رد: المسيحيون في الشرق: هل هم المشكلة او الغطاء لمشكلة الانظمة الفاسدة؟!
اضافتان لموضوع هام على مصير العالم العربي.
ان التنوع الطائفي او الثقافي او الاثني هو مكسب لأي مجتمع ومن المستحيل ان يكون آفة مرضية.
ان مميزات مسيحيي الشرق عبر كل تاريخهم هو كونهم من الفئات الطبقية المتوسطة صاحبة الدافع الهائل لانجاز التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وهذا ترك أثره على العالم اللعربي بشكل ايجابي واسع جدا. طبعا الى جانب دورهم الوطني في انشاء وتعزيز الفكر القومي العربي ، ونشر الثقافة العربية وتطويرها ، ونشر الفنون والصحافة واحداث نقلة في كل العالم العربي. هل بالصدفة ان جميع ادباء المهجر كانوا من المسيحيين؟ وهل بالصدفة ان الآباء اليسوعيين لهم الدور الأعظم بتطوير اللغة العربية وانقاذها من التتريك؟ وهل بالصدفة انهم اول من أحضر مطبعة للشرق؟ وهل بالصدفة ان ارساء فن الرواية العربية كان على ايديهم، بروايات جورجي زيدان التاريخية وقبل نجيب محفوظ بمرحلة؟ وهل يمكن تجاهل دورهم في اصدار اهم الصحف العربية والمجلات..؟وهل بالصدفة ان الحركة التنويرية العربية كان للمسيحيين العرب فيها حصة كبيرة نسبيا؟ بل مراجعة كل تاريخ الحضارة العربية ، خاصة في عصرها الذهبي في بغداد، نجد دورا كبيرا للمسيحيين ابناء العراق.
طبعا بوجود انظمة فاسدة ستجد ان التنوع الطائقي والاثني غطاء سياسيا لفسادها توجه نحوه غضب الأكثرية، كما شاهدنا في مصر قبل الثورة وآمل ان تلك الحقبة طويت في مصر زان تطوى في كل العالم العربي ويقر قانون عقابي لمن يحرض ضد طائفة أخرى، واسقاط الفتاوى المخبولة التي تدعو لعداء المسيحيين..
لبنان مشكلة مختلفة ومركبة جدا، ولا علاقة لها بالطائفية الا شكليا، وللأسف الشكل سيطر على المضمون.عالجت الموضوع في وقته بدراسة واسعة جدا اعتمدت فيها تقارير اقتصادية ومشاكل توزيع السلطة، ولكن المشكلة في جذورها اقتصادية . وتلخصت بارتفاع اسعار اراض ( مثل الكارنتينا) يسكنها الللاجئين الفلسطينيين وشيعة لبنانيين أضحوا معدمين ومضطهدين وسكنوا المخيمات في وقته بعد ان جاءوا للعمل في المدينة من الريف المتأخر والمعدم والمتجاهل من السلطة.وكان الفلسطينيين قد حموا فقراء الشيعة من بطش السلطة. وفيما بعد في مشكلة الأرض حمى الشيعة الفلسطينيين من محاولات تشريدهم داخل لبنان والسيطرة على اراض مخيمات أصبح لها قيمة كبيرة ، ولكن طريقة الطرد دون ايجاد بدائل فجرت الصراع الدموي، لذلك ارتفاع اسعار الأرض، والتي هي بملكية الكنيسة المارونية خلق صراعا حادا ، في محاولة طرد اللاجئين والأقليات المعدمة لبناء مشاريع يستفيد منها كبار أغنياء الموارنة. اي نشهد هنا تضامن بين المضطهدين والفقراء بغض النظر عن اصولهم وطوائفهم... وهل ننسى ان اول من أقام المليشيات كانوا الموارنة وخلقوا بذلك مشكلة لبنانية رهيبة؟ لقد وجه الغضب من تدهور الواقع الاقتصادي اللبناني ( وقتها انهيار بنك أنترا كما أذكر) ضد الفلسطينيين والفئات الضعيفة في المجتمع اللبناني وهم الشيعة الذين لم يعترف بلبنانيتهم كما أذكر ، بل عوملوا كدخلاء الى لبنان من سوريا.
طبعا لا ابرر اقامة ميليشيات شيعية زادت تأزيم الواقع اللبناني، وجعلت السلطة صورية مفككة، بلا دولة مركزية.
القوى الوطنية التي اصطفت مع الفلسطينيين كان للموارنه فيها دور كبير ، لذلك لا يمكن القول ان الحرب الأهلية اللبنانية هي حرب طائفية، الطائفية كان لها دورا سلبيا كبيرا، ولكن الصراع كان صراعا سياسيا اجتماعيا من أجل لبنان ديموقراطي وطني ودولة لا تميز بين مواطنيها على اساس الدين. وتحمي اللاجئين الفلسطينيين الذي لم يدخلوا لبنان للسياحة، بل شردوا واضطهدوا.
طبعا الفلسطينيين أيضا شكلوا في فترة ما حالة ارعبت النظام الطائفي، ولم يعرف التعامل معها الا بالعنف،مثل ما كان يتعامل مع شيعة لبنان.. فتوحد الضعفاء ووحدوا قوى ترفض هذا النهج، وقوى رأت ان الخطر من استمرار نهج خضوع الدولة لكبار الأغنياء الطائفيين واهمال للطبقات الدنيا والمتوسطة التي بدأت تشعر بانهيار عالمها من سياسات منغلقة اقتصاديا... ونجد ان القوى المتضررة من كل الطوائف تحالفت ضد اليمين الماروني المسيطر على جهاز الدولة، والمنظم بميليشيات اجرامية أشبه بجيوش خاصة.. حماها النظام الطائفي السوري بهدف احتلال لبنان الأكثر تطورا من دولته ولمنع قيام نظام لبناني متطور غير طائفي يشكل نموذجا يحتذى من الشعب السوري المقموع من عائلة الأسد ونظامها الطائفي المنغلق.
في الحرب الأهلية للأسف اتخذ المسار الطائفي حصة كبيرة. تأثيراتها السلبية ما زالت قوية، ومهد الطريق لقوى صاعدة ان تتصرف باساليب غير مشروعة أهمها اقامة ميليشيات حزبية وطائفية جديدة بدل ان يغلق ملف السلاح غير المشروع.
اليوم سلاح حزب الله يشكل مساحة تهدد الدولة اللبنانية ومركزيتها، ويخلق نظام داخل نظام.. وينمي الطائفية والصراع الطائفي رغم انه لا يظهر بعد بكل خطره وقدراته على تدمير النسيج الوطني للبنان.
ان التغطية بحجة المقاومة هي تغطية واهية. المقاومة اللبنانية الوطنية بدأها شعب لبنان بكل طوائفه، وأذكر ان المرحوم جورج حاوي استقال من قيادة الحزب الشيوعي اللبناني ليقود المقاومة، ولكن الاحتلال السوري وجه لهم ضربة ، واختار حزب الله بعد ان شقه عن حركة أمل ليقود المقاومة، والتي سميت المقاومة الاسلامية وليس المقاومة الوطنية.. والهدف تنفيذ العاب سياسية ، ومغامرات عسكرية لصالح النظام السوري. وها هو حزب الله ينفذ ما بني من أجله في المشاركة ضد ثورة الشعب السوري وتهديد النسيج الوطني اللبناني. ولم تعد اسرائيل وفلسطين هي شغله الشاغل ، بل ايران والنظام الطائفي في سوريا.
لذلك المسيحيين في الشرق ليسوا المشكلة بل الغطاء للواقع الفاسد الذي انتجته أنظمة فاسدة .
ملاحظة: لم اكتب ما كتبته تبريرا لأي فعل مسيحي طائفي. الطائفية هي مرض وآفة يجب قمعها، بغض النظر عن مروجها. والعقاب يجب ان يكون بيد مؤسسات الدولة وحسب قوانين واضحة تشمل الجميع بالتساوي.
وملاحظة أخرى: الحروب الصليبية لم تكن بدوافها الأساسية حملات مسيحية. وصفة حروب صليبية استعمله لأول مرة مؤرخ فرنسي بسبب نوع اللباس الذي يضع الصليب. بل بدات في اسبانيا أولا والهدف كان انقاذ اوروبا من انهيارها الاجتماعي وارهاب الامراء الفقراء الذي شكلوا عصابات لغزو الاقطاعيات بسبب قانون الوراثة الذي يورث الاقطاعية للإبن البكر ويحول بقية الأخوة الى امراء معدمين فقراء... فجاء البابا اريان الثاني بفكرة غزو موانئ الشرق الغنية واحتلال الأرض التي تدر سمنا وعسلا .. وتحطيم الكنيسة الشرقية التي كانت على خلاف عميق جدا مع الكنيسة الغربية حول صفة المسيح، اذا اقر المجمع المسكوني الأول في قينيا 385 ميلادية (مجمع الملك قسطنيطين،الذي عمد وهو على سرير الموت، وكان وثنيا يعبد زيوس اله الشمس ولكنه رأى بالمسيحية ايديولوجيا مناسبة لإمبراطوريته وزيزس عشق امرأة بشرية وولدت له ابنه، الذي قتل ونقله بعد ثلاثة أيام الى ملكوته في السماء وهو ما يشبه قصة المسيح) اقروا الوهية المسيح، بينما الكنيسة الشرقية تعاملت مع الموضوع بشكل مختلف ، بصفة المسيح الانسانية، وهو ما نقله الاسلام عنهم من أيام القس ابن نوفل ). أي كان توافق بين المسيحيين والمسلمين حول موضوع هام ، وهو ضمن تجند المسيحيين في الشرق لقتال الغزو الأوروربي الذي سمي فيما بعد بالغزو الصليبي، ولا علاقة له الا بما يميز كل غزو استعماري.
|