في تعليق حروف الجر - نظرة على المصادر والمشتقات
نتحاشى أحياناً الاقترابَ من بعض المفاهيم التي نجهلُها، وقد ظهر ذلك عندي جليّاً في حروف الجر:
كنت أسمعُ دوماً عن ضرورة تعليق حروف الجرّ، وللحقيقة فإن هذا المفهومَ لم يكن متمكّناً في ذهني بوضوح، بل وكنت أتجنّبه في الإعراب.
اكتشفت لاحقاً بأن هذا المفهوم يسيرٌ، بل ممتعٌ كذلك، فلا علاقةَ له بالنحو والإعراب بقدْر ما له علاقةٌ بمعنى الجملة.
يكوّن حرف الجرّ (الجارُّ) مع اسمه المجرور شبهَ جملة، وهذا هو السبب الأساسي الذي يحتاج بسببه كلُّ حرف جر إلى تعليق.
حروف الجرِّ تدلُّ على معانٍ مبهمة، فعندما يُذكَرُ حرف الجر (على) مثلاً يتبادر سريعاً إلى الذهن وضْعُ شيءٍ فوقَ شيء، مكانيّاً أو معنويّاً، وبجرِّه لاسمٍ كـ (الأرضِ) فتنتظمُ في الذهن صورةٌ واضحةٌ للمكان الذي هو (على الأرض) لكنْ خاليةً من الحدَث أو مِمَّن قام بالحدث.
تتعلّق حروف الجر بالأفعال بشكل رئيسي، إذ إن الفعلَ في اللغة العربية يتميّز بتضمُّنِه للحدث والزمن معاً، فنقول: وقع الطفلُ على الأرض: نقول إن الجارَّ والمجرور متعلقان بالفعل (وقع): ويفيدنا ذلك بأنّه حدَثَ وقوعٌ على الأرض.
أما إن خلت الجملة من الأفعال، فننظر في الأسماء التي تعمل عمل الفعل أو تدل على الحدث مثله، كالمصادر والمشتَقّات.
المصادرُ هي أصولُ الكلمات في اللغة العربية، ولها صِيَغٌ مختلفةٌ يعالجها علمُ الصرف بشكل تفصيليّ. وما يميزها عن بقية الأسماء كونُها مجرّدةً من الدلالة الزمنية، فعندما نقول: (وقوع) فإننا نتخيل شكلاً ما للحدث لكننا نجهلُ زمن وقوعه أكان في الماضي أم في الحاضر أم في المستقبل.
تُوَظَّفُ المشتَقّاتُ كذلك في تعليق حروف الجر بها، فهي في أغلبها تدل على الأحداث، ولتوضيح معنى مصطلح (المشتقات) دون سرد أنواعها نقول ببساطة: كلُّ ما لا يدلُّ على اسمٍ جامدٍ (أي مجرَّدٍ من الحدث كـ قمر - شخْص - امرأة - مدرسة - باب...) وما ليس بمصدرٍ فهو من المشتقّات.
حاولْ من خلال قراءة هذه الأمثلة تحديدَ ما يتعلق به حرف الجر:
- نجحت في امتحان اللغة العربية.
- الجرْيُ في الصباح مفيدٌ للرئتين.
- تقدّمْتُ إلى مسابقةٍ خاصّةٍ بوظيفةٍ حكومية.