عرض مشاركة واحدة
قديم 06 / 05 / 2012, 21 : 10 PM   رقم المشاركة : [171]
حياة شهد
شاعرة و رسامة و كاتبة

 الصورة الرمزية حياة شهد
 





حياة شهد has much to be proud ofحياة شهد has much to be proud ofحياة شهد has much to be proud ofحياة شهد has much to be proud ofحياة شهد has much to be proud ofحياة شهد has much to be proud ofحياة شهد has much to be proud ofحياة شهد has much to be proud ofحياة شهد has much to be proud ofحياة شهد has much to be proud of

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )

* الجزء الثامن و الثلاثون *



.. لن أحمّله مشقّة اللّهاث خلف أحجيات تداولتها الوديان الشّاغرة من لهفتها و الممتلئة وحلا مخادعا قد يتحوّل إثر علاقته الشّاذة و المشبوهة بالبّحر إلى مياه جارفة تحمل معها الأساطير القديمة و الحكايا من زمن ألف ليلة و ليلة لتشرِّحه في إحدى لياليها ..

طفلي أنا لا يستحق الحياة .. يستحق الخلود، كتلك الرّصاصة .. لا يجب أن يولد و على معصمه رمز للموت كنتيجة حتمية لحرب كونية و لا تحت غيمات تشكّلت من دموع المعذّبين فوق الأرض .. لن يولد و الزّمن الجديد تحوّل إلى آلة قاتلة تدوس بنشوة آلاف البشر و كأنّها اختصار لعملية عصر للدماء .. لن يولد طفلا .. ! الطفولة تجرّدت من ملامحها و طقوسها .. كلّ الأجساد مهما كان حجمها تصلح لأن تكون ضحية حرب .. حتّى تلك المقلّصة بفعل الميلاد الجديد .. كرهينة يحتسب الرّهن فيها من ثانية الزّواج العربي .. كلّ الخشية من طفل صغير يلقّن منذ ميلاده معاني الموت لأجل الوطن .. يلّقن " بفظاعة " طرق حمل السلاح، حتّى العبارات المتلعثمة الّتي تخرج من بين شفتي طفل تشرّدت على أصوات القصف و الرّصاص .. تحطّمت فوق لساني، ناثرة ما تبّقى من لغة كسيرة بين الشّقوق .. لذلك أخرسني بكاؤه الصامت فوق لهفتي .. !! ألذلك لاحقتني رصاصة قدمت طائشة عشية حرب .. مسافات، مسافات .. رصاصة تعرف تماما مقرّها و هدفها .. حتّى شيّعت طفلا بل أطفالا آخرين ..

حتّى حين ولد شقيق أمال رفضت حضور جنازتي بحضوره .. رفضت أن أعزّي نفسي به أو أن أحمله كشعار جديد لتحطّمي .. طفل آخر يستنطق الحياة أمام احتضاراتي المتتالية .. ولد جريئا في مساء عاصف .. جرأةً مبتورةً من قهر الرّصاصة .. ذلك المساء الّذي أشعرني بأنّي أضعف من " ثوانٍ " .. للميلاد ..

حين أخبرتني شقيقتي و هي بالكاد تستطيع الحديث، عن طفلها الجديد .. لم أكن حاضرا لأحمل جرحا فوق جرحي .. كنت في فترة نقاهتي، أو في حداد مغلق، شقيقتي كانت منهكة جدا بسبب صعوبة ولادتها .. ذلك الطفل العنيد رفض أن يولد حتّى ساوم الحياة عن نفسه .. ثم خرج صارخا متذمرا ..

فترة النّقاهة كانت أقسى مرحلة مرّرت بها .. قضيتها وحيدا، عدت بعدها إلى القرية مشرّد الأفكار .. غارقا في عنجهية مزعومة، لأجُرَّ خيبتي و أقتلها بفأس قروي، عدّ خصيصا للنّكاية بتراب قررت البلدية يوما أن تضمّه لمقبرة القرية القديمة حيث ينام التّاريخ مكبّلا، حيث دُفِنَت الوثائق السرّية تحت معاطف النّسيان كي لا تفضح حاضرها كوثائق مزوّرة لا تتشابه إلّا في التّسمية " كوثائق " ثم في محتواها المشبوه .. و حتّى تُرْكَن كلوحات صامتة في متحف وطني يزعم قيادة الثورة .. في جزئها التّاريخي .. رغم أنّ اللّوحات قد تصنع التّاريخ أيضا .. الفؤوس ظاهرة مجازية تصلح لأن تطبّق لقتل الخيبات ثم تزرع مكانها قسوة خاصة .. لذلك حين أفقت من صدمتي وجدت نفسي قد تغيّرت و كأنّ الفؤوس أصابتني بعدوى قسوتها ..

عزيز كان قد عايش لتوّه جرح انفلات أنثى من جحره .. و تمرّدها على أوراقه و دفتره العائلي المقدّس .. لذلك كان لا يزال ممزّق الوجدان، ضائعا بين دفاتر أصبحت في ثانية نكران للذات قديمة .. زائغ النّظرات مضطرب الحواس .. لم يصدق فكرة زواجها و قد كانا شبه مخطوبين ليتفاجأ بعدها بحفل زفافها و تحضيرات سفرها .. صاحبه شعور غامر بالخيبة لساعات طويلة قبل أن يفيق ( أو كما بدا لي ) من أزمته و يقرّر مواصلة حياته باستفسارات لا حدود لها .. امرأة بعلامة استفهام دامية صاحبته إلى أن قرّر الاقتداء بها .. ليكون موته لغزا آخر و فوضى تساؤلات .. عدت و في ثانية جريئة أقفلت عينيّ عنه، ليصفعني بحادثة انتحاره كما لو أنّه اخطأ التّصويب فمات .. كما لو أنّ الثانية بيني و بينه كانت ببارقة تحدٍ للزمن .. فانتصرت ..

كان من العسير أن ينصت لي و في أذنيه ضجيج الألم .. كان من العسير أن يشعر بحزني و ذاكرته قد أصابتها انتكاسة صيفية من مخلّفات حقبة عسكرية حارة .. لكنّه مع ذلك سلّمني بصره، حين نظر إليّ بعينين دامعتين، بدمعة مزهقة، مغتالة عمدا .. أقسى ما استطاع منحي إيّاه نظرات شاردة و كأنّه كان يطارد طيفها في وجهي .. كأنّه يحاول طمس معالم شرعيّتها بين رفات أبوّة كنت قد واريتها تراب أحلامي منذ فترة وجيزة .. حتّى الألم قاسَمْتُه إيّاه ... و كأنّ القدر بأنانيّته السّاحقة رفض أن يمهلني بضع دقات ألم حتّى أشيِّع معه تصميم أنثاه الفاشل .. ثم أجلس بين ارتباكاته لألملم عنه رماد احتراق الرّسمية بينهما .. ثمّ أواسيه عنها، عن أنثى خالفت قوانين القرية في الحب .. و خالفته في لحظة انتماء أجنبي .. لا يمتّ لوطنيّته بصلة انتماء .. !!

عزيز رغم ألمه السّاحق و بجهد رجل احتوى فضيحة أنثوية، ثمّ استكان بعد سكونها و صمّم جسدا آخر من شرعيّتها المفنّدة، ذلك التّصميم الّذي لم أنتبه له .. في صرامة ألبسها عينيه و هو يحدثّني عن الرّحيل .. في تحدِ لا تفقهه " أنثى " اعتقدت أنّها الأذكى بانتعالها علامة غربية .. استطاع أن يمنحني لقطة من مسرح اهتمامه وقَّع بها على وثيقة جرحي بلمسة حانية حين ربت على كتفيّ .. فشعرت لأوّل مرة بعد فاجعتي .. بحاجتي لأن أستخرج نسخة عن الرّصاصة، و ألثمها عنا " نحن الاثنين " بثغر محذوف الابتسامات، لموعد جديد .. ذلك أنّها غادرتني بجسمها الحديدي فقط، تاركة لي شبحها .. كأصل يحتمل النّسخ في أيّ زمان .. و مكان .. كانت هي الأصلح لنا الاثنين، في احتوائها المشروع لأكثر من نقيض .. أعظمها رسالةً، الحياة و الموت .. كرمز للموت و كحقيبة تحوي صفحات الألم لفترة ما بعدها، قبل أن تقذفه متتاليَ الأحداث المدمّرة .. ثم لحياة مشوّهة ..

أو لرحيل أبدّي .. ذلك الفارق بيني و بين عزيز ..
أنا بشخصي الملهم من الرّصاصة، المرتبك بين تناقضاتها الكثيرة .. و عزيز الّذي مات و في نفسه رغبة خفيّة في اعتناق شهقات الرّصاص ذلك أنّه كان يمنّي نفسه برصاصة لها طعم عربي و منفى عربي اسمه " فلسطين " أولا ثم بعده الجسور " الرثّة " المترامية على امتداد الشّرق .. لكنّه نهاية المطاف انتحر شنقا بعدما أخفقت بين عينيه كلّ احتمالات الموت العربي و آخرها " أنثى" مزّقته بشرعية تجافي الحدود الوطنية، بل تتعداها لتضيع في فلك غربي لا يحاذي مجموعتنا الشّمسية الخاصة .. ذلك أنّ الشّمس لا تطلع هناك إلّا فاسقة، تُشَرِّح أشّعتها فوق الحمراء لجنود همهم الوحيد .. عدد فناجين الدّمار الممتلئة " شرعية حمراء قرمزية " ..
حياة شهد غير متصل   رد مع اقتباس