رد: تقرير حال القدس خلال الفترة من كانون ثانٍ/ يناير حتى حزيران/ يونيو 2012
[align=justify]تابع: تقرير حال القدس خلال الفترة من كانون ثانٍ/ يناير حتى حزيران/ يونيو 2012
وجه آخر للتهويد: مخطط لنقل إدارة الأحياء العربية خارج الجدار إلى الجيش
في بيان صدر عن بلدية الاحتلال في القدس في 5/1/2012، كشف نير بركات، رئيس البلدية، عن مخطط يهدف إلى نقل إدارة الأحياء العربية الواقعة خارج جدار الفصل العنصري، والتي تتبع إداريًا لبلدية الاحتلال، إلى الإدارة المدنية في الجيش والتي تدير الضفة الغربية الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي. والإدارة المدنية جهاز إسرائيلي أسّسته حكومة الاحتلال عام 1980 ليتولى إدارة المناطق التي احتلتها "إسرائيل" عام 1967. وتعتبر الإدارة المدنية من الناحية العملية نظيرة وزارة الداخلية الإسرائيلية وهي مسؤولة عن كل النواحي الإدارية المتعلقة بالسكان المقيمين في المنطقة ج من الضفة الغربية كما أنها معنية بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية التي تتمتع بسلطات إدارية كاملة في المنطقة أ وسلطة محدودة في المنطقة ب. ومن ناحية أخرى، فإن الإدارة المدنية مسؤولة عن إعطاء تصاريح الدخول من الضفة الغربية إلى "إسرائيل"، تصاريح السفر ضمن الضفة الغربية بالإضافة إلى تصاريح العمل لفسطينيي الضفة الغربية الراغبين بالعمل في "إسرائيل".
وبحسب البيان فإن "رئيس البلدية يدرس البدائل المختلفة للتعامل مع الصعوبات الناجمة عن عدم التوافق بين جدار الأمن والحدود البلدية للقدس فيما يخص الخدمات المقدمة للسكان" دون أن يتضمن ذلك أي تغيير للحدود البلدية لمنطقة القدس. أما السبب المنطقي، وفق بيان البلدية، فهو انتقال تقني للمسؤولية بين البلدية والإدارة المدنية لتقديم الخدمات على جانبي الجدار.
وبالفعل، فإن تشييد الجدار العازل أدى إلى انقطاع الخدمات عن أحياء شرق القدس الواقعة خلف الجدار كجمع النفايات والخدمات الصحية والشرطة وحتى الخدمات البيطرية. وتدعي بلدية الاحتلال أن أسبابًا أمنية تحول دون تقديم الخدمات للسكان حيث يمنع ذهاب ممثلي البلدية خلف الجدار دون مرافقة الجيش الإسرائيلي أو الشرطة.
وقد امتنع متحدث باسم البلدية عن التعليق على إمكانية سحب الهوية الزرقاء من السكان المقيمين في تلك المناطق. إلا أن الحرص الإسرائيلي على ما يسمى بالتوازن الديموغرافي بين العرب واليهود يعزز الاحتمال بأن يكون هذا المخطط خطوة لسحب الهوية الزرقاء من سكان هذه الأحياء. ويشير خليل التفكجي، الخبير في شؤون الخرائط والمستوطنات، إلى أن المخطط المذكور يقع ضمن السياسة الإسرائيلية الهادفة إلى التخلص من سكان شرق القدس حيث أكد أن أمام من يعيش في تلك المناطق خيارين: إما العودة إلى القدس، وهو أمر غير ممكن عمليًا لصعوبة إيجاد مساكن، أو البقاء في الضفة الغربية الأمر الذي يترتب عليه خسارة هويتهم بموجب قانون القدس مركز الحياة، وهي أعلى مطالب دولة الاحتلال. أما أرييه دايان، الناشط في منظمة عير عميم، فاعتبر أنه من غير المرجح أن يؤدي نقل المسؤولية للإدارة المدنية فورًا إلى سحب بطاقات الهوية الزرقاء من سكان هذه الأحياء إلا أنها قد تكون "خطوة كبيرة" في هذا الاتجاه.
وفي الواقع، قد تبدو الخطوة في ظاهرها - واستنادًا إلى التبريرات الإسرائيلية بشأنها - مدفوعة بالحسّ الإنساني والتعاطف مع الفلسطينيين المعزولين وراء الجدار نظرًا لانقطاع الخدمات البلدية عنهم مع أنهم تابعين لها من الناحية الإدارية. إلا أن العودة قليلاً إلى الوراء تساعد على وضع المخطط في إطاره الصحيح. ففي كانون أول/ ديسمبر 2011، تم الكشف عن خطط لنير بركات تقضي بالتخلي عن أحياء فلسطينية عزلها الجدار العازل. وكان ياكير سيغف، وهو مسؤول ملف القدس في بلدية الاحتلال، صرح في 8/1/2010 أن الأحياء الواقعة شرق الجدار العازل لم تعد جزءًا من القدس كما أشار إلى أن بناء الجدار جاء لأغراض ديموغرافية وسياسية (وليس فقط أمنية) حيث إن البلدية ليس لها يد في إدارة هذه الأحياء كما أنها غير قادرة على معالجة الظروف الصعبة التي يواجهها 55,000 مقدسي يعيشون هناك.
ولا شك في أن نقل إدارة الأحياء العربية إلى الجيش محاولة للتغطية على المشكلة الأساسية التي تكمن في جدار الفصل العنصري الذي يقسم القدس ويفصل بين أحيائها، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يعتبر هذا الأمر ضمن السياسية الإسرائيلية في إطار التهويد الديموغرافي للقدس وتفريغها من أهلها وتحقيق السيطرة اليهودية الكاملة عليها.
الانتهاكات الإسرائيلية لحرية السكن والإقامة: عود على بدء
لم يطرأ أي تغيير في سياسة انتهاك الحقوق التي تنتهجها سلطات الاحتلال خلال الفترة التي يغطيها التقرير، ومن ضمنها انتهاك حق المقدسيين في السكن والإقامة. وقد شملت الانتهاكات إصدار أوامر هدم وإخلاء منازل وإخطارات هدم تركزت في أحياء سلوان والعيسوية دون أن توفر سائر الأحياء المقدسية.
ففي كانون ثانٍ/يناير، عمدت طواقم تابعة لبلدية الاحتلال ترافقها قوات من الجيش والشرطة إلى توزيع إخطارات هدم في بلدتي سلوان والعيسوية بشكل خاص حيث تلقى 16 منزلاً وسبعة محال تجارية في سلوان مثل هذه الإخطارات بالإضافة إلى منزلين في شعفاط ومبنى آخر من ست طبقات في بيت حنينا. وأقدمت جرافات البلدية على تنفيذ أربع عمليات هدم في منطقة شعفاط وصور باهر وبيت حنينا في حين نفذت جرافات الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال أربع عمليات أخرى في المنطقة (ج) في منطقة عناتا ومخيم شعفاط والعيزرية.
وفي شباط/فبراير، نفذت بلدية الاحتلال سبع عمليات هدم وأجبرت مواطنين مقدسيين على هدم منازلهم بأيديهم بحجة البناء دون ترخيص كما عملت "سلطة الطبيعة" على تجريف أرضٍ في سلوان وهدمت السور المحيط بها. إلا أن التصعيد اللافت في هذا الشهر تجلى في القرار الصادر عن المستشار القانوني لحكومة الاحتلال، يهودا فينشتاين، والقاضي بتشكيل فريق خاص لدراسة سياسة تنفيذ أوامر هدم المباني "غير القانونية" في الأحياء العربية في القدس بسبب تقليص تنفيذ هذه العمليات في السنة الأخيرة. وقد ادعى مدير الرقابة على البناء في بلدية الاحتلال أن البلدية قامت بثماني عمليات هدم فقط لمبانٍ غير مرخصة في شرق القدس العام الماضي مقابل 67 عملية هدم في غربها، ويجب تطبيق القانون في شرق القدس حيث هناك تخلف في فرضه. ومن المتوقع أن يؤدي تشكيل هذه اللجنة إلى زيادة كبيرة في عمليات الهدم مع العلم أن عمليات الهدم في القدس لم تهدأ منذ بداية العام.
تكررت هذه العمليات في الأشهر اللاحقة وكان بارزًا في نيسان/أبريل إقدام جرافات الإدارة المدنية على هدم 17 منشأة لبدو الجهالين في منطقة الجيب شمال غربي القدس لتشرد بذلك ستّ عائلات تتكون من 46 فردًا منهم 31 طفلاً. وذهبت سلطات الاحتلال أبعد من ذلك لتصادر الخيم التي وزعتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر على العائلات وتم إعطاؤهم ورقة بالمصادرة ليتركوا بلا مأوى كوسيلة لإجبارهم على الرحيل وتهجيرهم.
وفي أيار/مايو، وزع موظفو بلدية الاحتلال، تحت حماية الشرطة، سبعة أوامر هدم إدارية لمنازل في الحي وتم إعطاء سكانها مهلة شهر قبل أن يُصار إلى الهدم. وكانت محكمة البلدية أصدرت قرارًا حددت بموجبه نهاية شهر أيلول/سبتمبر القادم موعدًا نهائيًا لهدم 29 منزلاً من أصل 88 منزلاً مهددًا بالهدم يشكلون حي البستان، وذلك في حال عدم استصدار تراخيص بناء. وتأكيدًا على مضيها في تنفيذ هذا القرار، سلمت محكمة الاحتلال، المحامي زياد قعوار الذي يترافع عن ملف حي البستان في سلوان أمرًا قضائيًا بهدم المنازل الـ29. ويقع هذا القرار في إطار سعي السلطات الإسرائيلية إلى السيطرة على كامل الحي تمهيدًا لإقامة حديقة توراتية في المكان تعرف باسم "حديقة الملك داود".
وفي حزيران/يونيو، هدمت جرافات بلدية الاحتلال مبنى مساحته 360 م2 في بلدة بيت حنينا بحجة عدم الترخيص. المبنى، الذي يضم عدة محال تجارية يعتاش منها قرابة 20 شخصًا، تم هدمه دون سابق إنذار مع العلم أن أصحاب المحال كان لديهم أمر من محكمة الاحتلال يعطيهم مهلة حتى تاريخ 15/07/2012 وقد دفعوا مخالفات بلغت 160,000 شيكل من أصل نصف مليون شيكل فرضتها عليهم قوات الاحتلال.
ولتبرير عمليات الإخلاء والهدم تتذرع "إسرائيل" بغياب تراخيص البناء، إلا أن المخالفات التي تتذرع بها هي أوجدتها من خلال تضييقها على المقدسيين لتدخلهم في حلقة مفرغة يصعب كسرها. فمن جهة أولى، تعتمد "إسرائيل" منذ العام 1967 سياسة تخطيط تعمل على تهميش الوجود الفلسطيني وعرقلة عملية التطوير والبناء بالنسبة إليهم على الرغم من النمو السكاني الذي يخلق الحاجة إلى زيادة الأبنية وتوسيع المشيَّد منها. ومن جهة ثانية، تفرض عليهم قيودًا تجعل الحصول على تراخيص للبناء أمرًا شبه مستحيل وذلك إما لصعوبة إثبات ملكية الأرض المنوي البناء عليها أو بسبب الإجراءات البيروقراطية المعقدة والمكلفة التي يتعين على المقدسيين تكبدها في حال ثبوت الملكية. وبذلك، تدفع سلطات الاحتلال المقدسيين إلى البناء دون ترخيص لتعود وتهدم ما بنوا ولتشرد عائلاتهم وتحملهم على الرحيل.
وتثير قضية هدم المنازل مسألة انتهاك "إسرائيل" للقانون الدولي ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والمتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب. وهي تندرج ضمن المخالفات الجسيمة وتعتبر أحد أشكال الإجراءات التعسفية التي تتسبب بتدمير الملكية على نطاق واسع دونما ضرورة عسكرية تستوجبها. وبالإضافة إلى ذلك، تشكل هذه السياسة انتهاكًا لحق الأشخاص في محاكمة عادلة حيث إن الهدم يتم بموجب قرارات إدارية لا يعطى فيها المستهدفون مجالاً للإدلاء ببياناتهم أو الدفاع عن أنفسهم. ومن نافلة القول إن سياسة الهدم والإخلاء تقع في إطار عملية التهويد الإسرائيلية التي لا تستثني البشر أو الحجر وهي تعمل على خلق الفضاء اللازم لإقامة المستوطنات وتعزيز الوجود اليهودي في شرق القدس بالإضافة إلى السعي لإقامة معالم توراتية مكان الأبنية المهدمة في محاولة لطمس الهوية الأصيلة للمدينة. وإزاء هذا الواقع، ينبغي العمل على محورين يتجسد الأول في دعم قطاع الإسكان في القدس وذلك عن طريق المتابعة القانونية والمادية لإصدار التراخيص لقطع الطريق على سلطات الاحتلال ومنعها من هدم المنازل والأبنية بذريعة غياب التراخيص. أما المحور الآخر فيوجب الالتفات إلى أن سياسة التهجير القسري مخالفة صارخة للقانون الدولي ما يعني أنه على الدول الأطراف في معاهدة جنيف الرابعة حمل "إسرائيل" على الالتزام ببنود الاتفاقية ووقف سياسة الهدم والتهجير، وعلاوة على ذلك، الضغط على "إسرائيل" لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية.
التمييز الإسرائيلي في القدس يتوسع ولا يستثني الأرمن
أعلنت بلدية الاحتلال في 5/2/2012 عن مخطط بناء جديد تحت مسمى "مركز تجاري وموقف خاص" على أراضٍ تابعة لدير الأرمن في البلدة القديمة في القدس. المخطط المذكور سيقوم على تنفيذه والإشراف عليه "شركة تطوير الحي اليهودي في البلدة القديمة بالقدس"، وسيشمل المخطط إقامة أبنية إسكانية، وفندق، ومراكز تجارية، ومرافق عامة، وموقف سيارات تحت الأرض يتسع لـ 600 سيارة، بمساحة بناء تصل إلى 18 ألف م2، كما يشمل المخطط حفر نفق أرضي يصل ما بين الموقف الذي سيتم إنشاؤه تحت الأرض، وبين مدخل باب المغاربة، الواقع في السور الجنوبي الغربي للبلدة القديمة بالقدس المحتلة، واستحداث باب آخر تحت الأرض عن يسار باب المغاربة، في حين سيكون الدخول للموقف الأرضي المذكور عبر نفق أرضي سيحفر أسفل باب النبي داود (ويسميه الاحتلال "باب صهيون")، الواقع في السور الغربي الجنوبي للبلدة القديمة بالقدس المحتلة، وبطبيعة الحال فإن هذه الأنفاق سيتم ربطها بشبكة الأنفاق الممتدة أسفل المسجد الأقصى المبارك وفي محيطه. وفي هذا الإطار، أصدرت بلدية الاحتلال قرارًا يقضي بمنع الأرمن من استخدام الموقف القديم الذي تعود أرضه لدير الأرمن. وقد أثار هذا القرار موجة غضب بين سكان دير الأرمن الذين تظاهروا ضد قرار إغلاق الموقف ومنعهم من ركن سياراتهم فيه.
ويثير هذا المخطط، ومعه القرار بمنع الأرمن من استخدام الموقف المقام أصلاً على أرض يملكونها، قضية التمييز الذي تمارسه سلطات الاحتلال بحق غير اليهود والمحاولات التي تبذلها للتضييق عليهم لجعل ظروفهم الحياتية صعبة إلى حد دفعهم إلى الرحيل. وهو بكل الأحوال يصب في إطار المساعي الإسرائيلية الرامية إلى تهويد المدينة بالاعتداءات المتواصلة على مقدساتها الإسلامية والمسيحية ومصادرة الأراضي.
ويعتبر المجتمع الأرمني في القدس من أقدم التجمعات الأرمنية خارج أرمينيا ويتحكم، من خلال الكنيسة الأرمنية، بالعديد من المواقع المسيحية المقدسة ومنها مكان ولادة السيد المسيح وقبر السيدة مريم (ع). إلا أنه، وعلى الرغم من هذا الإرث الديني الغني، فإن المجتمع الأرمني في القدس ضعيف كما أن أعدادهم إلى انخفاض وحقوقهم محل اعتداء من قبل سلطات الاحتلال. ويحتل الحي الأرمني حوالى سدس مساحة البلدة القديمة ويمتد على مساحة 150 دونمًا بينما يقطنه 500 من أصل 3000 أرمني تقريبًا مقيمين في فلسطين.
وتبعد حارة الأرمن عن حارة الشرف (حارة اليهود) بضعة أمتار دونما حدود تفصلهما بخلاف ما كان الوضع عليه منذ ثلاثين سنة حيث كانت مجموعة من الأبنية العربية تفصل الحيّين وذلك قبل أن يستولي عليها اليهود بين العامين 1967 و 1980 تحت ذرائع مختلفة. والعلاقة بين الأرمن وجيرانهم من اليهود تتسم بالتشنج حيث لا يتوقف اليهود عن البصق على الأرمن وعلى الصليب كما تزيد الاعتداءات أيام الأحد خلال المسيرة من كنيسة القيامة إلى الدير، بحسب المطران أريس. وحتى الشرطة الإسرائيلية التي تحقق مع العديد من الأشخاص إثر الشكاوى المقدمة من الأرمن فإنها تعود وتخلي سبيلهم بعد عدة ساعات أو حتى تتراخى في اعتقالهم مطلقًا.
ويقول الكاتب والمؤرخ الأرمني جورج هنتليان: "صحيح أننا أرمن من نواح إثنية ولكن أمام "إسرائيل" أنت فلسطيني، فلا فرق أن تتكلم الأرمنية أو العربية، ففي الحالتين ستحظى بالمعاملة ذاتها". كما يشير هنتليان إلى السعي الإسرائيلي الدؤوب إلى السيطرة على الحي الأرمني.
وتدور حرب صامتة اليوم بين الطرفين، الأرمني والإسرائيلي، يحاول الأول في إطارها المحافظة على حقوقه التي سلبها الثاني ولا يزال يعمل على سلبها إلى اليوم. ويعود الصراع على الأرض بين الأرمن ودولة الاحتلال الإسرائيلي إلى عام 1967 عندما استولت "إسرائيل" على مساحة من الأراضي التابعة للأرمن والواقعة بين كنيسة الروم الأورثوذكس على جبل صهيون وقلعة القدس قرب باب الخليل وقامت بمصادرتها. وفي عام 1985 اشترطت السلطات الإسرائيلية، كي تسمح بمتابعة بناء دير المخلص الذي بدئ العمل به عام 1973، الحصول على أرض بالمقابل. وإذ رفض بطريرك الأرمن الطلب فإن السلطات الإسرائيلية منعت استكمال البناء. وبموازاة المحاولات الإسرائيلية للاستيلاء على الأراضي، يسعى اليهود إلى تملك البيوت العربية والأرمنية على حد سواء عبر طمأنة أصحاب البيوت إلى أنهم غير مضطرين إلى ترك منازلهم عند البيع بل إن ملكية المنزل تنتقل إلى الشاري اليهودي عند وفاة صاحب المنزل.
وبمقابل تجريد الأرمن من أراضيهم وبيوتهم، تلجأ السلطات الإسرائيلية إلى التضييق عليهم وتمنع عنهم تراخيص البناء اللازمة. ويعود تاريخ آخر مشروع إسكان تمكن الأرمن من بنائه إلى عام 1962 حيث تحجب "إسرائيل" رخص البناء بحجة عدم تشويه المنظر العام للبلدة القديمة بتشييد المباني داخل سور القدس. ويرى مسؤولو الكنيسة في بطريركية الأرمن بالقدس، كما سائر المسيحيين والمسلمين، أن "إسرائيل" تستغل وصفها لكل المدينة بأنها عاصمة الدولة اليهودية وسيطرتها على تراخيص الإقامة والبناء فيها للضغط على العرب والآخرين من غير اليهود في القدس حتى يستسلموا ويرحلوا عنها.
وبالإضافة إلى ما تقدم، تبرز قضية مطالبة الدير بدفع الضرائب ولا سيما الأرنونا. فعلى الرغم من أن الأديرة معفاة من الضرائب منذ العهد الإنكليزي، ولاحقًا الأردني، إلا أن السلطات الإسرائيلية تسلم الدير فواتير بمبالغ خيالية. وهو إن كان يتمنع عن دفعها حاليًا، إلا أنه ثمة خشية من أن تقدم "إسرائيل" على تغيير الوضع القائم مع ما قد يجره ذلك من تبعات.
وتثير الممارسات الإسرائيلية في هذا السياق مخاوف الأرمن الذين يخشون على حاضرهم ومستقبلهم في مدينة القدس. فسلطات الاحتلال تمعن في التضييق عليهم، كما هي الحال بالنسبة للعرب أيضًا، وتعمل جاهدة – وإن بطرق غير مباشرة – على تقليص وجودهم لفرض الوجود اليهودي الأوسع في المدينة. ولا شك في أن الإجراءات الإسرائيلية في هذا الصدد، ومن بينها منع الأرمن من استعمال الموقف الواقع في جزء منه على أرض يملكونها والسماح فقط لليهود باستعماله، تعكس كلها حجم السياسات العنصرية التي تنتهجها دولة الاحتلال لتفريغ المدينة من أهلها والضغط عليهم لحملهم على الرحيل بعد أن تصبح إقامتهم في المدينة صعبة ومتعذرة إما للافتقاد إلى المسكن أو بسبب صعوبة ظروف الحياة.
دعم القدس بين الدعوات والتنفيذ: افتتاح فندق في شرق القدس ومطالبات بتنفيد الالتزامات نحو المدينة
افتتح في شرق القدس في 10/4/2012 فندق "لاندمارك سان جورج" في أول شراكة أردنية فلسطينية في مجال السياحة الفندقية في المدينة. وجاء افتتاح الفندق بعد توقيع الاتفاقية الحصرية التي تمت بين فندق سان جورج وفنادق لاندمارك، وحصل من خلالها الأخير على حقوق الامتياز والإدارة الحصرية للفندق في شرق القدس. افتتاح الفندق جاء بعد ترميم مبنى فندق سان جورج الذي كان افتتحه الملك الحسين بن طلال في منتصف الستينات في شرق القدس وهو يأتي في إطار الاستجابة لحاجة المدينة الملحّة إلى منشآت سياحية تقام على أرضها. وقد اعتبرت هذه الاتفاقية خطوة إيجابية باعتبار أن شركة فنادق لاندمارك هي الشركة الأردنية الأولى التي تبادر في هذا الاتجاه. وقد قال منيب المصري، رئيس مجلس إدارة شركة فلسطين للتنمية والاستثمار (باديكو القابضة) إن إعادة إحياء فندق سان جورج هو دليل آخر على التزام مجموعة باديكو والذي لا ينضب للاستثمار في شرق القدس. ونحن نسعى لأن تكون هذه المدينة المقدسة عاصمة للسياحة في المنطقة، وجنبًا إلى جنب بشراكة أردنية فلسطينية، سنجلب علامة فندق لاندمارك الأردنية إلى شرق القدس ونسعى لوضع فندق سان جورج لاندمارك في شرق القدس في واجهة السياحة الإقليمية. أما المدير التنفيذي للفندق، زاهي خوري، فعبّر عن أمله في نجاح الفندق في استقطاب وجذب أكبر عدد من السياح الى القدس لإعادتها إلى سابق عهدها المزدهر، مشيرًا إلى أن الفندق سيساهم في توفير فرص عمل للفلسطينيين وإعادة المجتمع المقدسي لأرضه.
ويمثل شرق القدس مركزًا مهمًا للسياحة الدينية يقصدها أبناء الديانات الثلاث كما أن موقع المدينة التاريخي والجغرافي يعزز من دور السياحة في المجال الاقتصادي إلى جانب توفير العديد من فرص العمل للمقدسيين. وقد كان القطاع السياسي في القدس من أبرز مصادر الدخل على مدى سنوات إلا أن دوره تراجع بفعل السياسات الإسرائيلية التي ضيقت على المقدسيين وحدّت من الاستثمار في هذا القطاع بفعل الإغلاقات والحصار.
وفي سياق الدعم العربي لشرق القدس، أكد الوفد الاقتصادي المصري الذي زار غزة في 8/5، والذي ضم أعضاء من نقابة المقاولين والمهندسين المصريين، دعمه لمشروع اتحاد المقاولين الفلسطينيين بمحافظات غزة. ويرمي المشروع إلى إنشاء وقفيات لدعم القدس وتعزيز صمود أهلها في مواجهة سياسات الاحتلال التهويدية الرامية إلى تفريغ المدينة من أهلها. ويقوم المشروع على إنشاء مشروع استثماري في رام الله بالضفة الغربية، بتمويل من اتحاد المقاولين، يعود ريعه لدعم الأسر والمؤسسات المقدسية.
وفي 15/5، طالب البرلمان العربي بتنفيذ قرارات القمم العربية المتعلقة بالقدس لا سيما لجهة توفير متطلبات عمل صندوق القدس والعمل الجاد لدعم صمود الشعب الفلسطيني مع التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بأشكاله كافة.
وفي السياق ذاته، دعا البرلمان المغربي إلى كسر الحصار عن مدينة القدس المحتلة وذلك في إطار تأكيد المواقف المبدئية والثابتة للمغرب في دعمه لكفاح الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس. كما دعا رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب المغربي، عبد العزيز عماري، إلى دعم مشاريع الإعمار والتنمية التي تشرف عليها وكالة بيت مال المقدس وتخصيص حصص كافية في وسائل الإعلام للتعريف بمعاناة المقدسيين وبتاريخ المدينة المقدسة.
كما دعا الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، أكمل الدين إحسان أوغلو، أجهزة المنظمة للاستنارة بالخطة القطاعية الخاصة بمدينة القدس المحتلة التي كان تبناها وزراء خارجية دولها، وجرى الاتفاق مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على ضرورة دعم الدول الأعضاء لها. وتدعو الخطة، كما قال أوغلو في كلمته خلال اجتماع التنسيق السادس لمؤسسات منظمة التعاون الإسلامي في جدة في 16/6، إن الخطة تدعو إلى دعم القطاعات الحيوية المختلفة في المدينة من صحة وتعليم وإسكان وغيرها في مواجهة محاولات الاحتلال الإسرائيلي تهويدها وتهجير سكانها.
ومن ماليزيا، وفي إطار افتتاح فرع مؤسسة القدس الدولية في كوالالمبور، تم الإعلان في 20/6 عن عزم الحكومة الماليزية تمويل عمليات تشييد المباني وشراء المعدات اللازمة لكلية علوم الصحة في معهد القدس الدولي في مدينة القدس بتكلفة خمسة ملايين دولار أميركي كما وعد رئيس الوزراء الماليزي مشاركة اهتماماته مع مجلس الوزراء وبعض الماليزيين، وخاصة رجال الأعمال، لدعم بناء مدارس مختلفة في القدس التي تواجه نقصًا في القاعات الدراسية.
ويبقى التذكير أنه في ظل الاستنزاف الإسرائيلي المتواصل للمقدسيين وللقطاعات المختلفة في المدينة فإنه من اللازم التأكيد على وجوب ترجمة الدعوات إلى دعم القدس تنفيذًا فعليًا على أرض الواقع. فالدعوات لدعم المقدسيين وتعزيز صمودهم تفوق التنفيذ ولا تزال تحتاج أن تتبلور مشاريع فعلية تلبي حاجة المقدسيين إلى مختلف الخدمات في شتى القطاعات من أجل النهوض بالاقتصاد والتعليم والصحة والإسكان وتحسين أحوال المقدسيين بدلاً من تركهم يعانون تضييق الاحتلال وغياب الدعم الفعّال.
يتبع[/align]
|