رد: حوارنا الأدبي المفتوح مع الأديب الأستاذ خيري حمدان
الأديب العزيز عادل سلطاني، أهلا بك مجددًا ونعود لأسئلتك الزخمة التي تحتاج للكثير من التمعّن.
هل تعتقد أن الخطاب الأدبي العربي وصل إلى مرحلة النضج لإنتاج نظرية عربية أدبية رائدة؟
أعتقد بأنّ الخطاب العربي في حالة مستمرة من الصراع والبحث عن صورة وإطار خاص به، ويعاني حاليًا من تبعات الربيع العربي والمفاهيم التي قد تتمخض عن الثورات المتتالية، لأنّ الأدب العربي ليس بمعزل عمّا يحدث من تغييرات متتالية في هذا الوطن. أرى بأنّ الأدب العربي يتمكن من بلورة نظرية متكاملة في فترات مختلفة، نتيجة لنضوج أجيال جديدة من الأدباء يعملون على تجديد النظريات الآنية ويبقى البحث عن آفاق جديدة متواصل، لأنّ الفكر ومحاكاة الواقع المتغير عملية متواصلة ومتجددة. لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار المنجزات السابقة وتراكم المعرفة وعدم إنكار أو التنكّر لما توصّل إليه السلف.
ماهي الآفاق الأدبية المفتوحة على المجهول التي يتوق أديبنا المتميز إلى اختراقها على مستويي التجربة والممارسة؟
كلّما أنجزت رواية أجد نفسي أمام تحدٍ جديد، في الرواية الأخيرة "مذكرات موسومة بالعار" على سبيل المثال، يجد بطل الرواية نفسه في الجزء الثاني في البداية رجل أعمال، ثمّ يُدعى لإجراء عملية جراحية في الدماغ شديدة التعقيد، ويجد نفسه في حيرة من أمره، فكيف يمكن له أن يفتح دماغ رجل وهو القدير على رصد الأسواق وتحقيق الأرباح حين يخسر الجميع، يجد نفسه في بعد ذلك في جدل صاخب مع الذات الكامنة للرجل القابع أمامه في غرفة العمليات، كاشفًا عن أسرار تخصّه وتخصّ والدته، بعد ذلك يجد نفسه وقد أصبح فنانًا تشكيليا وهكذا. بطل القصّة في حالة من البحث المتواصل عن الذات لذا جاء هذا التغيير في المهن بشكل متواصل. وأتمنى أن ترى هذه الرواية النور يومًا، علمًا بأنّني قد كتبتها باللغتين العربية والبلغارية. أمّا التحدّي الجديد فيتمثّل في محاولة فهم المرأة لفرادة كينونتها، روايتي الجديدة تحمل عنوان "البحث عن حوّاء". المراحل الجديدة بشكل عام تعتبر تحدّ للكاتب وكلّما اعتقد بأنّه قد وجد ضالته سرعان ما يجد أمامه ضالة أخرى وتحديّات جديدة متتالية.
إلى أي مدى يطبق أديبنا مقص الرقيب على أعماله الأدبية حينما يتعلق الأمر بالمسكوت عنه اجتماعيا؟
إلى مدى محدود للغاية، أعتقد بأنّني متمرّد وأرفض غالبًا الخضوع للرقابة الذاتية، لكنّها متواجدة وموجودة ولن نتمكن من الهرب منها، بل نحاول الالتفاف عليها. الرقيب الذاتي هو الأقوى والألعن فهو باقٍ في تلافيف الدماغ، يسترق الفرص المواتية ليظهر ويضرب بقبضته حالة الانطلاق محاولا كبح الطيران فوق المألوف والتقليدي. أشكرك على هذا السؤال أخي عادل.
ماهو النص المستشرف الذي يتوق أديبنا إلى كتابته ولم يكتبه بعد؟
كلّ نصّ مقبل قابع في الذاكرة يفرض حالة من التشوّق، ويحاول خرق الغشاء الخارجي للذاكرة لتحطيم حالة التقوقع المقيتة ليفرض ذاته على أرض الواقع. أتوق لكتابة مسرحية عايشت أحداثها قبل بضع سنوات، كنت عاائدًا من بروكسل، فاتتني الطائرة وقررت السفر إلى بوخارست بدلا من صوفيا، والتي لا تبعد سوى 80 كيلومتر عن أولى المدن البلغارية "روسي" الواقعة على نهر الدانوب. في البداية صاح أحد أصحاب العربات المتواجدة في بهو مطار بوخارست "بلغاريا بأسعار معقولة" قالها بالبلغارية، وكنت متعبًا، لكن توضّح لي بأنّه لا يعرف سوى هذه الجملة اتفقت معه بالانجليزية أن يقلني لمدينة روسي، لكنّي شعرت بالقلق حين وجدت بأنّ سيارته خاصة وليست عربة أجرة، عندها اتصلت بابنتي وأخبرتها بالانجليزية رقم السيارة وكنت قد كتبته قبل الصعود إليها. ساعدني هذا الشأن بالوصول ليس لمدينة روسي ولكن إلى نهر الدانوب المطلّ عليها بأمان. بعدها ركبت عربة أخرى لأجد نفسي قد وصلت مدينة أشباح بكلّ معنى الكلمة. القطار التالي من روسي إلى صوفيا بعد خمس ساعات ولا حافلة أو طائرة أو أيّة وسيلة مواصلات بديلة. لا يمكن أن تتخيّل الأثر الذي تركه الانتقال من الاشتراكية إلى اقتصاد السوق. لقد هاجر نتيجة لهذه العملية قرابة 3 ملايين بلغاري من خيرة هذا الشعب، وانقرضت خلال عقدين من الزمن قرابة 200 قرية عن وجه الخارطة في البلاد. الأحداث الدرامية التي عايشتها بانتظار انطلاق القطار تستحقّ الكتابة. أذكر كذلك بأنّ درجة الحرارة في القاطرة بلغت قرابة 50 فوق الصفر، بينما انحدرت على الرصيف إلى 10 تحت الصفر، وذلك لخلل في صمّام الأمان الذي كان يجب أن يوقف التدفئة حين وصولها إلى 25 درجة. وحين طالبنا بوقف التدفئة انحدرت درجة الحرارة إلى الصفر تدريجيًا، ووجدنا أنفسنا مرضى عند وصولنا لصوفيا بعد ثماني ساعات.
على تخوم الأدب تقوم ممالك وتندثر أخرى هل لنا أن نعرف الملكة الفاضلة الحمدانية التي يصبو مبدعنا الأديب إلى إرساء دعائمها ؟
مملكة ديمقراطية تتيح الحريّات العامّة لفئات الشعب المختلفة، مملكة تقسم خيراتها بين أبناء الشعب ولا تسمح للعائلات الحاكمة وللقادة الشموليين نهب مليارات الدولارات وتحويل إيرادات البلاد لحساباتهم الخاصّة. مملكة تحترم كرامة الإنسان وليس بالضرورة أن تكون فاضلة أخي العزيز عادل. لا يمكن التوصّل إلى الكمال لكن يمكن تحقيق العدالة.
كيف ينظر مبدعنا إلى الخصوصية اللغوية وهل ستصمد اللغات الخاصة وإبداعاتها الأدبية المختلفة في عصر العولمة السريع المتواتر؟
نعم، وأرى إقبال كبير لتعلّم اللغة العربية حتّى باللهجات المختلفة ما يدلّ على أهميّة التراث العربي، والموروث الكبير للمخطوطات العربية. العولمة قادرة على هضم اللغات وفرض مقياس موحّد لكن اللغات الحيّة ومن أهمّها العربية قادرة على البقاء وإثراء الحضارات المختلفة.
شكرًا لحضورك أستاذ عادل، وأعتذر إذا كانت بعض الإجابات مختصرة نسبيًا لكن كما ترى هناك الكثير من الأسئلة.
|