عرض مشاركة واحدة
قديم 12 / 02 / 2013, 35 : 01 PM   رقم المشاركة : [69]
خيري حمدان
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم

 الصورة الرمزية خيري حمدان
 





خيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond repute

رد: حوارنا الأدبي المفتوح مع الأديب الأستاذ خيري حمدان

مقطع من روايتي "مذكرات موسومة بالعار"

مذكرات موسومة بالعار

خيري حمدان



الكتاب الأول

هؤلاء ليسوا أنبياء



* * *

كنت منهمكًا في الحرث، لم أعر الأصوات المتصاعدة من حولي أي اعتبار، العرق يتصبب من جبيني وفي الأنحاء لا ماء ولا طعام، كأني سقطت وسط صحراء جرداء يستحيل استصلاحها! لكنّي مضيت في غرس سنّ المحراث في التربة. دفعني بطرف يده وصاح:
- أنت لا محالة مجنون! كيف يمكنك أن تستمرّ في حرث البحر يا فتى؟
نظرت من حواليّ، هل أنا وسط مياه البحر كما ادّعى صاحبي سليمان! أشحت بوجهي عنه ومضيت أشق الطريق من حولي، بعد شهر ستنبت هنا وردة!
- يخرب بيتك يا صالح، أنظر من حولك، كيف لم تغرق حتى اللحظة؟ هل يمكن زرع البحر يا رجل؟

إذا كنت أزرع البحر فكيف اختفت الأمواج! هنا لا أثر لصوت تلاطمها، كما أن قدمي جافتان .. فقط سروالي ابتلّ بالعرق!
- أنا كما ترى غير مبتلّ - كيف يمكن أن أكون كذلك وسط مياه البحر يا سليمان؟ هو سروالي فقط الذي ابتلّ من العرق المتفجّر من ينابيع جسدي.
- أنت حتى دون سروال يا رجل! توقف عن حرث البحر قبل أن تفاجئك أسماك القرش الفتّاكة، والله أخشى عليك من الجنون أيضًا، عجبي من هذا الزمان!

ابتعد سليمان عن المكان، طلبت منه العودة، استحلفته بالله، بأغلى ما يملك كي يعود، لعلّه يوضّح لي ما فاتني في هذا اليمّ!

كيف يمكن لي أن أتأكد من أنني أحرث حديقة بيت والدي التي ورثتها عنه بعد أن أصيب بمرضٍ عضال قبل ما يزيد على عشر سنوات؟ لا أثر للأخاديد التي أنجزتها في محيط المكان..يمكن لها أن تختفي إذا كانت سائلة فقط، هذا بالضرورة يخدم نظرية سليمان وفحواها - بأنّني أحرث البحر بعناد جحش قبرصيّ على حدّ تعبيره!

توقفت بعض الوقت عن الحرث، ألقيت برأسي فوق الوسادة لأستريح قليلاً، لكنّها غاصت، شعرت بالماء يتسلل إلى أذنيّ، إذن هي المياه طفقت متسللة إلى عالمي الجافّ، أنا أكره المياه فكيف يمكن لي أن أكون ضحية لما يحاول سليمان أن يفرضه عليّ كواقع لا يمكن تجاوزه أو الاحتيال عليه. على أيّة حال إذا كنت وسط المياه محاولاً عبثًا حرثها بعناد جحشٍ قبرصيّ، فكيف يمكن أن يخيّم كلّ هذا الصمت من حولي؟ هناك أمرٌ خاطئ يستحيل فهمه يا عالم. رفعت رأسي بسرعة من المياه المتدفقة أصبت بالفزع، حاولت القفز بعيدًا عن الفخّ الذي نُصِبَ لي، إنه الكابوس الذي سأستيقظ منه في اللحظة الحرجة، ثمّ سأذهب لأصنع القهوة وأقف عند أصل الشرفة المطلّة على البحر. هناك فارق كبير - أن تطلّ على البحر وأن تسبح فيه، فما بالك بمحاولة حرثه! تذكرت نصيحة قدمها لي أحد المعارف بل ربّما قرأتها في أحد الكتب، جاء في النصيحة بأنّ ما تخشاه ستقع ضحيته يومًا ما. أنا أخشى ذاتي وأفكاري وأعلم جيّدًا مدى قسوة خيالي وتخيلاتي. تُرى، هل من الممكن أن أكون قد تهت في عالمي الداخلي، أن يكون البحر الذي أحرث أخاديده هو الذي خلقته هواجسي؟ إذا كان الأمر كذلك فكيف يأتي الخلاص؟

استيقظت على صوت صفية التي كانت تهزّ كتفي بعنف صائحة:
- ألم تعدني بحرث الأرض وزرعها بالورد يا صالح؟ قم يا رجل انتصف النهار.
حمدت الله كثيرًا بعد أن أدركت بأنّني كنت أهذي ولا وجود للبحر من حولي. ذهبت صفية إلى المطبخ ومضيت نحو الأرض الممتدة أمامي. لوهلة سمعت أمواجًا تتلاطم عند الصخور الناتئة القاتلة الباردة الصلدة. أفضّل حرث الصحراء ومحاولة زرع حياة في رحم عقيم. نظرت إلى الخلف كان البيت قد ابتعد، لم يعد هناك أيّ أثرٍ لصفية. من هي صفية؟ نسيت من تكون هذه المرأة. صاح سليمان صائحًا:
- إنها زوجتك يا رجل .. كيف يمكن لك أن تنسى زوجتك؟ يا له من زمن!
- أين اختفيت يا سليمان؟
- مدّ لي يدك يا صاحبي، أكاد أغرق..المياه من حولي تبتلعني. صالح..صالح!

قد يكون سليمان غرق وانقطع صوته، هذا غير مهمّ، المصيبة تكمن في حضور البحر وتقدّمه نحو صحرائي. لن أتخلّى عن صحرائي الأثيرة على القلب، لا يمكن لأحد فهم الصحراء مثلي أبدًا، أنا مسكونٌ بالصحراء، لا أخشى أفاعيها المنتشرة تحت الصخور مستظلّة من حرقة الشمس في انتظار وليمة.

كانت تحدّق بي بشبق واستهتار، كشفت عن أنيابها كانت على وشك الانقضاض عليّ لتنهش جسدي وتضخّ ما تيّسر من سمومها الفتّاكة! هربت في الاتجاه الآخر، كنت أسمع صوت فحيحها واندفاعها نحوي، هل يمكن لها أن تضيع هذه الفرصة النادرة لالتهام فريسة بهذا الحجم. وزني يبلغ حوالي تسعين كيلوغرامًا، ما يكفي لإسكات جوعها لبضعة أيام، كما إن سرعتي مقارنة بسباحتها بطيئة للغاية، كانت قدماي تغوصان في الرمال المنسكبة من حولي. صحت بملء فمي" أفضّل البحر، لا أريد أن أقضي في جوف أفعى لعينة!"

ضحكت الأفعى، "كيف يمكن للأفعى أن تضحك؟ أنت مجنون" صاح سليمان! الأفعى تسبح بسرعة كبيرة في المياه، ها أنا قد عدت إلى جوف المياه ثانية. هذه المرّة ليس من أجل حرث المياه وزرع الورود التي وعدت بها صفية لكن هربّا من الأفعى. همست الأفعى مبتسمة: لماذا تهرب منّي..أنا صفية المشتفية! أنا زوجتك العقيم لكنّي بالرغم من هذا أحبّك..صدّقني! كنّا قد خططنا لعائلة لا يقلّ عدد أطفالها عن ستة ما بين أولاد وبنات، لكنّ صفية غير قادرة على حمل قطيطة أو أيّ نوع من أنواع الحياة البدائية.
- أنتِ لستِ صفية بل أفعى تسعى لالتهامي، لن أسمح لكِ بهذا.
- يمكنك إذًا أن تستمرّ في حرث البحر يا صالح.
الخيارات واضحة إذن، اليمّ أو الأفعى التي أخذت تقترب منّي مع انقضاء الوقت، حتى بتّ أستشعر طعم وأثر السمّ الزعاف المتجمع حول أسنانها كقطرات الندى، سأحفر البحر، لقد قررت!
خيري حمدان غير متصل   رد مع اقتباس