
والأهم اقتناعهم بأسباب عبورك نحو الساحة المحايدة .. فهناك يلتقي الأخ مع أخيه ، والجار والنسيب ، القريب والحبيب.
كان وليد يذهب كل نهار أحد إلى ذاك الممر ، يخلق الأعذار والحجج ،يدفع بالرشا ، يحتال ، يكذب ،
ينتظر لساعات طويلة من أجل قديسته برناديت .
في منتصف القرن التاسع عشر في احدى المناطق في فرنسا كان الناس يمشون لأيام في البراري
في الحرّ والبرد ، في أيام العواصف والثلوج .. يحملون شموعهم المضاءة بين تلك التلال النائية
والأمل يُشرق ثم يتلاشى فمن تضاء شمعته ولا تنطفئ يحظى بأولوية مشاهدة الجسد المسجّى لأنه
على ما قيل دليل إيمان ؛ ينتظرون لأيام وأيام، لمشاهدة جسد فتاة فرنسية فقيرة أحبت سيدتنا العذراء
مريم تقدس اسمها وماتت من أجل ما آمنت به ،كان لها شفاعات كبرى على ما يقول الناس الذين امتلأت
قلوبهم بمحبتها واصبح مكانها محجة للفقراء والمساكين ، فطوبها بابا روما قدّيسة كرّست تلك الشفاعات
وتيمنا ، أطلق " سمعان" اللبناني على مولودته الشقراء الجميلة اسم تلك القديسة ؛ برناديت .
كان وليد يرى أن القداسة ليست حكرا على الفتاة الفرنسية أفلا يخاطر؟
كان يمشي لساعات وينتظر لساعات من أجل قدّيسته هو ؛ فشمعته كانت تضاء وكان يؤمن بحواسه
يصدقها ، عندما كان حدسه يقول سوف تجيئ كانت تجيئ ، في لقاءهما الأخير تم تهديهما حتى يخرجا
من المنطقة المحايدة بقوة السلاح كان القنص كثيفا في ذلك النهار ، رصاصة " ذكية " اصابت الحبل
الذي يحمل الستارة العملاقة المشدود إلى بناءين من الأعلى حتى الأرض لتحجب الشارع المقسوم حتى تقي
الناس من القنص . لقد سقط الساتر ورصاصة أخرى كادت تطيح برأس وليد ، التصق بجدران احدى البنايات
المهجورة إلا من المسلحين الذين باتوا يعرفونه ، صرخ عليه أحدهم وقال :
" نحن نموت من أجلكم وأنتم تموتون من اجل الحب ! "
أجابه وليد وهو يضحك : " وأنت أيضا تموت من أجل ما تُحب ّ، تؤمن بأن الوطن يحتاج إلى حبك وتضحيتك
وأنا أيها الرفيق مستعد للتضحية من أجل من أحبّ كما تفعل أنت "
ضحك المسلح وقال بلهجة بيروتية خالصة :
" بس وَيْنَكْ ، على رَقِبْتي هي بْتِسْتيِهِل .. وحياة أختي بتستيهل ..
ولك موْتني منشان ستنا مريم ..
ولَكْ لو كانوا إخوات " ال.... " المسحية كلّن هيك متله ، كان لشو الحَرِبْ ؟ "
:
في لقائهما الأخير واثناء عناقهما لم يفلح وليد بإقناعها بالبقاء ، قال " كيف أحيا دونك " فقالت "
سأموت حتما وإن بقيت على قيد الحياة سأكرس نفسي لخدمة " الرب " سوف أترهبن !"
في لقائهما الأخير كاد أحد المسلحين أن يطلق النار عليهما وكان يصرخ بشكل هستيري ، فافترقا قسرا، وقهرا .
كانت القذائف تنهمر بغزارة وتمر من فوق الأسطح صافرة مدوية .. احتجزته بيروت أربعة أسابيع قضاها
على خطوط التماس مع شقيقه الأصغر الذي قال له أهلا بعودتك إلى التنظيم !!
لكنه لم يكن يؤمن يوما بأن له قضية فيها ، مع انه لو مات فسوف ينعوه شهيدا ،
كان يؤمن بذلك.. ولكن .. شهيدا من أجل من أحب.

في لقائهما الأخير بكت بيرنا بحرقة ، وقالت " كنت أعلم ذلك من قبل ، واعتقدت أن الأمر سيطول
فحين هاجر عمي كان قد أمضى سنتين بانتظار الموافقة لكن ابي قد اتته الموافقة فورا !! "
كانت بيرنا تعلم وتخفي عن وليد بأن والدها كان يسعى من أجل معاملات الهجرة إما لكندا أو استراليا
فوافق الأستراليون على طلبه دون تأخير ، كانت الهجرة سهلة وميسرة أمام تلك الفئة من اللبنانيين ؟!!

في لقائهما الأخير سألته إن كان حقا يحب " العذراء " فقال : - إن كان أبي يبكي لما كان يقرأ قصتها
في القرآن ،سألته لماذا ؟ فقال يا ولدي ، إن الذين افتروا علينا كذبا وأخرجونا من ديارنا هم على ذات
النهج مع أولئك الذين افتروا عليها كذبا واخرجوها من ديارها شريدة حين لاذت بمغارة نائية
لم تجد ما تقتات به سوى "رطبا جنيا " ، لماذا تسالين ؟ "
أخرجت من " جيوبها " أيقونة تمثل السيدة العذراء ، قبلتها ، وتمتمت بكلمات رجاء .. أخذها ،
قبلها وما زال يحتفظ بها كأغلى تذكار كلما نظر فيه يرى صورتها على الوجه الثاني من الأيقونة
مصلوبة في ديار الغربة التي أخذتها وطوتها السنين .
توقيع رأفت العزي
 "
كل ومضة نور في وسط الظلمة تدفع السائرين إلى الأمام خطوة !
وكل تصويب لمسيرة النضال على الطريق تقدم للنجاح فرصة !
" !!
رأفت العزي غير متصل   رد مع اقتباس