الأستاذ المبدع حسن الحاجبي ، كلمة للنقاش
وقتما تحدثتُ عن طربي ببديع مفردات الأخوين رحباني، ثم إعجابي بسحرك الآتي من أقصى المغرب، لم أقصد أبدا التفريق بين المكانين، فلغة الشعر واحدة، يجمعها صدق التعبير وأصالته.
وما أردته إنما هو عسر فهم مفردات دارج لغة أهل المغرب أو أي ( لهجة) عربية أخرى، وتمكن النص من تخطي خصوصية (اللهجة) بغناء موسيقى النص وفتنته.
وهذا يعني شيئا مهما آخر: ما هو موقفنا من روائع الشعر( النبطي) المحكي بلهجة أهل الخليج، وأزجال أهل الشام، وأشعار دارج ( لهجة ) أهل المغرب عامة و( طريقة ) غنائهم، وهل يعني ذلك، وقتما نفتن به، أننا نساعد، من حيث لا ندري، ابتعادا متعمدا عن الفصحى وترسيخا لتجزؤٍ نرفضه ؟ أم هو نمط من التعبير وشجن ساحر لا يؤدى إلا بهذه الصورة الجميلة ؟
في كتابه ( عيون الأخبار) قال ابن قتيبة، وهو يعتذر عن إيراد طرفة ضاحكة لمزبد المديني دون إعراب الكلام ،أن إعراب الطُرفة يُفقد سحرها، وهذا يعني أنه يتسامح باللهجة المحكية. ومثله قول عميد البيان عمرو بن بحر الجاحظ : وقد يتملح الأعرابي في شعره شيئا من كلام الفارسية .. وكلام الناس في طبقات، كما أن الناس أنفسهم في طبقات. فمن الكلام الجزلُ والسخيف، والمليح والحسن، والقبيح والسمج، والخفيف والثقيل. وكله عربي، وبكل قد تكلموا، وبكل قد تمادحوا وتعايبوا. ولأهل المدينة ألسن ذلقة، وألفاظ حسنة، وعبارة جيدة، واللحن في عوامهم فاش، وعلى من لم ينظر في النحو منهم غالب ( البيان والتبيين 1 / 141 ).
هذا في وقت كانت نعرة ( الشعوبية ) فاشية، وتمسك كل طرف بل تعصبه لأطياف لونه حاضر راسخ مقيت، وغمط كل آخر من سبق التعبير والأداء ظاهر في كل نواحي الأدب.
وأقول إننا مع سحر البيان وروعته، ولا داعي لتقسيم الأنماط الأدبية بين قديم وحديث، وفصيح وعامي، وشعر مقفى وشعر منثور، لأن الحكم في ذلك كله لمطلق الإجادة وحسن ترتيب الأداء.
وما شكواي اليوم إلا( استسهال) البعض لرائع البيان ورحب آفاقه بدعوى الحداثة والتجديد.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|