بما أنّ الحوار حاد عن طريق الحوار العادي .. الّذي يكتسي عادة صورة السؤال و الجواب الكلاسيكي الخالي من كلّ تحليق شاعري ..
حيث وجدت هنا فلسفة عميقة و تفتّح على الذات الشّاعرة و تطويق شامل لجوانب الإنسانية و غوص مشرق في جوانب الرّوح و المشاعر النبيلة .. أعجبتني جدا طريقة الحوار هذه المتحضّرة جدا .. لذلك قرّرت ان ادخل بنفس الطريقة و أسرح في عوالم الجمال و السّحر و الخيال حتّى لا أفقد الصفحات سحرها الّذي زرعته فيّ منذ بداية ولوجي مدينة الاحلام هذه ..
سيدتي الفاضلة نصيرة .. تفاجأت جدا بالمستوى العالي جدا الذي أظهره شخصك المحاور هنا .. و بطريقة الحوار المميّزة جدا .. و بالنفس الإبداعي الخاص و بالبصمة الشّاعرة هنا .. لذلك ولد هذا الحوار ناجحا .. و أنا جدا سعيدة لأني انتميت لهكذا صرح ..
***
صديقي و أخي الكريم .. كريم ..
عرفتك قبل الآن حالما بل و محلقا بحيث لا يمكن للواقع مجاراتك أو محاولة التحرّش بك .. تبتعد متّى تشاء و تنثر عطرك و ورودك متّى تشاء أيضا .. و بين الحالتين تُبقي الأماكن شاغرة إلّا منك ..
جنون الشاعر أو المُبدع عموما يكمن في تلك الهّوة الفاصلة بين الـ هنا والـ هناك لو افترضنا أن الهناك هو العالم الحالم أو الأولمب أو عبقر أوالبعد الرابع كما يدعوه علم النفس ...
والهنا هو العالم الواقعي ممثلا بعاداته وتقاليده ونواظمه وشوارعه ..
فالعيش بحالة الهناك ونحن هنا توري الآخر أننا مجانين
وبذات الوقت لهذه النظرة من الآخر متعتها في النفس لأنها تقينا الإحراج واللوم من الآخر .. ولذلك الشاعر أو الفنان حين يدخل مجتمعا جديدا يرغب بأن يُعرف عنه كشاعر أو فنان لكي يتخلص من إستغراب من حوله ولا يعرفونه
فأهلا بك في عالم الجنون حياة ..
صديقتي وأختي الغالية حياة مداخلتك هذه من العيار ثقيل فلو أردت الإجابة عليها كما يجب سأحتاج لصفحات وأيام كثيرة ..
ولهذا سأحاول الإيجاز والهروب من ما تريد نفسي البوح به .. لألخصه بأسلوب واضح قدر المستطاع ..
سعيد أنا أن يجمعنا هكذا حوار حقا ولا بد من شكر الرائعة نصيرة في كل وقت لما فعلت من جمال ..
كريم .. عرفتك حزينا و لا زلت حزينا بلغة العيون و الرّسم المنافي لواقعك ..
أريدك أن تحدثني عن حزنك .. ( كخروج عن العادي في الحوار ) .. أن تشرح شيئا من نفسك لا كحالة حزن اعتيادية بسبب أو لأخر لكن كحالة ملازمة لكريم الشاعر .. المرهف .. الحساس ..
مساجلة مجنونة
قال جدي الكبير:
أنا أفكر إذا أنا موجود
وقلتُ:
أنا أتألم إذا أنا موجود .
***
الطفلُ يولدُ باكياً
أولى المهام لنبضه قتلُ الأخوّة للبقاءْ
خمسونَ مليوناً سواهُ أبادهمْ
إذ كان أوّلَ واصل كهف الفناء
وكمضغةٍ في رحْمِكِ ارتكبَ الجريمةَ ناجياً
والشهقةَ الأولى تقرُّ مسارَه
أمّا رسولا نادماً
أسفاً يثورُ على الجريمةِ عاكفاً
للفنِّ والإبداعِ في شرعِ الحضارةِ والحضورْ
والآخرون تعيدُهم أطباعُهمْ
ساحُ الجريمةِ في ثنايا اللاّ شعورْ
النّاسُ نوعانِ الجهول أو الرحيمْ
وأنا عدوّي قاتلٌ خَبِرَ الجريمةِ والشرورْ
وأقامَ نُصبَ جبينهِ نُصُباً لأصنامِ
الجهالة والفجورْ
أنا حزين وأعشق حزني فهو يشعرني أنني مازلت أحيا ..
ولكن أتمنى أن أستقطب كل أحزان الكون لأسحب الحزن من القلوب التي أحبها أو تحبني أو أي قلب في هذا العالم .
دموع أيّ كائن في هذا الكون تعبر أثلام قلبي لتزيدها عمقا وتحفر مجراها في جراحات روحي لتزيدها اتساعا
ولهذا أنا أكره الدموع لغيري
أنا أناني بالحزن ولا أريده لسواي مطلقا أيّا كان سواي ..
الحزن هو في الحقيقة سعادتي التي أحيا بها وهو في قرارة نفسي عبارة عن طمأنينة وإطمئنان أنني إنسان وأنني أحيا بإنساني الحقيقي
الطفل يولد باكيا ويكون عبارة عن صفحة بيضاء لا ذنب له ولا ماضي فلماذا يبكي وهو بريء
ولكنه حقيقة يبكي على قتله خمسين مليون حيوان منوي آخر ولكنه كان أول الواصلين للبويضة وبالتالي كان هو الباقي وأولئك ماتو جميعا
أنا أدرك تماما أن هذه سنّة البقاء والكون ولكن من كان إنسانا وروحه طيبة لا بد أن يكون حزينا متألما لما فعل وتكون حياته عبارة عن رحلة تألّم وآلام على الآخر
إنما حقيقة بداخله سيكون سعيدا لأن حزنه ينبئ أنه إنسان
و ما هي الأشياء الأكثر إيلاما بالنسبة لك .. ؟
الحزن بالنسبة لي ذاكرة هي ذاكرة لما مرّ من مواقف مؤلمة لا تمحى بالنسبة لي المواقف المؤلمة أينما عبرت بمرأى أو مسمع من حواسي فهي تؤلمني ولا تزول مطلقا ..
يحدث مثلا حادث مؤلم ما في شارع أو بلدة بعضهم لا يتأثر يمضي وكأنه لم يرى شيئا وبعضهم يتأثر لبعض الوقت وبعضهم لأيام .. لأشهر .. لسنوات ... أنا ما اراه يدون بذاكرتي ولا أنساه ..
ولذلك حاليا أنا أبتعد عن كل شيء تلفزيون أخبار شارع أو كل ما يتسبب بإيلامي .. ولكن أحيانا مخيلتي تظلمني أكثر من الواقع لما تسكبه من احتمالات في رأسي ..
ولكن أكثر ما يؤلمني هو الإيذاء المتعمد من إنسان لآخر والظلم المتعمد وأكون عاجزا عن درء هذا الأذى أو رفع هذا الظلم ..
وبالنسبة لي أشعر بألم كبير حين أكون مضطرا للدفاع عن نفسي أمام إنسان أحبه ويفهمني ..
فلا أراني سوى عاجز عن الكلام ..
هل تحاول في كلّ مرّة خلق حالة شجن لتعيشها بتفاصيلها .. و حتّى تسترجع " كريم " المألوف بالنسبة لك .. و هل للجو المحيط ببيتك دور في استقرار حالاتك النّفسية .. طبعا المنهكة .. و ما مصير السّعادة من نفسك .. ؟ إن كنت تعترف بها كحالة نفسية ..
نعم السعادة بالمفهوم العام هي حالة نفسية نفيسة وثمّة سبيل واحد للوصول إليها هو إدخال السعادة لقلب كائن حزين وخاصة الطفل
وكريم المألوف بالنسبة لي هو كريم الحزين ولذلك تكون تلك اللحظات من السعادة كأنها بارقة تومض في السماء وسرعان ما تختفي ..
أنا كائن منسجم ومتصالح مع حزني .والأجواء المحيطة بي ذات دور كبير جدا في أخذي من نفسي لو استطاعت لذلك سبيلا ونجحت في إنتزاعي من ذاتي سأكون فرحا طيلة الوقت الذي كنت فيه خارج ذاتي
في أزمنة خلت استعنت بالمشروب ولن أخفي ذلك ولكنه زاد الطيب بلة وجعلني أتصق بألمي أكثر وأفقدني حالة التحكم ( الكونترول) وكنت حين أشرب أبكي بل أكون دائم البكاء ..
بلا فضايح يا حياة هههههههههههه .
من خلال قراءتي لجوابك على سؤال طرحته الصديقة فاطمة شرف الدين .. قلت أنّ الحبيبة هي التي تدفعك للكتابة بقوة ..
هل يعني هذا أن الحبيبة " عند الشّاعر كريم كما عند كلّ شاعر " مجرّد ملهمة تشبع رغبتك الشّعرية ثم قد تنصرف فيما بعد .. رغم أنّي قد أكون هنا قاسية في الحكم على الشّعراء من هذه الزاوية ..
كريم سمعون يرى الحبيبة سببا للحياة فأنا دائم البحث عن قضايا وأشخاص تستحقّ أن أحيا ..
وما سيكون سببا لحياتي بالتأكيد سيكون سببا لقصيدتي ..
الشعراء يتفاوتون في الماهية والرؤى .. فمنهم من يرى الحبيبة حالة متعة جسدية أو روحية ومنهم من يراها محفّزا للكتابة ومنهم من يكتب ليستقطب أنثى أو يوقعها بحبال حبه ..
ولكن الروح الشاعرة حقا هي لا تكتفي ولا تمتلئ ولا تكفّ عن العشق والحب ..
بالنسبة لي كنت واعيا لذلك فأنا أنثاي تلك داخلي لم تتجاوز مخيلتي يوما ..وأنا أدرك هذا تماما وحين أكتب لأنثى محددة فأنا اكتب لتلك التي بمخيلتي بملامح من هي أمامي .. وعلى قدر ما تتطابق هذه على تلك على قدر ما يكون الكلام موجها لها .
ذلك أنّ الشّاعر دائما يبحث عن أنثى تحرّك فيه شيئا تمليه عليه رغبة الكتابة .. ثم و في لحظة تيتّم لقلمه و تشبّع .. تخفت فيبحث عن وجه آخر و جسد آخر يصلح لأن يبثّ فيه روح الكتابة ..
أي أن الشاعر يحب لزمن القصائد ..
الحقيقة أن جملتك الأخيرة هنا تسدعي تحية كبيرة وإنحناءة ولكن الفارق بين رؤتي ورأيك أن الشاعر يكون بحالة تحريض أو تأجج عاطفي لزمن القصيدة فقط وهذا لا يعني مطلقا إنتهاء حبه بإنتهاء القصيدة
الحب باقٍ إن كان حالة كامنة في المخيلة لفتاة الأحلام المرسومة ملالمحها في طموح الذات الشاعرة أو كانت أنثى حقيقية مجسدة واقعيا ..
ولكن مخاض القصيدة بحاجة لتحريض لولادتها ربما موقف بسيط وربما حالة إشتياق وربما حالة خصومة أو أو أو ..وهنا يجر الذكر أن الشاعر من أوفى الأوفياء لعلاقته ولكن يجب أن يُعامل بذكاء من قبل الشريك يجب أن تنعدم الطمأنينة ويبقى الشريكان بحالة تأهّب دائم لإرضاء الشريك .. فمتى شعر بطمأنينة ورضى مطلق من قبل الشريك سيبحث عن شريك آخر ليرضيه لأن الشاعر كائن معطاء ..
ولا يقف عطاؤه عند سقف أو حد ..
وهو يؤمن أن إرضاء الشريك أيا كان صديقا أو حبيبة هو حالة نبل وكرم وشهامة ..
والشاعر يعتقد أنه معنيا بإرضاء جميع حالات الحزن والنقص والعوز في العالم ..
وأهمّها العوز العاطفي ..
كريم " الرجل " .. كيف يقيّم طفولته اليوم .. بعد أن أدرك معاني الطفولة، بعدما اكتملت الصورة بين عينيه بغلافها الّشفاف ..
كريم الّذي لا يزال محتفظا بشيء من الطفولة .. كيف يقيّم حاله كرجل اليوم بين تناقضات الحياة .. هل استطاع الوصول إلى حيث أراد .. و كيفما أراد .. ببساطة شيئا من أحلام أو هواجس الطفولة .. و الحاضر .. ؟
كيف يرى الطفولة .. كيف يعرّفها .. ؟
لو أعطي لك الخيار .. لتختار حياتك الخاصة .. فكيف ستختارها .. و أين .. و مع من .. ؟
أضيف على كلمات نصيرة .. بعض العبارات لتشرحها لنا من وجهة نظرك الخاصة .. ( و لك أن تفنّد وجودها من قاموسك الشخصي أو لا تعترف بها أصلا .. كرمزية و كخيال فقط ) :
الفوضى الحسّية ..
المشاريع المهملة ..
الحب المستحيل ..
الخيال المُربِك ..
التلقائية المحرِجة ..
الأبعاد الحسّية .. أو حدود الأحاسيس ..
الدخان الّذي يغشى الأرواح ..
الفَقْد المعنوي ..
الصراحة المغطاة بأهداف نفسية ..
الكذب الإنساني ..
الرّمزية البائسة ..
القوانين التي تحكم الحب .. أو ما يتعلق بتقاليد المجتمع الشّرقي ..
ما مفهومك للإنسانية ( تجاوزا لكلّ المفاهيم السّطحية ) ..
القصائد الجريئة .. و ما مدى صدقها في وصف المشاعر النّقية .. أم هي مجرّد وسيلة مادية لا تمتّ للحس الجميل بصلة ..
كيف يصف كريم جرأته في المواجهة .. ؟
***
قد أعود ...
تحياتي الخالصة لأميرة الصفحة أستاذة نصيرة .. و إلى اللّاجئ " سيد الدفء الحرفي" كريم سمعون ..