رد: حوارنا الأدبي المفتوح مع الأديب الأستاذ خيري حمدان
أهلا بك مجددًا أستاذ عادل سلطاني سأردّ على جزء من أسئلتك القيّمة ولي عودة لباقي الأسئلة في وقت ثريب بإذن الله.
هناك علاقة جدلية بين المثقف والسلطة ، كيف يقرأ أديبنا المتميز هذه العلاقة ؟
ستبقى العلاقة جدلية بلا شكّ لأمد طويل، لأنّه من الصعب قبول السلطة لطروحات المثقّف وآرائه جميعها طوال الوقت. قد تكون هناك مرحلة مصالحة مؤقتة ما بين السلطة والمثقّف، يتمكن من خلالها المجتمع من تحقيق التقدّم المطلوب، لكن سرعان ما تتغيّر الأوضاع خاصة إذا توفّرت البيئة للحكم الشمولي حال تغييب المؤسسات المدنية. المثقّف يستقرئ المستقبل ويستشفه ولديه دائمًا الكثير من الحلول ولكن لا يتوفر لديه القرار أخي عادل، القرار يتوفّر لدى القائد السياسي، ويمكن للمثقّف أن يضع بين يدي القائد هذه الحلول. المثقّف الحقيقي يحتاج كذلك لرسالة وإذا تمكّن من تحديد أطرها تصبح المسألة أمامه سهلة للغاية. أذكر خلال ثمانينيات القرن الماضي بأنّ عددًا كبيرًا من الأدباء والشعراء لم يتوقفوا عن الشكوى من ضغوط الحكم الشمولي الاشتراكي وعدم تمكنهم من إصدار مؤلفاهم بسهولة، لكن بعد التغييرات الشهيرة مع بداية تسعينيات القرن الماضي، أصدر عدد كبير من هؤلاء الكتّاب مؤلفهم الأول وتوقفوا عن الكتابة ثمّ توجهوا للتجارة وجمع المال، ولم يعد لديهم شكوى لأنعدام الرسالة! رسالة فئة كبيرة من هؤلاء المثقفين لم تكن حقيقية واستمرّ فقط بالكتابة القادرين على العطاء من المبدعين
إلى أي مدى يرى مبدعنا سلطته داخل " النص " وهل يشكل هذا الأخير سلطة حقيقية؟
يمتلك الكاتب السلطة على النصّ حين يتقن أصول الكتابة ومبادئها في المجالات المختلفة، فكتابة المسرح تختلف عن كتابة القصة القصيرة أو الرواية. من جهة أخرى، يجب على الكاتب أيضًا أن يتقن الحدّ الأدنى من قواعد الإملاء والنحو كيلا يبدو نتاجه هزيلا. قد يتمكن النصّ من السيطرة على الكاتب إذا كانت الشخوص ملزمة. العلاقة المتبادلة حيوية للغاية وأحيانًا يبقى الكاتب أسير نمط معين من النصوص، ومن المفيد أن يتمكن بين الحين والآخر من التخلّص من قيود النصّ بتدمير النصّ وإعادة بنائه مجددًا. مثالا على ذلك، كتبت جزءًا كبيرًا من روايتي أحياء في مملكة السرطان، لكنّي لاحظت بأنّ الطابع الوثائقي طغى بكثير على العوامل الأخرى في هذه الرواية، قطعت قرابة مئة صفحة قبل أن يتعطّل جهاز الحاسوب، كان من الممكن بسهولة ولحتّى كتابة هذه السطور الحصول على النصّ من القرص الصلب، لكنّي تركت النصّ هناك لينضج وأدركت ضرورة النظر إلى هذه القضية – المعاناة، إلى فترة لاحقة. دمّرت النصّ لأبنيه مجددًا بطريقة مختلفة ولم تخنّي الذاكرة التي تحالفت مع الوعي لأنتاج عمل أكثر إقناعًا.
كيف يتصور أديبنا شكل " النص المفتوح" في عصر العولمة ؟
هل يمكن أستاذ عادل أن يلقي ممثلا نص شكسبيري أمام الحشود بالطريقة التي كتبها شكسبير قبل قرون؟ بطريقة الإلقاء الفخمة تلك حين كان الإلقاء أهمّ وربّما كل شيء في العمل المسرحي. لا يمكن الإبقاء على هذا التقليد باستثناء مسرح شكسبير في لندن بالطبع. لذا فإن انفتاح النصّ يسمح للكاتب بالترحال بين العوالم بدون حدود، يمكنك أن تنتقل إلى الرحالة ابن بطوطة ثمّ تصعد إلى مركبة غريبة الأطوار لتنقلك إلى عالم المتنبي ثمّ تعود إلى باريس أو دمشق على متن طائرة قادرة على قطع المسافة خلال ساعات معدودة. النصّ المفنوح يفسح المجال أمام الكاتب للتخلّص من قيود الأدب، علمًا بأنّ الأدب لا يعترف بالأطر وإذا تواجدت فهي مؤقتة. آخر محاولاتي في مجال النصّ التجريبي المفتوح هو كتابة نصّ بحيث يكون المقطع الأول من البوح بالعربية يتبعه المقطع الثاني بالبلغارية مكملا لفكرة المقطع الأول. نشرت بالطبع هذه التجربة في موقع خريجي الجامعات البلغارية لأنّهم "ربّما" وحدهم القادرين على فهم النصّ بامتياز.
اسمح لي بالتوقف عند هذا القدر من أسئلتك وسأعود بعد حين لإكمال الإجابة على ما تبقّى منها.
خالص المودّة اخي عادل.
|