عرض مشاركة واحدة
قديم 22 / 02 / 2013, 54 : 01 PM   رقم المشاركة : [142]
خيري حمدان
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم

 الصورة الرمزية خيري حمدان
 





خيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond repute

:more61: رد: حوارنا الأدبي المفتوح مع الأديب الأستاذ خيري حمدان

الأديبة العزيزة هدى الخطيب

سأذكر هنا قصتي مع أحد رجال المسرح الذين قدّموا لي المساعدة للتعامل مع المسرح عن قرب، وبفضله كنت أقضي ساعات طويلة لمراقبة الإخراج ومطبخ تحضير المسرحية لترى النور أخيرًا.
الفنان بيتر سلافوف وقد غادر الحياة منذ سنوات يتميّز بطقوس حياتية غريبة لكنّها أسطورية، فلتقديم الورد لديه حكاية، خاصّة وأن العاصمة صوفيا ملأى بحدائق الورد الجميلة. هذا الفنان لا يعترف بمحلات شراء الورد وتنسيقها والورد الحرّ الطبيعي وحده الذي يستحقّ بأن يقدّم للمرأة في أيّة مناسبة تخصّها. كان قد دعاني لزيارة فنانة في عيد ميلادها، أحضرت هدية لا أذكر فحواها الآن وانطلقنا إلى المكان المحدّد. أخذ بيتر معه غليون قام بتصنيعه بنفسه، حيث حفر الأساس من شجر الجوز باعتباره مقدّس بالنسبة لمفاهيمه الخاصّة، شجر يقدّم ثمرًا بشكل الدماغ وتمضي جذوره في عمق الأرض، أدخل بعد ذلك قطعة خشبية طولية نادرة وجدها في إحدى الغابات البركانية في القطعة الأساسية للغليون، ووضع كرّة صغيرة أخرى تفوح منها رائحة المسك، وكوّر في نهاية المطاف منجل الغليون بمادّة مقاومة للحرارة، لينتج في نهاية المطاف ليس فقط غليون بل تحفة فنّية في منتهى الجمال والأصالة. وضع فيه التبغ وأشعله ثمّ مضينا إلى حفلة عيد الميلاد. في جيبه الداخليّ كان يحمل مقصًا، دار في الحيّ لعدّة مرّات قبل أن يشاهد حديقة ملأى بالزهور الحمراء طول الواحدة منها 150 سم. ورود في منتهى الإغراء والجمال. تساءلت عمّا يرغب بالقيام به قال بأنّ "جيجي - يطلق على كلّ أحبته اسم جيجي" تستحقّ القيام بخطيئة، لا قيمة للورد إذا دُفع ثمنه. دخل الحديقة وقصّ الوردة من الأسفل، بطريقة تسمح لها بأن تنمو من جديد. أشار لي بأن أتقدم ومضينا إلى المنزل الغريب. دقّ الجرس، خرجت امرأة ومن خلفها رجل، عرفوه على الفور فقد كان فنانًا محبوبًا. طلب منهم العفو لأنّه لم يقاوم إغراء الوردة، وما كان من العائلة إلى أن أصرّت على دخولنا لتناول القهوة بمعيّتهم.

الفنان بيتر يعيش في عالمه الخاص بطريقة فريدة للغاية، وقد أدّى ذلك لوفاته المبكرة بعد أن أدرك بأن التغييرات في عالم أوروبا الشرقية ليس حقيقية وأن الفنّ الذي يؤمن به بات على الهامش وليس رائدًا كما كان عليه في فورته السابقة. هكذا أطلق إشارات داخلية لجسده بأن يبدأ الرحلة نحو العالم الآخر، واستجاب الجسد، مرض وبعد معاناة مع أمراض عديدة مضى للعالم آخر حيث يتوقّع المكوث هناك مجددًا بين المعارض وعلى خشبات المسارح. في ثمانينات القرن الماضي قبل ثورة أجهزة التواصل من هواتف محمولة وما شابه، أذكر بأنّ زوجته اتّصلت بي تسأل إذا ما كنت قد رأيت بيتر خلال اليومين الأخيرين؟ أجبتها بأنّني لم أشاهده. بعد ذلك أدركت ما حدث. فقد خرج صديقي الفنان ليشتري كبريت لسجائره، لكن الوقت داهمه وانطلق إلى المسرح ليلعب أحد أدواره، بعد الانتهاء من العرض شارك في حفل عيد ميلاد أحد أصدقائه، داهمه التعب ونام في بيت صديقه، في صباح اليوم التالي كان برنامجه يتطلب المشاركة في تدريبات لمسرحية أخرى، التي استمرت لساعات متاخرة بعد الظهر. ثمّ شارك في المساء في عرض مسرحي آخر، تبع ذلك حفلة عيد ميلاد أخرى، ونوم اضطراري (في تلك الآونة لم تكن المواصلات متوفرة بشكل منتظم وجيد) في بيت الأصدقاء، تدريبات مسرحية أخرى وعرض آخر، ليعود إلى المنزل في اليوم الثالث. حين سألته زوجته عن غيابه، تحسّس جيبه وقال (جيجي، أتعرفين بأنّ البقالة كانت مغلقة، لم أتمكن من شراء علبة كبريت!) زوجته كانت متفهّمة واتصلت بالمسرح وعرفت تفاصيل برنامجه، لا أدري إذا لحق ذلك ثورة من الغيرة على أيّة حال. كتبت قصّة بعنوان علبة الكبريت فيما بعد تمثّل حكاية الفنان بيتر. كما ترون يمكن تعلّم طريقة ممارسة الحياة وتحسّس تفاصيلها الجميلة بطريقة مختلفة عن المألوف. عمليًا، لا أعتقد بأنّ معشر الرجال الآن من الكتّاب قادرين على الكذب على زوجاتهم كما فعل بيتر، لأنّ الهاتف الجوّال بات قادر على تحديد مكان وجود الزوج والتواصل معه أفضل من المخابرات - طوال الوقت يا سادة. هذه إحدى سلبيات التواصل المعاصرة.
خالص المودّة والمحبّة والمزيد من الشكر لهذا الصالون العامر بأهله ومضيفته السيدة هدى نور الدين الخطيب.

خيري حمدان غير متصل   رد مع اقتباس