دندنة حول كلمة أخي أمير حُسْن الكلام الأستاذ حسن سمعون:إمضاء على الشاهد
الشعر بصفة عامة ،بوحٌ يتخذ غالباً شكلاً محددَ الأبعاد ،ويختلف تماماً عن الخطاب السياسي المباشر .ولذلك كان فن الرجز في الجاهلية فناًّ آخر غير الشعر ،استعمله الأدباء في كافة الأعمال التي تتطلب حماساً وحركةً وجهداً ،كالحروب والمنازعات بين القبائل ،وأثناء متح المياه من الآبار ،وحداء الإبل..،حتى طوَّله الرُّجاز في العصر الإسلامي، فتحدثوا من خلاله عن كافة المواضيع. وقيل إنه الصورة الأولى للشعر العربي.
وهذا مدخل بسيط ،للحديث عن الفرق بين آفاق الشعر ،وبين كافة أشكال الخطاب الأخرى .فنحن إن قارنَّا بين شعر حسان بن ثابت في الجاهلية ،وبين شعره في الإسلام ،نجد أن حركة شعره في الإسلام ،تحمل طابع السجال الشعري ،فهو الناطق الرسمي للدعوة ،وهو شيء آخر غير( الشعر )، وإن أخذ لبوسه ،ولا دخل لذلك بقوة الصياغة ومتانة العبارة.
وأخي أمير حُسْن الكلام ،الأستاذ حسن سمعون ،عندما أراد الحديث عن( عقم ) القوالب الجاهزة للفكر ،وتوقه إلى كَسْر بدائية التقاليد ،بالعودة إلى الينابيع الصافية الأولى ،لم يتحدث عن ذلك كله بكل مباشر ،بل صاغ كلامه بطريقة مدهشة ،تُجْبر المتلقي للتفكير لفَتْح بوابات العقل المُرْتجة ،فالنور أمامنا سهل قريب .. ولذلك اختارعَلَمين بارزين ،من الشرق ومن الغرب ، للتدليل على أن مواجع البشر واحدة .
فاختار غاليلو غاليلي 1564 م- 1642 م وهو عالم فلكي وفيلسوف وفيزيائي إيطالي ،حاربته الكنيسة الكاثوليكية ،عندما أثبت أن الأرض ليست مركز الكون ،وأن القمر ليس مسطحاً ،وبقي منفياًّ في بيته حتى وفاته.
واختار أبا العلاء المعري أحمد بن عبد الله 973 م- 1057 م رهين المحبسين ،الفيلسوف الشاعر ،الذي التزم بقرار عزلته تسعاً وأربعين سنة ،لم يخرج خلالها من داره سوى مرة واحدة .
مصيحاً بصوت عال آمل :اكسروا كلَّ ( تابو ) مقدس ،واحتمُّوا بنور الشمس ونور الغد ،ليمتاز الصواب عن عادة الخطأ ،قائلاً:
والأرض ساخرة تدور
فالقبو مازالت نوافذه
تزاور شمس من صهلوا
.. زرعوا رخاماً للضريح
وألقموني حفنة
حتى هنا
حشروا بفيي عنوة
جبساً وصلصالاً
..لايأكلون سوى
عظام شابها
خزف وأوراق وطين
فاستعمل بذكاء ودراية إيحاءات مفردات سورة الكهف ،وما تحمل من دلالات :( تزاور شمس من صهلوا ) في إصباحات ثورة الفتية وتوقهم إلى الحرية ،وظلم الحاكم وجوره .
وشدة اعتناء الناس بزيف المظاهر، دون الاهتمام بقيمة الأصل والجوهر :
( زرعوا رخاماً للضريح ) والرخام جميل المنظر، لكنه بارد لا حياة فيه.
والناس لا يأكلون سوى بقايا مُثُل شابها خزف ( والخزف رائق الصورة ، لكنه سريع الانكسار ) وأوراق وطين ( والطين إشارة إلى أرضية الإنسان وكثافة شهوته ،بلمح ذكي يشير إلى بداية الخلق الأولى ).
فأبدع، وهذه عادته ،وأجاد ،وهذه عادته .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|