16 / 06 / 2013, 36 : 08 PM
|
رقم المشاركة : [4]
|
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
|
رد: للاستفتاء المجموعة الثانية من النصوص المشاركة في مسابقة القصة القصيرة
[align=justify]
أثقلَ كاهلَهم شظفُ العيشِ ولم يعدْ يكفيهم ما يسدُّ رمقَهم من عملِ ابنِها في أحدِ مكاتبِ بيعِ وشراءِ العملةِ مساءً بعد أن فقدتْ زوجَها اثرَ ذبحةٍ أصابتهُ في قلبِهِ فاردتهُ ولم يتركْ لهم سوى بيتٍ متواضعٍ بحاجةٍ إلى ترميماتٍ كثيرةٍ لم يستطعْ الأبُ أن ينجزَها في حياتِهِ وراتبٍ تقاعدي لا يكفي لسدِ نصفِ حاجياتِهم الضروريةِ مما دفعَ ابنها للعملِ رغمَ مهمةِ الدراسةِ الجامعيةِ والتي تتطلبُ جهداً فكرياً ومادياً وهو في سنتِهِ الأخيرةِ ليتخرجَ مهندساً معمارياً... هذه الرغبة التي راودتهُ وهو في مراحلِ الإعدادية.
اضطرتِ الاُم أن تعملَ خياطةً للملابسِ النسائيةِ والولاديةِ في بيتِها لتعينَ ولدَها وابنتيها اللتين لم تبلغا العقدَ الأولَ من عمريهما، وتكملَ مشوارَ زوجِها الذي تركَه على عاتقِها.
(تركتنا على عجلٍ يا أبا سعد وشددتَ أمتعةَ الرحيلِ ولم تبلغ الأربعينَ من عمرِك وها أنا أحملُ على كاهلي مسؤوليةً جسيمةً في تربيةِ أبنائِك وفي ظروفٍ معيشيةٍ صعبة) هذا ما يخطرُ في بالِها كلما كانت لوحدِها وهي تعملُ على ماكنةِ الخياطةِ أوفي المطبخِ لتعدَّ ما تيسرَ من وجبةِ غداءٍ أو عشاءٍ فتارةً تبكي مع نفسِها وتارةً تتنهد.
- يا أمي متى تشترينَ لنا لحماً؟... لم نأكلِ اللحمَ منذ أيام.... فاجأتْ البنتُ الصغيرةُ الاُمَ بسؤالِها فانتبهتْ الاُمُّ وهي تمسحُ دمعتَها قبل أنْ تلتفتَ لإبنتِها وهي تعدُّ الحساءَ في المطبخ:
- بعد يومين أو ثلاثة يا ابنتي حال ما يستلمُ أخوك أُجورَ عملهِ نهاية الأسبوع.....
- ولكنّ صديقتي إبنة جارِنا تقولُ... نحن نأكلُ اللحمَ كلّ يوم.... التفتتِ الاُمُّ إلى إبنتِها وأخذتْها بين يديها لتحتضنَها:
- قريباً سيتخرجُ أخوكِ ويصبحُ مهندساً وقتها نستطيعُ أن نأكلَ اللحمَ كلّ يوم.... وصارت تقبلُ إبنتها وتمسحُ بيدها على رأسِها وهي تبتسمُ في وجهِها وتخفي حزنَها لكي لا تحس الإبنة الصغيرةَ بما كانت عليه اُمّها قبل أن تدخلَ عليها.... ربتتْ على كتفِ ابنتِها وقالت:
- إذهبي ونادي اُختَك لكي نكملَ عملَنا في إعدادِ الطعامِ ريثما يأتي أخوكِ من عملِه.
- حاضر يا اُمي..
كان سعد شاباً مجتهداً مثابراً في دراستهِ وعملهِ وجاداً في قطعِ هذه المسيرةِ الشاقةِ ليحصدَ ثمرَ جهدهِ ويقدمَهُ هديةً ثمينةً لوالدتهِ المكافحةِ التي سهرتْ الليالي من أجلهِ وطالما كانتْ تحلمُ بولدِها لتجدَهُ في ما يصبو إليه من مستقبلٍ زاهرِ ليخففَ عنها بعض معاناتِها وثقلَ المسؤولية..
- ألا تجدُ نفسكَ بأنّكَ تحملها أكثرَ من طاقتِها بين الدراسةِ والعمل! وكيف توفقُ بينهما؟
كانت ناهدُ زميلتُهُ في نفسِ الكليةِ تجمعُهما في بعضِ الأحيانِ فتراتُ الاستراحةِ في الكافتيريا أو متنزهاتِ الكليةِ ليترافقا بعض الوقتِ ويدورَ بينهما الحديثُ تارةً عن الدراسةِ وتارةً ما يتعلقُ بالحياةِ الاجتماعيةِ الآنيةِ لكليهِما وغيرها من المواضيعِ العامة.
- رغمَ صعوبةِ الحالةِ ولكنّ هذا ما كُتبَ عليّ أن أفعلَه وأن اُجاهدَ في سبيلِ والدتي واُختَيّ... سكتَ قليلاً وهو ينظرُ إليها ليرى ما في عينيها من جوابٍ ثمّ أردفَ: - بقي القليلُ لأصلَ مبتغاي إن شاء الله.
- أتمنى وأدعو لك بذلك إن شاء الله.
(إنه شابٌ جادٌ ومتحمسٌ وفيه كثيرٌ من الأمل لاجتياز الصعابِ بكلِّ ثقةٍ إضافة إلى ذلك فهو يتحلى بأخلاقٍ عاليةٍ وصادقٌ مع نفسهِ وزملائهِ وأساتذتهِ ومحلّ احترامِ الجميعِ لا تشوبُهُ شائبةٌ لتضعَ عليه علامة استفهام....) كانتْ هكذا تفكرُ فيه ناهد وتسرحُ مع نفسها حينما تكونُ لوحدِها... بدأ يشغلـُها سعد ويغرقُها في دوامةِ أحاسيسِها ومشاعرِها تجاهَه. كانت ناهد شابةً جميلةً لم تتجاوز العقدَ الثاني من عمرِها ذات عينين واسعتين ووجه دائري حنطي اللون وشعر اسود بانت خصلة ٌمنه فوق جبينِها الوضاء تحت غطاءِ رأسِها، لا ينقصُها من الجمال شيء، وكانتْ أنيقة ً في مظهرها محتشمة ً بزيِّها متزنة ً بسلوكِها ومن بيتٍ محافظ، وكأنها ملاكٌ بما فيها من خُلقٍ وتربيةٍ حسنة، يتمناها كلُّ شابٍّ أن تكونَ شريكة َ حياته.
لم تكنْ وحدها ناهدُ تفكرُ بسعدٍ هكذا.... زميلاتٌ اُخر كنّ يفكرنَ بهذا الشابِ المميزِ بإعجابٍ ويتبادلنَ الحديثَ أحياناً بخصوصهِ لِما رأينَ منه من جدٍّ وعزيمةٍ وحزمٍ لتجاوزِ
محنتهِ وما عليه من مسؤوليةٍ جسيمةٍ عليه أن يجتازَها إلى بَرِ السعادةِ والرفاهِ والعيشِ الرخي.... ولكنّ ناهدَ كانتْ غيرهنّ... لقد ملكَ عليها قلبَها وعقلـَها وانجذبتْ إليه دون أن يشعرَ فيها أولَ وهلةٍ حتى كانت المفاجأةُ ومن غير أيةِ مقدمات:
- إني اُحبكَ يا سعد...
- ماذا؟.... ماذا قلتِ يا ناهد؟..
- قلتُ لك إني اُحبكَ يا سعد اُحبك، ألم تسمعني؟...
- ولكن......
- ولكن ماذا.. هل أرتكبُ جريمة ً لو أحببتـُك؟..
راحَ يسرحُ مع نفسهِ وقد أذهلتْهُ المفاجأةُ رغم أنّهُ لا ينكرُ على نفسهِ ما يحسُّ بمشاعره اتجاهَها دون غيرها من زميلاتهِ، وأصابه الارتباكُ.. ولم ينبسْ بكلمةٍ غير أنه بانتْ في عينيهِ علاماتُ السعادةِ رغم المفاجأة التي لم يتوقعْها. لم يكنْ قلبُ سعدٍ خالي الوفاضِ من حبهِ لناهد لكنّه كان قد أجلَ التفكيرَ في هذا الموضوع بمفاتحتِها على أملِ أن ينهيَ دراستـَهُ هذه السنة ويستوي على قدميهِ ليكونَ قد هيأ نفسَه للإفصاحِ عمّا في قلبِه، بَيْدَ أنه لم يمنعْهُ من لقاءاتِهِ بناهد في الكلية، وعلى غرار تلك المبادرةِ الجريئةِ من ناهد أخذتْ لقاءاتُهم تأخذُ منحىً آخر من حياتيْهِما فأضحى كل واحدٍ منهما يبثُ لواعجَهُ ووجدَه للآخر، ويفكرانِ بجديةٍ عمّا يرسمانُه لمستقبلِهما.
غمرتْ السعادةُ قلبَ الأمِّ وهي ترى ابنها أصبحَ مهندساً يتقاضى راتباً شهرياً وهو فرِحٌ سعيدٌ أخذ يغدقُ من ثمرِ وظيفتِهِ على اُمهِ واُختيهِ من مأكلٍ ومشربٍ وملبسٍ وبشكلٍ يختلفُ عمّا كان عليه سابقاً من الكفافِ وعسرِ الحالِ ولم يمضِ عام حتى كانَ سعد قد أعدّ كلّ شئٍ لفرحتهِ الكبيرة بحبيبتهِ ناهد.
- سأتقدمُ لأهلكِ وأطلبُ يدَكِ منهم.
- سأكونُ سعيدةً جداً يا حبيبي.
حدثَ ما لم يكنْ بحسبانهِ عندما أخبرتهُ ناهد بأن ابن عمِّها ناهض يريدُها لأخيهِ نبيل، ولكنّها رفضت الرضوخَ لهذا الأمر وواجهت الموقفَ بعدم القبول بما يعارضُ اختيارها لمستقبلِها الذي ترضاه لنفسِها.
(ما هذا الذي يجري أخشى أن اخسرَ ناهد من معارضة ابن عمِّها الذي يريدُها أن تكونَ زوجة ً لأخيهِ الأصغر منه والموظفَ في مديريةِ التربية، الحمدُ لله ها أنا أقدمُ أوراقي للحصولِ على وظيفةٍ بعد أنْ حصلتُ على شهادةِ البكالوريوس، وما هي إلا أيام قليلةٍ وأكونُ مهندساً في وظيفتي الجديدة، وتكمل فرحة والدتي بهذه الوظيفة، أيعقلُ أن ينغصَ حياتي هذا الأمر وتتزوجَ ناهدُ بمن لا تحبُّ نصبَ عينيَّ وتضيعَ أحلامُنا وتضمحلَ أمانينا بهذه السهولة؟ يجبُ أن لا نستسلمَ بسرعة ولا نرضخ لهذا الفرضِ التي تمليهِ علينا الأعرافُ والتقاليدُ التي باتَ بعضُها ثقلاً على واقعِنا لا يستساغُ القبولُ به)
- نبيل اسمٌ على مسمى شابٌ ممتازٌ وأخلاقُه عالية ومحلُ احترامِ الجميعِ هو ابنُ عمي وأكنُّ له احتراماً مميزاً عكس أخيه ناهض الذي يختلفُ عنه ببونٍ شاسعٍ والاثنان أعتبرهما أخويّ بعد أن حرمتُ من الأخ.... كان سعد ينصتُ لحبيبتهِ ناهد وهو نصفُ غارقٍ بين الإنصاتِ وبين البحثِ عن حلٍّ لهذه المعضلة.... وهو في حالٍ صعب تكادُ تخرجُ روحَه من
جنبيه.... ففاجأتهُ ناهد بما يخففُ عنه بعضَ ألمِه:
- اصبر يا حبيبي لا تقلقْ سوف أشرحُ الموضوعَ لنبيل وأتوقعُ منه تفهمَ الأمر الواقع وأتأملُ منه خيراً... ثم أطرقتْ قليلاً وأردفتْ:
- يجب أن لا نيأسَ.. سوف اكلمُه كي أعرفَ ردودَ فعلهِ وأنا واثقةٌ للوصولِ معه إلى نتيجةٍ مرضية.
كانت ناهدُ تعرفُ ابنَ عمِّها ناهضا رجلاً متزمتاً ومستبداً برأيهِ لا يعيرُ أهميةً لعواقبِ الأمور يحبُّ أن يفرضَ رأيَه مغتراً بنفسِه، لا يردعُه رادعٌ ولا حياءٌ ولا يصغي اُذناً لناصح، يصلُ إلى غايتهِ بشتى الوسائلِ المشروعةِ و غير المشروعة، هكذا هو لا يصلحُ لما فيه الخير لأحد... متجهمَ الوجهِ عنيدَ الطبعِ يركبُهُ الغضبُ لأتفهِ الأسبابِ فيفقدُ توازنَه وكان أبوهُ يخشى سوءَ تصرفاتِ ولدهِ التي قد توقعُهم بما لا يُحمدُ عقباه.
(لا بد لنبيل أن يتفهمَ موقفي ولا تُبنى السعادةُ في الحب أن لم يكتملْ طرفا المعادلةِ بالرضا والقبولِ أنا أحبُّ ابنَ عمي كأخ وأحترمُه ولديّ الثقةَ بأنه سيقفُ من جانبي إذا ما اعترضَ ناهض ولكن هل سيقتنعُ ناهض؟ أم أن نبيل سيجدُ فرصة ً أكبرَ من صرامةِ ناهض وموقفهِ لأكونَ له... آه يا ربي ماذا سيكون؟ ترى ما هي النتائج؟ لا أدري وأنا في حيرةٍ من أمري) كانت هذه الوساوسُ والأفكارُ تشغلُ ناهد طولَ الوقتِ ويصلُ أسماعَها وعيدُ وتهديدُ ناهض وعربدتُه، حزمتْ أمرَها وجمعتْ قوى أفكارِها لتواجهَ نبيل بحقيقةِ مشاعرِها نحوه والتي ربما كان يحسُّ بها في زياراتِهم المتبادلةِ كونهم أبناء عمومة.
اِلتقتِ العيونُ وكادتِ النواظرُ تدخلُ في بعضِها وكلُّ واحدٍ منهما لديه الكثير لا يدري أيختصرُ أم يسهبُ وقبل أن تنبسَ شفة ُ ناهد بمكنونِ ما تحملـُه بادَرها نبيلُ وكأنه أمطرَها بنثيثٍ من الماءِ الباردِ الذي أطفأ سعيرَ لهفتِها:
- بما أني اُحبكِ وكنتُ أتمنى أن تكوني من نصيبي لكنني لا أقفُ في طريق سعادتِك ما دمتِ تحبينه ويحبُكِ بصدق وليس من شيمتي أن أُعكرَ صفوَ حياتِك، وسعد إنسانٌ يستحقُّ كلَّ الخير... لم تمتلكْ نفسَها لتمنعَ دموعَها وهي تفضحُها أمامَ نبيل:
- أكادُ لا اصدقُ هل أنا في حلمٍ أم حقيقةٍ رغم ثقتي بك... ولكن!
- ولكن ماذا؟ هل تشكّين في كلامي؟... وسأقفُ بجانبِك وأباركُ لكما.
زادتْ حيرتَها واستغرابَها وهي مرتبكةٌ نسيَتَْ أو بالأحرى تناست ما أعدتهُ من قول... ومسحتْ ما علقَ من دموعِها بعينيها بمنديلٍ ورقي أخرجتهُ من حقيبتِها والتفتتْ إلى نبيل:
- ولكنّ ناهض.... قاطعها نبيل:
- قلتُ لك سأقفُ بجانبِكِ... لا تقلقي...
كان نبيل يفكرُ بقلق مما سيواجهُهُ من أخيهِ المتزمتِ الذي لا يضعُ الأمورَ بموازينِها (تُرى كيف أقنعُهُ على أن لا يعارضَ زواجَ ناهد بمن تحب وقد اختارتْ شريكَ حياتِها بإرادتِها، ولماذا لا يقتنع؟ هل يريدُها لنفسِه؟ وهو متزوجٌ ولديهِ عائلة، أم يريدُ أن يبرزَ عضلاتَهُ ليفرضَ أعرافاً باتتْ تضمحلُ شيئاً فشيئا، لا أدري لم هذا التهور) ظلّ نبيل يدورُ ويحورُ بما يشغلـُهُ رغم تألمِهِ من داخل قرارةِ نفسهِ لخسارتهِ ابنة عمِّه ولكنّ عقلـَه انتصرَ على قلبهِ ليسجلَ له موقفاً اعتبارياً لا يُنسى، ولن ترضاهُ كرامته بأن يفرضَ نفسَه على من تعلقتْ بغيره. وهو يثمنُ شعورَها وأحاسيسَها وأضافَ لها أنه سيساعدها على تخطي هذه
المحنةِ من معارضةِ أخيه.
قامتْ قيامةُ ناهض ولم تقعدْ عندما نصحَهُ أخوه بعدمِ الوقوفِ بسبيلِ ابنةِ عمِّهم واختيارِها، وأوضحَ له أنه لا يرضى بمن اختارتْ غيرَهُ ولا تروقه طريقة أخيه واُسلوبهِ الغير حضاري بهذا الصدد.
- ولكنها ابنةُ عمِّك وكيف يأخذُها غريبٌ نصبَ أعينِنا؟.... قالها ناهضُ بتوترٍ شديدٍ وغضبٍ جارف.
- يا أخي أنا لا أُريدُها دعها ونصيبَها...... وبعد التي والتي وطول النقاش غير المجدي مع هذا الأخ... أخرجَ ناهض علبة َسكائرهِ من جيبهِ وقبل أن يوقدَ سيكارتـَهُ إلتفت إلى أخيه قائلاً:
- وليكنْ.... وخرجَ غاضباً لا يلوي وهو يدمدمُ مع نفسه لم يفهمْ منه ما يقولُ (هل رضي ناهضُ بالأمر الواقع؟.... هل اقتنعَ بكلامي؟.. ماذا كان يعني بكلمةِ وليكنْ؟؟ ربما غضّ النظرَ عن الموضوع بعد هذا النقاش) اتصلَ نبيل بناهد وأخبرها بأن يتوكلوا على بركة الله ظناً منه حسم الموضوع لصالحِ ناهد..
كمُلتْ سعادةُ الحبيبين بعد أنْ تزوجا وملأت الفرحةُ والسعادةُ أجواءَ بيتِ اُمِّ سعد وهي أكثر سرورا من ابنِها وزوجتِهِ حيثُ كانت تحلمُ بهذا اليومِ الذي تراه فيه موظفاً يدرُّ براتبهِ عليهم ومتزوجاً من الفتاة التي أحبّها وأحبته، كان سعد جديراً بالمسؤوليةِ فهو خلال سنةٍ من وظيفتهِ وعملهِ الذي لم يتركْهُ مساءً استطاعَ أن يجعلَ من ذلك البيتِ الذي كانَ بحاجةٍ إلى بعض الترميماتِ أن يعيدَ إليه رونقـَه ليبدوَ مميزاً بكثير عما سبقَ ويضيفَ إليه من الأثاث ما يناسبُه، وهو أيضاً لا يبخلُ على اُختيهِ واُمِّهِ ملبياً لطلباتِهم ورغباتِهم، (الحمد لك و الشكر يا ربي كم أنا مسرورةٌ وفرحةٌ لقد منّ اللهُ علينا بكرمِهِ وفتحَ لنا أبوابَ رحمتِهِ وعطفِه، وغيّرَ حالـَنا نحو الأفضل، رحمَك اللهُ يا أبا سعد كان الشقاءُ مكتوبا عليك في حياتك من ضنكِ العيشِ وإيراداتهِ ولم يكتبْ لك طولَ العمرِ لتفرحَ بولدِك وتسعدَ به رحلتَ بغير وقتِكَ ولكن لا مردّ لقضاءِ الله) لم تنس أمُّ سعدٍ زوجَها والذكرياتِ التي عاشتْها معه بحلوِها ومرِها رغم مُضي سنين على وفاتهِ وبقيتْ الزوجة َ وفية ًلإكمال المشوار الذي تركَهُ زوجُها، ربّتْ أبناءَها وأحسنتْ تربيتـَهم وهي تكابدُ شظفَ العيش بصبر وتؤدةٍ حتى بلوغ الغايةِ المرجوة.
مرتِ الأيامُ والأسابيعُ بشكلٍ طبيعي وأصبحَ نبيلُ الصديقَ الحميمَ للعائلةِ الجديدةِ إضافة لصلةِ الرحم التي تصلـُهُ بابنةِ عمِّه ناهد ولم يقطعْ علاقتَهُ ببيتِ عمِّه وزياراتِهِ لبيتِ سعد بعض الأحيان. كان كلامُ ناهد يحركُ بداخلِهِ روحَ الشهامةِ والوفاء (أنت أخي يا نبيل، حرمني اللهُ من الأخ ولكن عوضَني بك، نعم أنا أخوها وسأبقى عندَ حُسنِ ظنِّها ولا أتخلى عنها) هكذا كانتْ دواخلـُه تُملي عليه ويستجيبُ لها بصدقٍ وإخلاص.
- علينا أن نذهبَ إلى البيت يا ناهد فالوقت قاربَ الحادية عشر مساءً... فلننه السهرة يا عمّي ونرجو أنْ تسمحوا لنا بالمغادرة.. استأذنَ سعد من أهل ناهد وهمُّوا بالخروج.. وطلبَ أبو ناهد من ابن أخيه نبيل أن يبقى عندهم هذه الليلة فاعتذرَ واستأذنَ بالذهابِ هو الآخر، وعند خروجِهم وفي بابِ الدار ولحظةِ توديعِهم من قِبَلِ عائلةِ ناهد إنقطع التيارُ الكهربائي وتعثرتْ رجلُ سعد بحجرٍ كادَ يهوي به إلى الأرض لولا تمسكُّه بزوجتهِ التي كانت بجانبِه،
وإذا بدوي طلقٍ ناري لم يكنْ بعيداً وسقوطِ أحدهِم وهو يصيح:
- آه لقد اُصِبتْ أصابتني هذهِ الإطلاقة.
ضجّ المكانُ بالصياحِ وناهد تولولُ بأعلى صوتِها وخرجَ الناس يهرعونَ من بيوتِهم إلى مكانِ الحادثِ وأسرعوا بنقلِ نبيل إلى المشفى حيث كان هو المصاب، ولم يصلوا به حتى فاضتْ روحُه في الطريق إلى بارئها.
كانتْ الرصاصةُ قد اخترقتْ صدرَهُ وأصابتْ رئتَهُ اليسرى من جانبِ القلبِ وفتّتْها هذا ما أكدّهُ التقريرُ الطبي بعد ذلك ولم يطلْ الأمرُ حتى وصلَ الخبرُ إلى بيت أهل نبيل، فوقعتِ الاُمُّ مغشياً عليها وصاح الأب من غير وعي:
- واهِ عليك يا ولدي.... كيف حصلَ هذا؟ ومتى؟
- قبلَ ساعةٍ يا أبا ناهض، كان خارجاً من بيتِ عمِّهِ انطلقتْ رصاصة ٌطائشة ٌكان هدفاً لها،... وقبل أنْ يعرفوا تفاصيلَ الخبر أبهتهُم صياحُ ناهض وهو يدوي بأعلى صوتِه:
- يا إلهي.. يا إلهي.. لقد قتلتُ أخي بيدي... يا للمصيبة... يا للكارثة... علي اللعنة.. ماذا فعلت.
كانتْ كلمةُ ناهض لأخيهِ نبيل (وليكن) مبيتة ًعلى سوءٍ نية لاغتيال سعد بمخططٍ رسمَهُ وكان يتحينَ الفرصة َلتنفيذِه، فكانتْ تلك الليلة التي علم بوجودِهِ مع زوجتِهِ في بيتِ عمِّهِ وغابَ عنه وجودَ أخيه هناك، وعلى اثر انقطاع التيار الكهربائي وتعثرِّ سعد وانحنائِهِ انطلقتِ الرصاصةُ من مسدسهِ لتـُصيبَ أخاه نبيل الذي كان في تلك اللحظة خلفَ سعد وتطلبَ أجلَهُ قبل أن يصلَ المشفى، وفرار ناهض الذي لم يعلمْ بأنه أصابَ أخاه ظناً منه في تحقيق بغيتِه.
بعد مرور سنةٍ مَنّ الله على سعد وناهد ورزق ـَ هما بولدٍ وما زالتْ ذكرى نبيل عالقة ً في ذهنيهِما ذلك الشاب الذي ضحى بحبِّهِ لابنةِ عمِّهِ وتركَ لها الخيار فيمنْ تحب وضحى بدمِهِ ليثمرَ زواجُها بسعد عن ولدٍ قرّرَ الوالدان أنْ يسمياهُ نبيل ودعوا الله أنْ يكونَ نبيلاً وشهماً مثل خالِهِ نبيل وليس مثل ناهض الذي أودى به سوءُ عملِهِ إلى السجن.[/align]
|
|
|
|