16 / 06 / 2013, 55 : 08 PM
|
رقم المشاركة : [5]
|
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
|
رد: للاستفتاء المجموعة الثانية من النصوص المشاركة في مسابقة القصة القصيرة
أين ذهب ديفيد
[align=justify] سماعة الهاتف تتدلى على جانب المكتب مثل يائس من الحياة غادرها لتوّه ، غير أنها تتكلم ... أصابع الهواء تعبث في أرجاء الصالة.. وأضلاع الستائر الكاليفورنية الزرقاء المترنحة لترنيمة هواء صامتة ، كانت تَشِي بفتح نافذة الجدار الخلفي للمكتب.
الصوت، الممزوج بصدى الإلحاح ، ينبعث من ثُقُب السماعة.. حيث لا يمكن فك رموزه إلا باقتراب أكثر: ((...))
أثر تفتيش غير مُـجْدٍ ــــ ربـما ـــ يبدو من خلل أوراق مبعثرة على سطح المكتب ، وأُخرى متناثرة على الأرض، و غيرها متساقطة من مصنفات زرقاء مفتوحة ، حيث لم يزل بعضها عالقا خلف الباب الزجاجي الـمحطم لخزانة من خشب اصطناعي براق ، لعلها كانت أنيقة وشوِّهت مثل باقي الأثاث للتو ــ كما يبدوــ على إثر حرب أو عاصفة مرت قبل ثوان أو دقائق من هنا.. أو.. بهكذا توحي حرارة ذلك الصوت الـمُلِـحّ: - ((...))
- هل أحمل السماعة وأكشف السر ؟ أم أغادر وأتصل بالشرطة ؟ ولكن من قال إنّ.. إن هذا أثر جريـمة أو إن في الأمر ما يستحق تبليغ الشرطة ؟!
مازالت سماعة الهاتف تتدلى وتستجدي فضوله:- ((...))
-.. الباب لم يكن مقفلا ، وليس عليه أي أثر للعنف ، ولكن عاصفة أكيدة خرجت من هنا.. قبل أن أدخل، وربما..؟ سأعرف صاحب الصوت ، أو على الأقل .. تحرك ، أفعل شيئــــــــا..
الفرصة الوحيدة للخروج من الحيرة كانت معلقة في طرف تلك السماعة ، وإلا فالعودة من حيث أتى.
- ..لا ، سيبقى السر يطاردني إذا عدت خالي اليقين .. يا الله!.. أنا متأكد أنني في... تــماما في الـموعد الذي اتفقنا عليه ، لقد طلب منـي أن آتي إلى هنا ، بالضبط كما هو اليوم ، وفي أول ساعة للعمل كما هي منذ قليل .. "رقم عشرة ، الطابق الخامس والخمسون".
صحيح ، لم نكن نلتقي في مكتبه ، إلا في المرة الأولى.. حين اخترت أن يكون هو الذي يترافع في قضيتي . شهور مضت لم يكن مكتبه مرتبا كما أرى الآن .. لا ، أقصد كما كان قبل العاصفة .. يومها مازحته بحقيقة أن اسمه أَرفعُ بكثير من مكتبه ، كما أن تلك الفوضى لم تكن أبدا لتليق بمكان يعرفه كل من رأى أو قرأ أو سمع عن هذه المدينة الشمس ، حتى إن مساعده الوحيد ضحك حينها ، وقال إنه وأغلب من مر من هنا أخبروه بذلك .. ولم يَلْقَ استفزازنا لدى حضــــــــرته أيَّ صدى .. إنه أبدا مشغول بقـــــــضايا موكليـــــه: ((.. دائما تنظرون إلى الأشكال وتغيب عنكم المعاني. عشرون عاما من الاشتغال في القانون ، علمتني أن الجوهر هو الذي يغطي المظهر وليس العكس ، ولكن فقط حين نفهم الجوهر، لأجل ذلك كنت أكسب كل قضية أقبل الترافع فيها.))
- وقد قَبِل المرافعة في قضيتي.. لا.. لا يمكن أن يكون اقتناعه بتحسين هيئة المكتب قد قلب قناعاته الأخرى فأصبحت قضيتي واحدة من هذه الأوراق ، في مهب النسيم.. وإن كان يبشر بخريف معتدل ـــ أيضا ـــ في أسواق البورصـــــــــة.. ياه ! أين أنا.. مما أرى الآن ؟! .. العنوان لم أخطئه ، كما أن مستر ديفيد لم يخبرني بتغييره في اتصال الأمس ، ولا أظنه ينسى تفصيلا مهما كهذا ، أو يغير مقر مكتبه ، رغم نفقة الكراء المتصاعدة.. الكراء ! وهل كان يدفع شيئا من حسابه لولاي .. ومثلي من عزف علينا قانون هذا البلد ؟!.
الصوت الملح : ((...)) يلوّح له بآخر فرصة ، والسماعة تكاد تتوقف عن الدوران حوله.
- عفـــوا..
- آ .. يا إلهي ، أين ذهبت ؟ ديفيد ، تركتني أصارع الظنون.. غبت فجأة دون سابق إنذار كما.. كما أن الخط بقي مشتغلا ولم ... أَعْلَمُ أن عملك مجلبة للمتاعب في كثير من الأحيان ، لكن لم يقع هذا من قبل .. تكلم أخبرني ما الذي جرى..؟
- لكن سيدتي.. أنا..
- آ !.. أنت لست ديفيد ، أين ذهب زوجي؟ قلي مستر ستيوارت ، هل التقيتما في الصباح ؟ أم ..
- ولا ستيوارت .. اهدئي سيدتي ، وسأخبرك بكل ما رأيت..
- من أنت؟ أين ديفيد ؟ وأين مساعده ؟ وأنت.. ماذا تفعل في المكتب ؟ سأخبر الشرطة .. قل ماذا فعلت بـ.. ؟ أين زوجي، أيـْـــــ..؟
- سيدتي لا فائدة ترجى من كل ما تفعلين، أرجو..
- قل أين ديفيد وإلا ..
بصوت عال:
- سأقطع الخط إذن..
- هه ! ..
- حسنا، أنا أحد موكّلي المستر ديفيد ، ضرب لي موعدَ عمل لهذا الصباح ، وحين جئت لم أجد أحدا في مكتب مساعده .. اكتفيت بإذن الموعد ، وهممت بالدخول ، وعندما...
هذه المرة ، لم تـهتم مسز ديفيد بانقطاع الخط ، بل سقطت السماعة من يدها حين صُعِقت لِذلك الدَّوي الـمفزع الأقوى على سمعها ووعيها منذ سكنت هذه المدينة .. دفعها الخوف والذهول فسحبت رجليها بخطى متقاطعة إلى الباب الخلفي لغرفة الجلوس ، وحيث الشرفة المطلة على السماء والأرض.. توقف لسانها عن بث القلق ، ولم تفهم شيئا .. تمتمت بنصف جهر:
- ..يا الله.. إنها نهاية العالم .. وديفيد كذلك ، كلنا سننتهي الآن..
ثم رسمت بين كتفيها إشارة الصليب ، ولم تتكلم..
بعدها لـم يُعلم أيُّ شيء عن رجل الأعمال أحمد حسن ولا عن المحامي الشهير "مستر ديفيد" ومساعده "ستيوارت" ، ولا حتى عن مسز ديفيد ، وهذا منذ ذلك الصباح الخريفي العاصف على سماء مَنْهَاتِن في ولاية نيويورك الأمريكية ، يوم الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر، عام ألفين وواحد.
[/align]
|
|
|
|