كتب عليان عليان :
دخل إضراب الحركة الأسيرة الفلسطينية عن الطعام أسبوعه الثالث في سياق مبرمج، يشمل في المرحلة الأولى المعتقلين إداريا بدون محاكمة، ومن ثم المحكومين بالسجن لفترات طويلة، على أن يتبعهم باقي الأسرى تدريجياً، ووسط تأكيدات بأن ينضم أسرى حركة فتح للإضراب بعد فشل المفاوضات مع إدارة السجون بشأن تحقيق مطالب الحركة الأسيرة.
وفي ذات الوقت دخل إضراب الأسيرين البطلين بلال ذياب وثائر حلاحلة اليوم الرابع والستين، احتجاجاً على سياسة الاعتقال الإداري وباتت حياتهما مهددة بين لحظة وأخرى.
ما جرى ويجري داخل سجون الاحتلال هو أقرب إلى صفة الهبّة أو الانتفاضة، حيث تؤكّد مصادر الحركة الأسيرة بأنّه سيكون الإضراب الأبرز، منذ إضراب عام 2004، وذلك لعدة اعتبارات أبرزها:
أولاً: شموله لمختلف أسرى المقاومة من مختلف الفصائل الفلسطينية وفق تكتيك التدرج في المراحل.
ثانياً: أنّه يتم لأول مرة في سياق إستراتيجية متفق عليها بين كافة أطراف الحركة الأسيرة تحت عنوان "وثيقة العهد"، توضّح آلية اتخاذ القرار وتحديد أهداف أيّ تحرك داخل السجون وتحييد الخلافات وتعظيم القواسم المشتركة، في مواجهة العدو المشترك والسجان الصهيوني.
ثالثا: نوعية المطالب والإصرار على تنفيذها وعدم المساومة على أيّ جزء منها، وعلى رأسها وقف سياسات العزل الانفرادي لعشرين من قيادات الحركة الأسيرة، وعلى رأسها "مروان البرغوثي، أحمد سعدات، عبد الله البرغوثي"، والسماح لأهالي أسرى قطاع غزة بزيارتهم، وقف سياسة التفتيش العاري، واسترجاع المكتسبات التي حققوها بنضالاتهم السابقة والتي فقدوها في ظل الوضع السياسي الفلسطيني المتردي، جراء أوسلو ومشتقاته واستمرار الرهان البائس على المفاوضات، مثل السماح بتقديم امتحان الثانوية والتسجيل في الجامعات، الحصول على الصحف، مشاهدة الفضائيات، تحسين أوضاعهم الصحية، الخ.
رابعاً: أنّ قيادة الحركة الأسيرة، وأخصّ بالذكر كل من أحمد سعدات ومروان البرغوثي وعبد الله البرغوثي، لعبت ولا تزال تلعب دوراً ريادياً في تحقيق وحدة الحركة الأسيرة وفي قيادة نضالاتها وتضرب قوة المثال في إضرابها المتكرر عن الطعام وفي نكران الذات وفي الصمود أمام الجلاد، بعد أن قدّمت قوة النموذج والمثال في صلابتها أمام جلاوزة التحقيق والتعذيب.
فالمرافعات التي سبق أن قدّمها القادة الثلاثة في محاكم الاحتلال يجب وبالضرورة أن تكون كراسات تعبوية لمن هم خارج السجون ليستمدوا منها العزم على مواصلة النضال، فتلك المرافعات كانت مرافعات سياسية وقانونية بامتياز، حين أكّدوا على عدم قانونية هذه المحاكم ورفعوا الصوت عاليا أمام القضاة المزعومين بأنّ المقاومة بكل أشكالها مشروعة حتى دحر الاحتلال، وأنّ الاحتلال هو الذي يجب أن يخضع للمحاكمة من قبل أصحاب الوطن الأصليين.
ها هو سعدات الذي وصفه الأسير الأردني المحرر سلطان العجلوني بأنّه "مبدأ يمشي على الأرض"، ها هو يتحدى بأمعائه الخاوية الجلاد الصهيوني، ويفقد جزءاً كبيراً من وزنه جراء إضراباته المتكررة احتجاجاً على ظروف احتجازه، واحتجاز إخوانه ورفاقه اللاإنسانية في سجون الاحتلال، وفي زنازين العزل الانفرادي.
لقد تم نقله إلى مستشفى سجن الرملة بعد أن أصبحت حياته مهددة مجدداً بالخطر جراء البقاء في قبور العزل، ولا يزال صامدا ولم تهتز له قناة، ويوزّع الصمود على مختلف الرفاق والأخوة في سجون الاحتلال.
وها هو عبد الله البرغوثي المحكوم ب67 مؤبداً يعلن في رسالته المؤثرة إلى نقابة المهندسين الأردنيين إصراره على الاستمرار في الإضراب حتى تحقيق مطالبه ومطالب بقية الأسرى بإلغاء إجراءات العزل الانفرادي، والتي جاء فيها "يشهد الله أنني لن أعود عن خطواتي حتى لو فقدت روحي في مقابلها، ولذلك إن خانني جسدي وقرر أن يوقف القلب نبضه، وأن تسلم الروح لربها فاعلموا أنّ الذنب ليس ذنبي، إنّما ذنب ذلك الجسد الذي ما عاد قادراً على احتمال المشقة".
وها هو مروان البرغوثي الصامد في عزله الانفرادي يتعرّض للعقاب داخل زنزانته في سجن هداريم لأنه يوجّه النداء تلو النداء بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وبتفعيل المقاومة الشعبية وبتحقيق الوحدة الوطنية، وحيث سعى العدو إلى تشويه دوره القيادي عشية الإضراب من خلال المزاعم الرخيصة والمكشوفة التي روّجتها صحيفة هآرتس الصهيونية، والتي لا تنطل على أحد حول اعترافاته المزعومة في التحقيق عن قضايا تنظيمية متصلة بعمليات فدائية.
ها هم الأسرى يحققون انتصارات جزئية وتكتيكية عبر صلابة إرادتهم في معركة الأمعاء الخاوية، فبعد أن رضخ السجان الصهيوني لإرادة المعتقل الإداري خضر عدنان الذي أضرب عن الطعام لمدة تزيد عن شهرين، احتجاجاً على سياسة الاعتقال الإداري، وكذلك لإرادة هناء الشلبي، ها هو يقترب من الخضوع لإرادة الأسرى في قضية "العزل الانفرادي" ويتراجع بالتدريج عن لاءاته، وفي هذا السياق نشير إلى مسألتين هما:
أولاً: أنّه وحسب مصادر في الجبهة الشعبية، فإنّ أسرى الجبهة في سجن ريمون، المعتقل فيه سعدات في زنزانة العزل الانفرادي منذ ثلاث سنوات، رفضوا عرضاً من إدارة السجن المذكور بوقف إضرابهم عن الطعام، مقابل إنهاء عزل سعدات الانفرادي وتحويله لأقسام السجن العادية، مشددين على تمسكهم بكافة مطالب الحركة الأسيرة.
ثانياً: أنّه وحسب تصريحات فؤاد الخفش مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان، فإنّه جراء صمود الأسرى في معركة الأمعاء الخاوية، وتحديهم للسجان الصهيوني، حدث تغيير جوهري في موقف إدارة سجون الاحتلال، التي كانت ترفض كليةً الحديث عن إنهاء العزل الانفرادي للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال على اعتبار أنّه خط أحمر يمسّ الأمن القومي الإسرائيلي، على حد تعبير أجهزة استخبارات الاحتلال.
وقال الخفش: "إنّ هذا التنازل جاء من قبل أحد مديري الاستخبارات في أحد السجون، حين طرح حلاً وسطاً لإنهاء إضراب المعتقلين، يتمثّل في تجميع جميع المعزولين في قسم واحد، مقابل تقديم تعهد من قبل الأسرى الذين سيخرجون من العزل بعدم التدخل في أيّ شأن خارج السجن، وعدم إعطاء أيّ تصريح".
وحسب الخفش أيضا فإنّ الأسرى رفضوا هذا العرض وأكّدوا أنّهم لن يقبلوا بأنصاف الحلول، وأنّ إنهاء العزل الانفرادي الذي يعاني منه بعض الأسرى حق كفله القانون الدولي، ومن ثم فإنّ قيادة الإضراب لن تقبل بفكّ الإضراب قبل إخراج جميع الأسرى المعزولين بدون شروط.
إنّ أشد ما يؤلم الأسرى الأبطال، بالإضافة إلى معاناتهم داخل السجون، أنّهم أُسروا من أجل قضية عادلة بعد أن خاضوا درب المقاومة، لكنهم يشاهدون هذه القضية التي آمنوا بها وضحوا بسني عمرهم من أجلها توضع على مذبح التصفية جراء الإصرار على نهج المفاوضات البائس، ورفض المتنفّذين العودة إلى خيار المقاومة، التزاما منهم بخارطة الطريق وغيرها، ويشاهدون استشراء حالة الانقسام الجيو - سياسي الفلسطيني.
إنّ الانتصار لقضية الأسرى يكون بالمقام الأول بإعادة الاعتبار لخيار المقاومة، وأن تكون المقاومة هي المدخل لتحريرهم، وثانياً بوضع قضيتهم بشكل مستمر على جدول أعمال المنظمات الدولية ذات الصلة وبإثارة قضيتهم إعلامياً، وفضح ممارسات الاحتلال، وأخيراً بنبذ خيار الانقسام والالتزام بمتطلبات الوحدة الوطنية.