[align=justify]
ما الذي باستطاعتنا أن نكتبه حول النكبة الفلسطينية، أ لم يملأ الشعراء و الكتاب الوجدان الفلسطيني بأشعار الحرية و الحنين الحاد، فما الذي يريده الفلسطينيون من النثر الإنشائي الموجود في صنفين جوهريين: الإنشاء الخلاب الذي يحول المعاناة اليومية إلى سلم عاطفي للإرتقاء المرحلي العابر، أو الإنشاء الواقعي الذي سحقته الممارسات الفظيعة لجنود اسرائيل في قطاع غزة الذي أقامت فيه حماس مأتما معتادا تحت شعار المقاومة التي لم تنجح إلا في زيادة أعداد الجرحى و الشهداء و افشاء الحرمان من أبسط مستلزمات العيش. هل يدرك الفلسطينيون أنهم يعيشون نكبات لا تقل خطورة و إيلاما من طرد أنصار الحركة الصهيونية لهم من أراضيهم قبل ستين عاما؟ حالة التمزق الوطني الغائر نكبة جديدة تلتهم كل يوم فلسطينيين أبرياء يدفعون الثمن الواقعي للشعارات الفارسية الجوفاء من خلال شحن حماس و حزب الله و المجلس الأعلى و غيرها من التنظيمات الموالية عضويا أو مؤقتا للعمائم السوداء في طهران و قم. و باختصار شديد: المقاوم الذي تقتله غارة اسرائيلية و هو نائم أو يقبل ابنه أو قائما بمسؤولية أسرية اجتماعية لا يضيف الى المقاومة شيئا، على العكس من المقاوم الذي يصله الموت و هو يؤدي واجبه، المشكل أن حماس تحاول اضفاء طابع المقاومة المنتجة على النوع الأول من المقاومين. هكذا هو المقياس الواقعي العلمي، أما المقياس الإلهي فلا يظلم أحدا، كلا المقاومين شهيدين.
عملاء أمريكا انفردوا بما يسمى الشرعية الوطنية و لوثوا سمعة حركة فتح بوصفها أول فصيل مقاومة فلسطيني حمل السلاح ضد اسرائيل، و متمسئلو إيران سيطروا على الشرعية الوطنية المناقضة للأولى، أ ليست هذه نكبة أخرى تنضاف إلى ركام الأزمات و المصائب التي اجتاحت القضية الفلسطينية منذ سقوط العاصمة بغداد؟ فما الذي ينشده الفلسطينيون؟ أن نعلمهم أبجديات تغيير القيادات الفارغة؟ أن نذكرهم بالاحتلال الذي تجاوز الستين سنة؟ أفضل أن نكون أكثر شجاعة لنؤكد للشعب المعذب أن الإحتلال الداخلي الذي تتزعمه حركات انحرفت عن مسارها الوطني أشد فتكا و بطشا من الإحتلال الرسمي. تفاديا للاسهاب الخطابي، فإنني أتوجه بسؤال وحيد إلى المنكوبين:" أين المؤشرات الميدانية التي تثبت أن:"الشعب" حي؟"، مع احترامي العميق لأشواط النضال البطولية التي أنجزها الفلسطينيون في الماضي، إلا أنني أقول لهم بكل الوضوح المتاح إن الإحتلال لا يتداعى بلا تجانس الجبهة الوطنية و توحدها و اختيارها الحصيف لمنطلقها الفكري الإستراتيجي. إن الشعب يقدم يوميا شهداء و ضحايا ضمن مشهد رهيب يسمح لنا بلمس تدني قيمة الدم الفلسطيني؟ بما أن شعب الجبارين قادر على سكب المزيد من الدماء، فلماذا لا يوجهها لاسقاط ممثلي المشروعين الأمريكي و الإيراني المتماهيين؟ هل يريد الفلسطينيون أن ينقلوا إلينا وفق طريقتهم الخاصة فتور الإحساس الوطني أمام القدرات الميدانية للعملاء أو بعبارة أدق:" المستجيرين بالخارج"، إذ من الشهير أن اللجوء لا يرتبط دوما بحق العودة، فمن انسحب من الساحة و صودر حق العودة منه فإنه قريب من الخط الوطني الطاهر، و من انسحب و أعاده التأييد لمشروع انتقائي ما، فمن المرتقب أن يدمر الوطن باسم الجهاد المقدس. فمن اللاجىء و من الملتجىء؟ سؤال يملك الفلسطينيون، في اعتقادي، الإجابة الصحيحة الملائمة له. ادراكنا كإخوة في الإنسانية و الدين و العرق لا يكافىء التأثير الواسع للإدراك الفلسطيني رغم أنني أميل إلى الجزم بوجود الإدراك، لكنه لا يتحرك نظرا لغياب قيادة فلسطينية تتبع خطا وطنيا فلسطينيا بحتا؟ مثلما هو الوضع في لبنان حيث يتناحر عملاء أمريكا و عملاء إيران بينما يلتقي السفير كروكر و غيتس على فترات منتظمة بالسفير كاظمي و عبد العزيز حكيم...الخ. فلسطين من البحر إلى النهر، مطلب راسخ، أفضى إلى تغييب العديد من الزعماء العرب البارزين كان آخرهم الرئيس الجزائري هواري بومدين و الرئيس العراقي صدام حسين، كما أنه نفس المطلب الذي نصح الملك الحسن الثاني العرب بتفادي التهديد المطول من أجل تنفيذه، لقد قال الحسن الثاني:" تهديد اسرائيل في الصباح و الهجوم عليها في المساء" و هي رؤية تتأسس على الدعم العالمي المكثف للكيان العبري، فمجرد تهديد شفهي من قبل متحمس قومي يعد كافيا لإمداد اسرائيل بقوة عسكرية بامكانها أن تدمر نصف العالم مثلما يقول أحد الكتاب اليهوديين المعارضين لاسرائيل، بل إن التهديد لم يكن ضروريا و كان عنصر المفاجأة ليخلق واقعا عربيا-اسرائيليا بمعطيات أخرى. بيد أن عرب تاريخئذ رفعوا الشعار قبل أن يكون مؤهلا للانتقال الى واقع. كل المشاكل تستجيب للحلول، لكن تشويه القناعة التاريخية النظيفة أخطر تهديد للقضية الفلسطينية، فقد خرج مئات الفلسطينيين الى الشوارع للاحتفال ب:"النصر" الذي حققه:"سماحة سيد المقاومة" كما صارت ذكرى الشهيدين عرفات و ياسين مناسبات للإشادة المتنافرة بمصاصي دماء الفلسطينيين. لا أريد أن أكلف الشعب المعذب بما يفوق وسعه، لكنني أطلب منه أن يؤكد لنا أن وعيه و ذاكرته الجمعية لم تتأثر بالتضليل أو الإبتلاع الأمريكي أو الإيراني طبقا لطريقته الخاصة.
إن اسرائيل تتقدم على كافة المستويات الحيوية، في التعليم و التسلح و البحث العلمي، أ لم تكن الريادة العلمية العامل الوحيد الذي أنقذ اينتشتاين من المحاسبة التاريخية العادلة و من حقيقة خيانته لوطنه ألمانيا بعد أن ساهم في انتصار الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية. صورة اسرائيل تختلف تماما عن مرويات قنوات المشروع الإيراني كالمنار أو العالم حيث يركز القيميون على مثل هذه الفضائيات الاعلامية على تقديم الداخل الإسرائيلي متشرذما سيما عقب:"انتصار" تموز، و في المقابل تعكف على اظهار المستطاع العسكري الفعال للدولة التي تخلص لها ( بعد بث صور للجنود الاسرائيليين خلال حرب تموز 2006 على قناة المنار، بدأت نفس القناة في تحضير برنامج عن القوة الدفاعية الرادعة للجمهورية الإسلامية الإيرانية). أريد أن أفهم أيضا:" هل خمود الممانعة العربية أقوى من الإخلاص الشعبي لذاكرته و مقومات مخططه التحرري؟"، يمكن أن يصاغ هذا السؤال بكيفية مختزلة:" من الأمتن، العمالة أم تأثير المحيط الصامت؟" ثم ما مصير الانتماء الاسلامي و الاستشهاد إذا كان الصمت العربي المستمر عن مآسي الفلسطينيين كافيا لاثارة ردة فكرية شاملة؟ إن مثل هذه التساؤلات لا تنفع معها التحليلات و المواقف التنظيرية، إنها تستمد اجاباتها المناسبة من الواقع، من صوت الشعب، قد نتساءل كملاحظين عن قضايا مستقبلية و توجيهية، غير أننا لا نستطيع معاكسة ما تقوله الشرعية الشعبية عندما تكون في وضعية معرفية تخول لها التعبير عن موقفها اتجاه الواقع. من ناحية قد أصفها بالأنثروبولوجية فإن تكاثر عبارات:" الأرض لنا" و:" فلسطين العظيمة" و :"النكبة" مستقلة عن الفعل الواقعي مجرد مؤشرات :"ميدانية"(رغم أنها أقوال شاعرية) على تفشي عقيدة العجز.
[/align]