رد: حوارنا الأدبي المفتوح مع الأديب الأستاذ خيري حمدان
كيف يتجاوز "النص الحمداني "الواقع المحيط الصادم ليتجاوز بدوره عقدة الاغتراب وتزييف الوعي بالذات والوعي بالممكن في واقع رديء يحاصر المبدع من كل جانب؟
أخي العزيز عادل، نصّي حالة متراكمة من الصدامات مليء بالألم والأمل، أمّا الاغتراب فهو محرّك للمخزون العاطفي وقد خدمني كثيرًا للغاية. الوعي متواجد في نفس وروح ووجدان كلّ أديب ومبدع ولكن يمكن تطويره من خلال القراءة والتجريب والنفاذ إلى الحقائق الممكنة. أحيانًا يلجأ المبدع لتزييف الوعي، وأحيانًا يقوم الوعي بفرض حالة مزيّفة مثل النيكوتين الذي يقنع الدماغ في مرحلة مبكرة من التدخين بأنّه ضروريّ ومفيد وبالتالي يعمل الدماغ على بناء جسر مباشر مع الحواس لقبول النيكوتين، هذا هو الإدمان من الناحية العلمية. لذا فإن زيف الوعي وارد بهدف الخلاص والتخفيف من حدّة حضور الواقع المؤلم. هذا الزيف قد يخلق حالة إبداعية أجدها شخصيًا متمثّلة بالكوميديا السوداء.
النص الجاد في رأيي يهدم واقعا مرفوضا لإعادة بنائه على مقاسات المبدع وحلمه كيف يبني مبدعنا واقعه المفارق في عالمه الإبداعي على مستويي التجربة والممارسة ؟
أدرك مفهوم النصّ الجادّ، ولكن ما معنى النصّ غير الجادّ، هل هو الهزلي؟ النصوص غير الجادة هي التي قتلت النت العربي وسمحت لنشر كمّ كبير من الخرافات والسيّء والمجاملات القاتلة حتّى أصبحت هامات كبار الكتّاب والأدباء غير مرئية أو محسوسة. حتى بات بإمكان أيّ متحذلق الاستهتار بكبار الكتّاب كي يرتفع هو بهامته المتدنّية. جميع النصوص الجادّة هي محاولة لهدم الواقع ورفضه من خلال فضحه بالطبع، مع تقديم صورة بديلة وعدم الوقوع في دهليز ودوّامة النقد من أجل النقد، بل الإشارة لبصيص الضوء الذي يمثّل الخلاص أو بدايته وهذا أضعف الإيمان.
كيف يستشرف مبدعنا النص الملاذ في عصر عولمي يخنقه التغيير المتلاحق السريع المتواتر؟
لا أحبّذ الركض وراء المتغيّرات، ولكن يمكن الاستفادة من التجديد في الفن والأدب. كتبت نصًا تجريبيًا قبل فترة وجيزة بحيث بدأت بكتابة الفقرة باللغة العربية وأنهيت الفكرة بالبلغارية، وهكذا يستحيل فهم النصّ دون معرفة اللغتين، ونشرته في مجموعة خريجي بلغاريا في الفيس بوك، واستمتعوا بقراءتها. يمكن للأدباء أن يقوموا بمثل هذه التجربة بمزج العربية بالفرنسية أو الإنجليزية. لذا فإن الهرب من التغيير لا يعني بالضرورة الخلاص من حالة الخنق المتمثّلة في العولمة، بل استخدام العولمة من أماكن ضعفها.
هل سيكون نصك الملاذ مصدا قيميا مرجعيا جماليا راسخا يمكن ذاتك المبدعة من الصمود في وجه أعاصير العولمة العاتية؟
العولمة بحدّ ذاتها تحدّ كبير ومن العبث مواجهتها ولكن يمكن التعامل معها بموضوعية والاستفادة من الموجة العاتية مع الحفاظ على الخصوصية. العولمة تحاول هدم الخاصّ وتعميم الطابع التقليدي المتداول بحيث تستمع جميع الشعوب والأمم لنمط واحد من الموسيقى والأدب، ما يسمح بالتالي التحكّم بالشعوب على المستوى البعيد. لذا فإنّ الخصوصية والإبقاء على البعد الوجداني الجغرافي والتاريخي لعالم الأديب هو الحلّ، هذا هو الشرط المطلوب لبقاء وخلود النصّ، وهذا سرّ عبقرية تشيخوف وماركيز وغيرهم من كبار الأدباء.
أشكرك أستاذ عادل على هذه الباقة الجميلة من الأسئلة، عمت بخير وطاب مساؤك.
|