عرض مشاركة واحدة
قديم 01 / 05 / 2012, 41 : 02 AM   رقم المشاركة : [62]
رأفت العزي
كاتب نور أدبي متألق بالنور فضي الأشعة ( عضوية فضية )

 الصورة الرمزية رأفت العزي
 





رأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond repute

رد: (( لا تحيا إلا بالعناق ! ))


قالت في إحدى رسائلها المتأخرة ستة أشهر : " تعلمت الصبر يا وليد !
كنت اجلس في بيت عمي المحاط بالأشجار هنا في سدني ، أنظر إليها فتذكرت كلامك
عن ذلك العجوز البلغاري . تأملت تلك الأشجار ، راقبت أغصانها المتداخلة
، نظرت إلى أوراقها المتساقطة ولاحظت شيئا لم اكن اعرفه من قبل ، أنها لا تتساقط في وقت واحد !
لا تتساقط الأوراق إلا حينما تستشعر بتكوين براعم صغيرة جديدة تحلّ مكانها فتترك لها فرصة للحياة .
فهمت أيضا معنى التعاضد ، التسامح والتضحية .. شاهدت بأم عيني عناق الأغصان للأغصان
فرحة بأوراقها وهي تتكاثر ، راقبت جذوعها كيف تعلو وتكبر ، لكني سأضيف شيئا إلى
ما قاله ذلك العجوز البلغاري ؛ نحن البشر نختلف قليلا عنها ، فهي لا تنتقل مثلنا .
لا ترتحل بعيدا عن تربتها وجذورها ، تموت !
نحن نعاني عندما نبتعد عن تربتنا وجذورنا ولكننا لا نموت .
نحن البشر قد تطور عقلنا كثيرا ، أقلمته الأوجاع ، والأشياء ، درجنا على استخدامها ، ممارستها .
صار يختزن الماضي حين يُسقط النسيان ورقة ، لا تسقط قبل أن تترك مخزونها لبرعم ينمو
إلى جانب برعم آخر ،فتصبح مجموع الأوراق تحمل مجموع أخبار الماضي :
كل خفايانا ، أسرارنا ، أوجاعنا ، أفراحنا ، عشقنا ، وحبنا ، كرهنا معاناتنا ، تحمل
كل تفاصيل حياتنا . دوّنها العقل على مراحل وقال " هذه ذكرياتكم " !!
سموها الذكريات . بفضلها، نحن ما عليه الآن . هي طفولتنا ،هي الأم والأخ والأصدقاء
هي ملعب المدرسة ، الوطن ، الحبيب .. كل شيء .. كل شيء . فالذكريات هي كل حياتنا ..
ولكن ..
ألم يصادفك بعض الأشخاص حين تراهم لأول مرة تقول كأنك تعرفهم منذ زمن بعيد ؟!
تجول في رأسك تساؤلات ، تدور بمعظمها عن بعض التصرفات الغامضة التي نستشعر بها
نحن البشر في مثل تلك الأحاسيس، فهل يجوز لنا التقرير في غياب اليقين إن كنا نعرفهم بالفعل أو لا ؟!

نحن البشر قد تطور عقلنا وصار يختزن الماضي حين يُسقط النسيان ورقة ، تترك مخزونها لبرعم ينمو
ويحمل الذكريات كما تُحْمَل موروثاتنا في جينات خلايا أجنّتنا عند التكوين في أرحام الأمهات
ثم يرضعنها للأطفال حليبا من أثدائهن ثم يصير الميراث سلوكا وتربية في كل الأزمنة ، وفي كل الأمكنة ؛
فحين نرتحل ، ترتحل معنا ، ترافقنا حتى الممات !!
قد تتكون أهم الذكريات وأجملها في حياتنا في مكان واحد ، في زمن قصير جدا ،
فيكتب فيها العقل ملايين الكلمات على آلاف الأوراق .. وقد يمضي زمن العمر كله
فلا يُسجل العقل سوى بعضصفحات تافهة ,تبقى بمعظمها بيضاء ، لا تترك إلا بعض
الذكريات الباهتة فلا تُذكر أو تكاد ؛ فهل يتوقف ذلك على وعي البشر ، مفاهيمهم ، ثقافتهم
وعلى مدى تعلق الانسان بالإنسان ؟!! "
كان وليد حاضر الذهن وهو يقرا تلك الرسالة .. ولكنه شهق حينما وصل إلى قراءة الأسطر الأخير حين قالت :

أنت يا حبيبي ، في زمن قصير قد جعلت عقلي يملئ دفتر ذكرياتي كله
أنا أعانقك الآن ، طيفك لا يفارقني لحظة وهو معي في كل الأمكنة ،
فلا تخف عليّ .. ولكن .. هل ستحتفظ مثلي بأوراق ذكرياتنا حتى نهاية العمر ؟ !
ربما .. ربما يأتي يوم ما ونلتقى فيه على قارعة رصيف تساقطت عليه أوراق الشجر
ربما ، نتعانق جديد .. وربما نمر أمام كتاب نتجاهل كل ما فيه إن كانت الذكرى عابرة فمن يدري !
إن كانت الأشجار لا تحيا إلا بالعناق ففي غيابها ، لا نحيا بلا ذكريات .


انتهت
توقيع رأفت العزي
 "
كل ومضة نور في وسط الظلمة تدفع السائرين إلى الأمام خطوة !
وكل تصويب لمسيرة النضال على الطريق تقدم للنجاح فرصة !
" !!
رأفت العزي غير متصل   رد مع اقتباس