عرض مشاركة واحدة
قديم 12 / 05 / 2008, 26 : 10 PM   رقم المشاركة : [1]
هشام البرجاوي
ضيف
 


ثورة صدام و ثورة المهدى؟

لقد تعرض الوازع التقدمي للمجتمع العراقي إلى انتكاسة جسيمة، مجرد استرجاع مخفف للتاريخ المعاصر للعراق يوحي بامتلاك العراقيين كفاءة جمعية ثورية تتراءى في التغييرات السريعة للرؤساء و الانتقال بالعراق من الملكية الى العهد الجمهوري رغم حرص ابريطانيا، أعرق قوة امبريالية وقتئذ، على تقوية النظام الملكي. لقد كان النصف الأول من القرن المنصرم مفعما باضطرابات دموية بين مختلف التيارات الأيديولوجية العراقية، ثم خمدت حدتها إلى ما يشبه الإستقرار بعد وصول صدام حسين الى السلطة حيث استحوذ على المناصب الجوهرية في النظام الثوري: أمين عام الحزب و رئيس مجلس الثورة و القائد الأعلى للقوات المسلحة.
إن الانقلابات السياسية المتتالية تنطوي على تقويض مباشر للمشروع التقدمي و بخاصة في المجالات الحيوية كالبناء العسكري و الاقتصادي و الاجتماعي، فكان من الضروري أن يتأسس كيان متماسك يستطيع محاصرة الأهواء السياسية، و تمتيع المواطن العراقي بالفضل المادي للشعارات التقدمية الخلابة. لا ينكر أن عبد الكريم قاسم وضع قرار التأميم، غير أن التغيرات الداخلية المتسارعة(الصراع المستمر بين البعث و الشيوعيين) حرمت العراقيين الاستفادة المقنعة من تبعاته التطبيقية. و لم توجه مداخيل النفط لخدمة متطلبات الانسان العراقي و تطلعاته و ابراز الدور القومي العراقي إلا خلال عهد صدام حسين الذي تميز باستتباب القرار لدى البعثيين. فهل كانت المنظومة الأمنية و الاجتماعية التي اعتمدها الرئيس العراقي صدام حسين أشد قوة من الفعالية الثورية للشعب العراقي؟
بالموازاة مع الخطة التنموية و تحديدا في القطاع الخدمي، فإن مشروعا أيديولوجيا صارما فرض على الشعب العراقي، انطلق من مكافحة الأمية و تطوير المردودية التربوية و التعليمية بهدف التفليص من قابلية الشحن الطائفي لدى الشعب، إنه الإجراء الذي أفضى إلى فرار العديد من السياسيين المعارضين للتوجهات الفردانية و بنفس الوقت الوطنية للبعث إلى خارج العراق، و بصورة مكثفة، إلى الدول الغربية و ايران و سوريا، و هو نفس الخط الذي تكامل من أجل الاطاحة بصدام حسين قبل الغزو الأمريكي. بيد أن استراتيجية العصابات و الجماعات المسلحة المتفرقة أسلوب أظهر نجاعة ثقيلة على مدى خمسة أعوام من الإحتلال.
إن تقسيم الجهد المقاوم على كتائب متعددة يفيد في تضليل مخابرات الإحتلال و نشاطات أنصاره الميدانيين،لكنه لا يحقق النصر السريع بالرغم من أنه أرسل آلاف الأمريكيين إلى وطنهم على النعوش. فما مصير الفعالية الثورية التي استوعبها صدام حسين لصالحه؟ بعد أن كان من المرتقب أن تترجم الى انتقال ديمقراطي، أصبحت المسؤولة الأساسية عن ابتكار أصنام متناحرة (و هي الميزة التي تقضي على الحلم الديمقراطي، فالديمقراطية تتسم بخلق أصنام منسجمة)، بعد أن صنعت "صنما" واحدا وطنيا احتضن كل أطياف المجتمع، و بعد تغييب "الدكتاتور" ما الذي حصل؟
تميزت الأونة الأخيرة في العراق بصراع عنيف بين الميليشيات الشيعية التي ابتدعها الأمريكيون و الإيرانيون مستغلين الفراغ الفكري و السياسي إثر انهيار النظام و الذي ملأه الهجوم الكاسح للعمائم السوداء على العراقيين ساعات قليلة عقب اعلان سقوط بغداد. نحن أمام الملاحظة التالية:
* الإحترابات المسلحة بين فرقاء ما يسمى بالعملية السياسية لا تؤشر الى توبة فصيل معين و هو تيار مقتدى، إذ من المحتمل أن يستشف من أحداث الجنوب المأساوية أن جماعة الصدر تجسد مقاومة وطنية عراقية للأمريكيين، إن هذا الرأي يخول للصدريين وطنية ناقصة: المقاومة العراقية تتحرك على جبهتين مركزيتين: الجبهة الأمريكية و الجبهة الفارسية المنتجة للطائفية. من يستنتج من واقعة البصرة أن ميليشيا مقتدى المحتجب تعبر عن النوع الوطني للنشاط المسلح:" المقاومة" لا يضع استنتاجه في مواجهة حقيقة خروج العميلين الطلائعيين مالكي و مقتدى سالمين من الصراع الملتهب الذي وقع ضمن امتداد جغرافي يسوده أتباع رجل دين اختفى عن الأنظار و اعتكف الحياة الواقعية رغم أنه يقول إن تياره يجسد الحوزة الناطقة. الهدف الأساسي من القتال المستمر و الرهيب هو استنزاف الشعب العراقي انطلاقا من كونه المنشأ الواقي للمقاومة الوطنية. لقد كان مالكي يدير مسلحيه و هو ينعم بالحراسة الأمريكية، و بالمثل انهمك مقتدى في تحريك أنصاره و هو يرفل في الدفىء الطهراني. كانت المسألة اجمالا أشبه بلعبة قتال ثنائي بين صديقين، يختار كل واحد منهما مقاتليه و يعرضهم لصراعات مرعبة، يموت المقاتلون بعد احداث خسائر بليغة في صفوف المدنيين ثم ينفذ الصديقين من المنظر الوحشي بهدوء و سلام، و الأهم، أنهما صديقين سيتلقيان في مناسبات قادمة أوامر بايقاظ مقاتلين جدد، يقضى عليهم ليستمر توافق العملاء و انهاك الشعب الذي تتاقذفه حسابات فئوية ضيقة.

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)

التعديل الأخير تم بواسطة هشام البرجاوي ; 02 / 06 / 2008 الساعة 49 : 02 PM.