عرض مشاركة واحدة
قديم 31 / 05 / 2008, 45 : 03 PM   رقم المشاركة : [1]
د.محمد شادي كسكين
طبيب أسنان - شاعر وأديب - مشرف منتدى السويد - الفعاليات الإنسانية والمركز الافتراضي لإبداع الراحلين

 الصورة الرمزية د.محمد شادي كسكين
 




د.محمد شادي كسكين is just really niceد.محمد شادي كسكين is just really niceد.محمد شادي كسكين is just really niceد.محمد شادي كسكين is just really nice

رحيل الشاعر والمفكر الكبير علي شلق

رحيل الشاعر والمفكر الكبير علي شلق

بول شاوول
برحيل الشاعر والمفكر والكاتب الكبير علي شلق سقطت قامة شاهقة، وريفها كثير، وخصبها متعدد، ونضوجها على نضارة لم تذبل على امتداد تاريخ حافل بالعطاء، وبالتجدد، وبالخروج الدائم من تجربة الى اخرى، ومن محطة الى محطة.
خسرنا الكبير علي شلق، والصديق، الذي كان لحياته كلها ان تحفل بالمدهش، وبالصفاء، وبركوب المجازفات الابداعية والفكرية.
ابن التنوير، وابن النهضة، وابن الحداثة، وابن العروبة المتفتحة؛ طالع أبداً من ذلك الارث العريق لكن على محاججة، ومن تلك الجدة لكن على اختراع، ومن ذلك التجاوز لكن على اجتراح.
المتنور اضاف الى التنوير ما يغذي شمسه، والنهضوي، اصطفى من النهضة ما جعلها لصيقة الذات ومتخطية الى آخر ما تصيبه من تمازج، وتلاقح، والحداثي، الذي لم تكن له مناسبة او ميراثاً ـ جاهزاً بقدر ما كانت معطى يتفكك ليعاد صوغه، وابتكاره على مساحات غير محدودة.
تآخى والرمزية من طرفيها العربي والغربي، فكانت معه "شلقية"، انصهرت في قصيدة مجدولة على شفافية، غنائية على صرامة، رومانسية على ايحاء متينة على انسياب، أليفة على غربة: كمر الجناح على فضاء مليء بالمجازات والرموز غير المقننة، والمفلتة.
شاعراً، أعطى الشعر معاني النبل: أي معانيه الأصلية، ومعاني العلو، والارتقاء، والالتزام غير "المتحزب"، والذاتية المشرعة، فهو ربيب الخصب الارثي بقدر ما هو ربيب الخصب العالمي: قارع الكبار بنصوصهم ومفاهيمهم كاليري، ومالارمه، ورلين امتداداً الى أبي تمام والمتنبي وصولاً الى نكهة الأندلسيين ليجعل من نصه ما يغادر كل ذلك الى حواسه.
فهو بامتياز شاعر الحواس لكن المجبول بتأملية طرية تجافي الارشاد والوعظ والأفكار الجاهزة، هو الذي حوّل الادراكات الفكرية الى احداس شعورية ونفسية، ضمن تجربة أعدمت كل ثنائية، أو خلخلة، أو اهتزازاً: كالهواء أحياناً يطوى على الهواء، وكالعاصفة تجتاح اللغة، وكالنسمة تداعبها.
والصديق الكبير الجميل، أو فلنقل الفتى الأشيب، كان أخا الفكر، وبالهاجس الشعري الحلمي اقتحم الفلسفة، والعقلانية في ابحاث ومقاربات وهو أمعن بمشرط العقل المنقشع، المتحرر، الكاسر السقوف الواطئة، والجدران الغيبية، والمصطلحات الجامدة، والتقاليد الميتة، ليجعل من الفكر اداة لتغيير العالم والواقع، بحيث انه أنزله من كاتدرائياته الاستعلائية الى عمق الواقع، وعمق الحياة. كل ذلك بقلق عارم، لا يهدأ، ولا يكل، ولا يتبلد عند حجة، أو مذهب فكري، أو مترجمة ذهنية؛ قد كل شيء بالنسبة للكبير علي شلق كان محطاً لشيء آخر، لسيرورة أخرى، لمجهول آخر. هذا القلق الذي أقضّه منذ شبابه لم يفتر، ولم يشح، فقد لازمه شباباً دائماً في مطالعه حتى تسعينه... ابن التسعين علي شلق هو ابن العشرين، فمن أين جاء بهذا التدفق" والخصب، والطلوع دائماً: كانه يعيش في ينبوع دائم، أو يبزغ من فجر ان صار ظهراً فلكي يزداد فجراً أو صار مغيباً، فلكي يزداد شموساً.
الشاعر، والمفكر، علي شلق، الحبيب والرائد والمنارة، هو المسرحي الذي يمسرح الأفكار العالية، بحسّ درامي صعب، يذكر بالكبار: بـ"مسيو تست" أو "فاوست كما اراه " لاليري: حيث مسرحة الأفكار تصب في مسرحه العتمة داخل الأعماق. ومن شعرية حساسة، وفكر منقشع، ومسرحية حية، قارب النقد: فيا له من ناقد رمى وراءه كل المدارس والمذاهب النقدية الجاهزية ليكون النقد معه مغامرتين: مغامرة الشاعر تضاف الى مغامرة النص. أو مخيلة الشاعر الناقد تضاف الى مخيلة القصيدة. جعل النقد حراً كالمخيلة، خارج الاحداثيات، والعصبيات السياسية والايديولوجية، فالفكر الحر، والشعر الحر (وهو من أربابه)، والنقد الحر، أعطى هذه المسافات غير المعلنة من الكشف، والمبادرة، والاجتراح...
كأن الحبيب علي شلق ما أراد أن يذهب ويترك وراءه كلمة لم يقلها. كأنما عزّ عليه، وهو في التسعين ألا يكون مبادئاً، حتى في آخر أرماقه. وآخر أرماقه شعر وقلق، بل كأنه أراد أن يرافقه هذا القلق الى ما وراء الحياة.
فإذا كانت الحياة كل هذا القلق فما بالك بالموت: سر الاسرار، ولغز الالغاز، وعلي شلق أراد أن يكون سراً لا تتفتح مغاليقه حتى آخر لحظة من لحظاته.
فيا أيها الحبيب خسرناك. وخسرتك صديقاً، ورائداً، لكن من أعطى ما أعطيت يكون غيابه أسطع من شمس الظهيرة، أنقى من فجر ربيعي، أعمق من عتمة مضيئة.
بول شاوول

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
د.محمد شادي كسكين غير متصل   رد مع اقتباس