رد: رسالة إلى صديقة
نصيرة .. جاءت رسالتك في وقتها .. ولكن على غير عادتها .. لأول مرة أقلق من غيابك المفاجىء .. ولأول مرة تعودين محملة بالهم بعد هذا الغياب .. وتلوحين بالصمت ..
ما هو الصمت ؟
الصمت يا نصيرة من وجهة نظري المتواضعة هو قبر صغير ندفن فيه خيبة أمل طازجة .. خيبة أمل غير متوقعة .. أينعم البشر ليسوا سواء .. وليسوا على نفس الدرجة من التشابه فمن هنا جاءت نعمة الاختلاف .. لكن الطامة الكبرى والكارثة العظمى حين يأتينا الخلاف والاختلاف ممن يشبهوننا وممن يتربعون على عروش قلوبنا .. وممن هم مرآة لنا في حال تعذر الرؤية .. ومن هم حين نتساءل نجد الإجابة تزغرد على شفاههم .. وحين نبكي نجد مناديلهم ترفرف على الوجنات .. وحين نشكو نجد دمعة حارة فرت من عيونهم فوقعت على الخد .. من هنا تولد خيبة أمل كبيرة تحتاج أن ندفنها في قبر صغير اسمه الصمت ..
نحن لا نعجز عن الكلام ولا تفرُّ الحروف من حنجرتنا .. لكن ثقل الكف الذي يرتطم بالخد هو من يلقي بكل شيء إلى الأرض .. كل شيء مهما كان جميلاً ووسيماً ونبيلاً وملائكياً إن شئت .. كل شيء إلى الأرض .. وعلى الأرض خيبة أمل كبيرة مسجاة قطفناها قبل أن نقطف ياسمين الصباح ونتزين به لمغازلة النهار ومحاولة جذب انتباهه .
أيلول .. لا تسأليني عن أيلول فلقد سبقتني الكلمات إليه .. أيلول يا صديقتي قصة عشق قديمة .. ولدت معي .. وتطبعت في أطباعي .. أحبت وكرهت كل ما أحببت وكرهت .. ومع ذلك نختلف .. نتخاصم ونتصالح ونتواعد ونتعاهد على ألا نفترق .. ونفترق .. ونشبع من الفراق .. ثم تجمعنا شموع أيلول من جديد لنطفئ شموع الميلاد ..
أيلول متقلب المزاج وأحياناً يصبح قمة في النكد ويصبح احتواؤه من سابع المستحيلات .. لكن حين تمرُّ في سمائه غيمة حبلى بالخير .. يخجل أيلول ويأتي إليِّ .. يقبّلُ اليد والوجنات ويطلب السماح ويستأذن بالرحيل بعد أن هاج وماج وعصف بالأخضر واليابس .. ولأنه قصة عشقي وتاريخ مولدي وتوأمي الذي أشبهه ويشبهني أسامح جنونه وأغفر كل حماقاته .. ونفترق على أمل اللقاء ..
ستكبرين يا نصيرة وستعلمين من النظرة الأولى من يستحق أن تهمس نصيرة في أذنيه ومن تفرد إليه مساحات من التجاهل .. وستعلمين أنه ليس كل من يشبهنا يشبهنا .. أحيانا يشبهنا أكثر من يختلف عنا .. ستكبرين يا نصيرة وستدركين أن المطر ضروري لتبقي حية منتعشة .. ولكي يزهر ربيعك بشتى الألوان .. وكي تواجهين الصيف بجميع حرائقه .. المطر سيبقيك حية في كل الفصول فاعشقي المطر لأنه على يديه تولد نصيرة كل يوم ..
الآن عودي من صمتك يا رفيقتي وغردي فالحياة مليئة بالأزهار التي تدعوك لقطفها ودعي الغول في سباته ولا توقظيه الآن ..لا توقظي من يلتهم ما يصنع سعادتنا أو حتى يهدد بذلك ..
وكما قال شاعرنا العزيز " طلعت سقيرق " قومي إلى الصباح " ..
هيا يا نصيرة أنا وأيلول ندعوك لموائد الصباح فقومي إلى الصباح واخلعي عباءة الصمت وارتدي عباءة الفراشات ولن تندمي وقولي ميساء قالت ذلك .
|