عرض مشاركة واحدة
قديم 18 / 06 / 2012, 17 : 12 AM   رقم المشاركة : [1]
خيري حمدان
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم

 الصورة الرمزية خيري حمدان
 





خيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond repute

فعل الكتابة وجلد الذات


يبدو فعل الكتابة هوس مشفوع بانعتاق المشاعر والأفكار، في لحظات من التحرّر من الذات. لأن الكتابة هي تعرية للروح، تجلد الكاتب إذا لم يحسِنْ بناءها لتصبح آلة قادرة على تشييع اللحظة إلى أبديّتها.

يتشظّى القلم، يرفض البقاء في الظلّ لفترات طويلة من الزمن، ينغمس في محبرة المفاعل الذريّ المتواجد في جوّانية الكاتب والأديب والمفكّر، يحثّه على الحديث والبوح، وأن لا يترك شأن الحياة لثلّة من قطاع الطرق، سواءً تواجدوا في الطوابق العليا من السلطة، أو في مقاهي الكتّاب، يتباهون بأعواد الغليون، يحرقون في جوفه التبغ المعطّر بانتظار وحي الشعر وعناوين غبّية.
فعلُ الكتابة رهن الاعتراف الطوعي بالارتقاء في سماء عصيّة على الرهط والعامّة، خاصّة في عالم لا يسمح لذواته صرف ما يزيد عن دقائق، لممارسة فعل القراءة من عام إلى آخر. خوفًا من تخمة التفكير والابتعاد عن الهمّ اليومي، خوفًا من فقدِ كِسْرة خبز، أو قطعة معدنية تضيع في حوانيت المكتبات اليتيمة، وأكشاك الصحف والمجلات في العواصم العربية ومدنها المترامية، عند حدود الحضارات!

هل بات فعلُ كتابةِ الشأنِ السياسيّ حِرفَة ومهنة. يتجوّل الكاتب والصحفي بين المواقع ووكالات الإعلام المختلفة، يقرؤون الأخبار والتقارير، يسعون للحصول على البيانات والإحصاءات، ثمّ يقومون بدمجها وقولبتها لتصبح مادّة صالحة للمضغ، لكنّها تفقد رونقها بعد أن تتخطّى حدود الصفحة الأولى لتصبح جزءًا من ماضي الموقع والصحيفة، إلا إذا أودعت هذه المقالات بقيم إنسانية حقيقية، ليست آنية، ليست أسيرة الحدث واللحظة. كيف يمكن لفعل الكتابة المسيّسة البقاء وترك أثر في الروح، كما البلسم يوضع فوق الجرح، فتشعر بعدها بنوع من الخدر والراحة، كالقبلة المتفجّرة بين شفاه عاشقين بعد طول فراق؟ هذا ما نتوق إليه نحن الكتّاب دون استثناء. لكن منذ اندلاع الربيع العربيّ، انهمك الكثير من المنشغلين في الصحافة والكتابة بالتركيز على الشأن السياسيّ تحديدًا وأنا أحد المنشغلين بهذا الهمّ أيضًا، لا يتناقض هذا التوجّه مع الواقع بأيّ شكلٍ من الأشكال، لأنّ ما كُتب ويُكتب يعتبر بمثابة مشاعل لعلّها تنير الطريق لرجال السياسة وأصحاب القرار. هذا أحد دروب جلد الذات، يلجأ إليه الكاتب والمفكّر حين يجد نفسه أسير بوتقة الشأن السياسي.

تاهت الكلمة - الضمير في حالة الدهشة التي أصابت بوقعها عالمًا يملك أثر التاريخ، الذي احتلّ مركز الصدارة في علوم اللغويات، ليقتصر فعل الكتابة لاحقًا على الشعر الغنائيّ وذمّ الآخر المختلف قبل اغتياله. تاهت القوافي، بات الشعر مصحوبًا بمجازر ولوحات يصعب تقفّي أصحابها بعد فقء أعينهم وشقّ أحشائهم. فعل الكتابة انحدر إلى حالات من الحقد يصعب تقفّي مصادرها. شعرٌ فاض بآيات الألم والمعاناة فانتحر عند قارعة الطريق بانتظار الفارس المنقذ. باتت العبارات حائرة، تحتاج لأطنان من الكلمات لتوضيح معانيها الخفيّة. لا شِعْرَ بريء بحجم الرضاعة، كلّ المنشغلين بالاستدراكات غير قادرين على تخطّي نُهير الأردن تجاه القدس مثلا. القدسية ليست محصورة في المكان بل في انعكاس البعد التاريخي، لهذا تُحرم القدس من هويتها كلّ يوم، لأنّنا فاقدون لامتيازات الحضارة. لم يعد هناك من يخشانا، لأنّنا نموت ونحيا، من أجل الصولجان، خوفًا من أن يسمّى آخر رئيسًا أو ملكًا. كيف يمكن أن نستعيد جمالية الكلمة؟ كيف يمكن أن نقنع ابن العم والخال بضرورة القراءة ومسح الدمع من عيون الثكالى وشراء الكتاب المضرج بدم وفكر مؤلفه، ليحصل هو الآخر على بعض الفتات، وليتجرّأ ثانية على حمل القلم والكتابة والنزف ثمّ النزف والكتابة.



نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
خيري حمدان غير متصل   رد مع اقتباس