الأديبة العزيزة هدى الخطيب
حين قرأت هذه القصص، عدت مجددًا لقراءة بعضها، وكعادتي أغلقت كلّ شيء أمامي، وانتظرت عودة أخرى، لأن القصص القصيرة جدًا عادة ما تكون ملغومة، ولا يجب التسرّع بالردّ عليها، حتى لا تأتي الكلمات بدون معنى، وها هي حفنة من الأفكار والمشاعر التي انتابتني، علمًا بأنّ تحليل كلّ قصة يحتاج إلى أضعاف ما سطر قلم السيدة هدى، ولمَ لا فهي تستحقّ أكثر.
يخطئ الإنسان حين ينكبّ على هموم وعوالم الآخرين، معتقدًا بأنّ التعاطف قادرٌ على أن يقدّم له ما يفتقده في المنزل والعمل، لكنّه سرعان ما يدرك بأنّه لا يرغب بحياة الآخرين، بل حياته هي الأهمّ. بمعنى، هناك من يستحقّ الاهتمام في فلك حياته وليس في حياة الآخرين فقط. السعادة قد تكون متواجدة في مكان ما من حوله. سيدتي هُدى، اسمحي لي ببعض النقد فقد أخطأت حين نشرت كلّ هذه القصص دفعة واحدة، وكان عليك نشرها واحدة تلو الأخرى، فأنا كما ترين غير قادر على تجاوز القصّة الأولى الخالية من علامات الترقيم، ووجدت نفسي أركض من الكلمة الأولى وحتى الأخيرة. كي أكون وفيًا لذاتي ولأعطيك حقّك كاملا سأعلّق، وأحاول أن أحلّل كلّ قصّة على حدة، وأعتقد بأنّ هذا يروق لروح المرحوم الأديب والشاعر طلعت سقيرق أيضًا، الذي تساءل من قبلي عن السبب في عدم تصريحك عن توجهاتك نحو كتابة ق ق ج الفنّ الأكثر صعوبة، لأنّه شائك ويحتاج لإلى قدرة على التركيز لتصل الفكرة كقذيفة مقفّاة.
يمكننا أن نتجاوز الحرمان، إذا ما نظرنا من نافذة الافتراضية إلى روحِنا. الأديب هو الذي يفتح روحه ليدخل الآخرين، ويكون محظوظًا إذا تمكّن من البقاء في جوّانيته الخاصّة، ليتبادل مع الآخرين كلامًا يحلو لهم، لكنّهم القساة المساكين لا يدركون بأنّ هذا الأديب بحاجة لبعض الفضاء والخلوة، كي يرى ملهاته الخاصة ومأساته مقروءة في حضور وغياب وضحك وبكاء الآخرين.
لا أقول قصّة جميلة بل أكثر، لأنّها كتبت بعناية وتدبّر، من ورائها شاهدت انعكاس الآخرين في الروح الأدبية الباحثة دومًا عن شاطئ أمان تركن إليه مراكبها. لا تطيلي البحث سيدتي فقد لا تنجحين بالوصول إلى هذا المرفأ الموعود، لأنّك شئت أم أبيت تنتمين لفئة المنشغلين بهموم الآخرين، كما الشاعر والأديب يبقى يركض ويركض خلف السحب بحثًا عن ظلّ يفيء إليه، ليفاجأ بعد حين بالمطر.
يلي ذلك وقفة في التناقض ويا لها من مفهوم!