يبقى الشجن
أحببته ابن خال صديقا وأخا ورفيق عمر..
خمسة وعشرون عاما ، وأنا لا أني أقول له على الدوام، وقتما أوخذ بسحر شفافية لحظة اللقاء، والليل غاف، رائق، كما زهر أوائل الحلم : - أنا وأنت ( الفرقدان )!
فيضحك وهو يردد بحبور: - وشابان تحابا في طاعة الله.
ولم أدر وقتها أن الزمن زمِن، وأن كلا مفارق خليله، حتى نحن (الفرقدان)!
جاء يوم، وكان يوم أربعاء، وقال لي وهو يشد على يدي: - غدا السفر، دعوة لي من نغش قلبك إذا تكرمت!
: - مسافر ؟!
: - ( دبي) إن شاء الله!
وتعانقنا طويلا طويلا، وهربت مني دمعة متمردة، وأتبعتُها صمتا ذاهلا.
فكور قبضته، وصك صدري : - أقول لك (دبي ) ياشيخ! سنتواصل يوميا عبر الإنترنت، ( ثم وهو يضحك ) ستمل مني!
ولما علت ضحكته، شعرت بالخواء وحشا خرافيا يلتهم بتلذذ وشره أجمل دقائق عمري، وأن رصاصة قاتلة سكنت صميم الشغاف. وقلت بأسى، وأنا أحدق بالفراغ : - عسرة كل لحظة فراق، ولن يغني الإنترنت أو غيره عن عين لقائك!
واليوم، بعد خمس سنوات، مكرها أدمنت الحديث معه عبر الإنترنت، وكنت في كل حين، ولا أزال، أرقب بهاء طلته!
لكنه وقتما جاء قبل أسبوع، وحملت شوق العالم إليه، رأيته شاردا تعبا، فعزوت ذلك إلى وعث الطريق وشاق رهق الرحلة!
ثم لما قرر السفر ثانية، دون إحقاق حميمة سابق اللقاء، معتذرا بضيق الوقت وكثرة مجاملات دعوات المحبين، وقصر المدة، قائلا بجزم ويقين إننا سنظل نتواصل عبر الإنترنت!أدركت حقا أنه صار صديقا آخر، ربما ( افتراضيا )، وربما (وهما ) ، وربما كان أضغاث أحلام، وأن كل حميمية اللقاءات صارت اليوم لقاءا عابرا لا أثر له، بل سيل مجاملات فارغة، (ورفع عتب )، و(ألو) خجولة عبر وسائل الاتصالات.
وبحرقة، رومانسية، ربما نادرة، من حاق القلب، قلت بألم: تبا لجمود مشاعر الإنترنت، فلن يغني شئ عن تواصل المشاهدة وبهجة الرؤية وروعة دفء لقاء الصدق.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|