رد: غابة
الأستاذ العزيز عبد الكريم
أشكر مداخلتك الثانية وأشكر تثبيتك للموضوع
من أين أبدأ ؟
لقد سألتك عن التفريق بينهما لأن الأمر معقد وملتبس
وهناك من الشعراء والنقاد من لا يعترف بقصيدة النثر
وهناك من لا تروقه هذه التسميات الثنائية:كيف نجمع بين الشعر والنثر في مصطلح واحد ؟
وأنت قمت هنا بتفريق بين المسميين غير أني أرى كثيرين ممن لا يفرقون بينهما والجدال دائر وهذه القضية بذات: قصيدة النثر/الشعر المنثور
لم يحسم الجدال حولها حتى الآن..صحيح أن بعض كتاب قصيدة النثر استطاعوا أن يثبتوا أنفسهم وجمال كتاباتهم ولكن الحقيقة أن قصيدة النثر كجنس أدبي ما زالت صورتها الأدبية غامضة الملامح غير دقيقة فليس هناك مثلا مقياس للكثافة الشعرية وهناك من يكتبون كتابات هي أشبه بالهذيانات والهلاوس ويطلقون عليها مسمى قصيدة النثر . وهناك مشكلة أخرى:هل يجب أن يحصل كاتب قصيدة النثر على لقب شاعر أم لا ؟ هل هو شاعر أم كاتب لقصيدة النثر ؟ قد تذكر لي أسماء كتاب حصلوا على هذا اللقب ولهم كتابات منشورة ، لكن لا زال هناك من لا يعترفون بهذا النوع كشعر .
ومن ناحية التسمية نفسها بعيدا عن المضامين التي ذكرت أنها تندرج تحتها أرى أن تسمية:الشعر المنثور
من المفترض أن تدل على الشعر وتكون أقرب له أكثر من مصطلح قصيدة النثر فالشعر المنثور " صفة وموصوف " الموصوف هنا هو الشعر وصفناه بالنثرية ويعني ذلك أنه لا بد أن يحمل بعض صفات النثر ، لكنه في الأصل شعر أما تسمية قصيدة النثر فمن المفترض أن تكون أقرب إلى النثر من الشعر لأنها قصيدة النثر ، مضاف ومضاف إليه ، المضاف هنا هي القصيدة وهي نكرة قد تم تعريفها بإضافة النثر إليها أي أن النثر هو الذي يعرفها ويدل على ماهيتها..وبالتالي فهي أقرب له من الشعر..هذه هي الدلالات المنطقية بالنسبة لي للتسميتيين وهكذا ينبغي أن يكون من وجهة نظري أيا كان استخدامهما الذي أرى أنه أحيانا لم يكن مناسبا للمعنى..ورغم ذلك نستطيع أن نقول أن قصيدة النثر حسب المفهوم النسبي الشائع لها قصيدة متحررة تماما من قواعد الشعر وأصوله الأساسية " الوزن والقافية والتفعيلات " أصحاب هذا النوع الجديد من الشعر يدافعون دائما عن كتاباتهم بحجة حرية الإبداع " مهما كانت هذه الكتابات غامضة حد الهلوسة..بعضها وليس كلها فهناك كتابات راقية جدا وعميقة المعنى " إذا كان هذا التحرر من كل القواعد والأصول الأساسية لكتابة الشعر قد حدث فلماذا سيصبح لزاما عليّ أن ألتزم بقاعدة جديدة هي قاعدة التحرر من القاعدة ! ما الذي يمنع من أن ندرج داخل تنويعاتنا التي نسميها شعرا منثورا أو قصيدة نثر شيئا من هذه الظواهر ؟ هل أصبح الالتزام بشيء من رائحة أوطعم أوشكل القواعد والأصول الأساسية للشعر خطأ وعيبا ؟!! إذا كانت دعوة قصيدة النثر هي من البداية دعوة للتحرر من قيود الكتابة الشعرية للتحليق في سماوات الإبداع بشكل أرحب فمن الأولى ألا يحدث تناقض بين هذه الدعوة للحرية وبين أن تصبح هناك قاعدة جديدة لكتابة حرة للشعر هي التحرر تماما ونهائيا من القاعدة ويصبح الخروج على هذه القاعدة الجديدة عيبا وتصبح هذه القاعدة نفسها مقيدة للحرية ! في كتابتي لشعر متحرر أحاول أن أحتفظ بشيء من رائحة وطعم القواعد القديمة ولا أرى أن هذا يشوه الكتابة بل بالعكس يجعلها أقرب لروح الشعر ويؤكد على شعريتها..صدقني أستاذ عبدالكريم أن المسألة جد معقدة وملتبسة وحولها جدل لن ينتهي بسهولة إلى حد أني وغيري نحتار أحيانا في تصنيف بعض الكتابات هل هي قصيدة نثر ؟ أم هل هي هلوسة لا معنى لها ؟ أحيانا تقنعني بعض الكتابات بأنها قصيدة نثر ولكن هناك كتابات أخرى لا تقنعني وأعتقد أن كل من يحاولون فهم قصيدة النثر كجنس أدبي خاص فهما دقيق أو وضع تعريف محدد لها جهودهم في النهاية هي محض محاولات لأنه يستعصي جدا علينا أن نحدد حدود كيان أدبي غير محدود بالمرة ، ولذلك فإن هذا المصطلح " قصيدة النثر " يظل هلاميا وغامضا وفضفاضا إلى حين ميسرة ، وفي سبيل الوصول إلى شيء حقيقي ومفيد في هذا الصدد الأمر الذي يحتاج إلى تصنيف كل هذا الكم الهائل من الكتابات التي يدرجها أصحابها تحت مسمى قصيدة النثر ومحاولة استخلاص خصائص مشتركة بينها ، فستظل هذه المحاولات محاولات مفيدة على الطريق .
ولذلك فأنا أقترح عليك لأني شعرت أن عندك خبرة بهذه الكتابات ولك رؤية خاصة للموضوع ، أقترح عليك أن تدرج موضوعا مستقلا تناقش فيه مفهوم قصيدة النثر حسب رؤيتك له بالأمثلة الدالة عليه . و أن تناقش مفهوم الشعر المنثور أيضا وتضع عليه أمثلة . أما تصنيفك لهذا النص بذات فلم أستطع أن أفهمه جيدا ، غير واضح بالنسبة لي، أيا ما كان المسمى فهذه ليست أول مرة أنشر فيها هذا النص أو أقوله في ندوات شعرية ، ولم يقل لي أحد أنه ليس بشعر . تعاملت معه دائما على أنه قصيدة شعر أيا كان نوعه . ولكن ربما أنك محق تماما أنت والأستاذ محمد على صواب ، فأنا لست بالنضج الشعري والخبرة الكافية ولست عموما محترفة في كتابة الشعر الفصحى، لكني هاوية ، أكتبه بإحساسي وقد وقع لي غير مرة أن كتبت قصائد موزونة بالكامل دون أن يكون لي علم بذلك أو قصد . ربما لو كنت مدركة جيدا لأنواع الشعر وطرق كتابتها لخرج هذا النص بشكل مختلف . هذا أكيد . ففقط حين يمتلك الكاتب أدوات النوع الكتابي جيدا يكون هناك أكثر من احتمال ممكن لكتابة أكثر نضجا ووعيا . تشرفت كثيرا بمرورك وسعدت بالحوار معك فالأيام علمتني أني دائما مستفيدة ، من يتفق معي يفيدني ومن يختلف يفيدني أكثر وقد يكون هو على صواب خصوصا إذا كان أكثر مني خبرة ويعرف أكثر مني . كل الشكر، لك ، مودتي وعميق تقديري .
|