عرض مشاركة واحدة
قديم 05 / 04 / 2013, 50 : 03 AM   رقم المشاركة : [16]
زين العابدين إبراهيم
أديب روائي

 الصورة الرمزية زين العابدين إبراهيم
 





زين العابدين إبراهيم has a reputation beyond reputeزين العابدين إبراهيم has a reputation beyond reputeزين العابدين إبراهيم has a reputation beyond reputeزين العابدين إبراهيم has a reputation beyond reputeزين العابدين إبراهيم has a reputation beyond reputeزين العابدين إبراهيم has a reputation beyond reputeزين العابدين إبراهيم has a reputation beyond reputeزين العابدين إبراهيم has a reputation beyond reputeزين العابدين إبراهيم has a reputation beyond reputeزين العابدين إبراهيم has a reputation beyond reputeزين العابدين إبراهيم has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: يوم الأرض الفلسطينية - ق.ق.ج. - يكتب حكايتها الجميع نرجو الدخول والمشاركة

كان الماء يندفع بقوة، يجرف صندوقا محكم الإغلاق تتهادى ألواحه بين الصخور والأحراش، قادما من الينبوع؛ من مصنع قديم قابع على رأس الجبل، يقال: أنه كان معقلا للجن والعفاريت، بناه والي المدينة ليعاقب المارقين منهم والمعارضين لحكمه والدراويش, ظل مهجورا إلى أن أصبح يعرف بمصنع" شمعون القراب"، الرجل الذي عرف عنه الجود والإحسان، يعين الفقراء والمحتاجين والضعفاء، يهدي الهدايا والصدقات أيام السبت وأيام المحن والنكبات، لا يزده الثراء إلا تواضعا؛ سكان الحي حزنوا لرحيله، ولا غرو إن كان الصندوق يحمل بركات المصنع وصاحبه، لما أخرجه من الماء تذكر الحكاية..
كان الراوي العجوز"عبد السلام الحلايقي" يرويها بلحن الربابة الحزين:" حكاية صياد فقير، قنوع بما يجود عليه البحر به، راض بنعمه عليه حين يقول: ".. ليس للنعم أعدى من نفس العبد؛ فهو من عدوه ظهير نفسه.... رمى شباكه في الأعماق فأخرج صندوقا ظن فيه الحلي والذهب، فتحه و خرج منه العجب، عفريت مارد جبار جعله حاكما على المدينة، وأخذته العزة بالإثم والكبرياء بالقوة؛ طغى وتجبر، سلط سيفا على الرقاب وأعناق العباد وكان مصيره الهلاك.."
فماذا يحوي هذا الصندوق يا ترى؟ أهي ألواح ثوراة ؟ أو قربانا لسكان الحي ذكرى" شمعون القراب" بعد رحيله..؟
سوف يطرق باب منزله القديم في" زنقة الفقراء"، بيت آبائه وأجداده من كانوا هنا ولم يرحلوا، سوف يخبرهم أن من يهجر أرضه لا أرض له، من يمكر بوطنه تمكره الأوطان...
ليس الحب يا سيدي أن تكون مستحوذا على القلوب والعقول، إنما الحب شوق أبدي راسخ كنهر الخلود، نور لا تغشاه الظلمة، إحساس يتدفق يروي النفوس ويحيي الأمل إيمانا بما نحب، لا ينزع غصبا وقهرا، لايشترى بكنوز الأرض.. إنما يسترد بدماء زكية طاهرة عطرة..
الحب يا سيدي كلمة عزيزة غالية، من أجلها حطمت الأقفاص لترفرف الأجنحة عاليا في سماء الحرية...
لعل في الصندوق أغصان زيتون من أرض سوس؛ كان سيهديها لإخوانه هناك في حي المغاربة قبل الرحيل، بدل أمطار الصيف الحارقة... وعناقيد الغضب لقتل الأطفال والأحلام وذبح البشر والحمام، واغتيال الحب والإنسان والسلام ..
لكن لم يجد في الصندوق سوى أوراق مهترئة خربة وقنينة صفراء فاقعة.. تأبط الأوراق وتجرع ما في القنينة، تهاوت الأرض تحت أقدامه فضل السبيل، حركت فيه نشوة عارمة أيقظت رغبات كانت دفينة.. سجينة سجينة، كسرت أغلال الحياء؛ حرضته على الغناء فأنشد:

........
تبدلت الأشياء والأشكال والبشر..الناس صخور وحجر..عم الظلام في العيون لا بدر ولا قمر.. نزع سرواله أمسك بلحيته .. وسط الحي، يضحك في هستيريا ويوزع أوراق الصندوق، يعد غيران النمل وسط ساحة الحي.. يحتسي ثمالة القنينة.. مرددا في وجوه المارة " تورا..بورا.. بورا..اللي شافني تعمر بلادو قبورا.."ووزع أوراق الصندوق...
بدت نفسه كظل حزين بعيدة عنه فسألته:

- لماذا ابتعدت عني يا صاحبي والظلام لم يحن بعد.. ألم تر أعمدة النور موقدة؟
- وما شأنك أنت؟
- هجر وطنه ..و تناسى الصندوق ميراثه.."تورا..بورا.. بورا..اللي شافني تعمر بلادو قبورا"..
اتجه صوب عمود النور، دس أنفه بين شقوقه الخشبية، أمسك لحيته الشقراء رافعا إحدى قدميه على حافة العمود:" بورا.. بورا.. اللي شافني تعمر بلادو قبورا.."
اجتمع القوم على البوهالي وتعالى اللغط والصراخ تهاوى الضرب على رأسه وجسمه النحيف، وهو يضحك التذاذية ..
ليجد نفسه مرتميا بجانب سور المحكمة العتيق، مستلقيا على فراشه البالي يئن من ألم الكدمات، لم يكن يعلم أن لعنة الصندوق لن تبرح الوادي والساحل والجبل فأهل الحي أوسعوه ضربا.. رجموه بالحجارة دون محاكمة....
زين العابدين إبراهيم غير متصل   رد مع اقتباس