الرقى الشرعية، ومن أفضلها العلاج بالقرآن الكريم، تستمد أصولها من القرآن الكريم ومن السنة النبوية الشريفة. قال تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)، و(من) هنا لبيان الجنس لا للتبعيض.
فإنْ أحْسَنَ العليلُ التداوي بالقرآن، ووَضَعَه على دائه بصدق وإيمان ويقين، كان الشفاءُ التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية.
وفي حديث عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية (29 هجرية- 98 هجرية)، وإسناده صحيح ،أن أبا بكر الصديق (عبد الله بن أبي قحافة،ت: 13 هجرية)دخل على عائشة أم المؤمنين (ت:58 هجرية)وهي تشتكي وعندها امرأة ترقيها ،فقال لها: ارقيها بكتاب الله.
فالتداوي بالقرآن وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق أربعة عشر صحابياً ،منهم:عبد الله بن مسعود (الهذلي،ت:32 هجرية)، وأبي بن كعب الأنصاري(ت:32 هجرية)،وعثمان بن عفان (ت:35 هجرية)، وعلي بن أبي طالب(ت:40 هجرية)،وأم المؤمنين عائشة (ت:58هجرية)، وعبد الله بن عباس(ت:68 هجرية) وأبوسعيد الخدري(سعد بن مالك،ت: 74 هجرية).
لكن اليوم استغل التداوي بالقرآن فأصبح تجارة للاستثمار وأكْل أموال الناس بالباطل، وارتكبت باسم الدين الأخطاء والجهالات، مما وجب تقنينه بآلية علمية محددة،تعود به إلى الثابت الصحيح من القرآن الكريم والسنة الشريفة، وتنفي عنه صفة الوهم والخرافة والاحتيال والشعوذة.
وما أنَّ للعوامل النفسية كبيرَ الأثر في إحداث العلل العصبية ،وفي القضاء عليها أيضاً، وما يحدثه الانفعال من الأثر السيىء في سير الوظائف الفيزيولوجية الغريزية في أنحاء البدن ،مما يفضي إلى اضطراب وظائفها (فيمكن للقلق الحاد
الإخلال بالوظائف الغريزية والتظاهر بأعراض نفسية بدنية) كانت أهمية الرقى والعلاج بالقرآن الكريم.
والرقى المباحة في الإسلام،هي الرقى التي فيها طلب المعونة من الله وحده ، القادر على كل شيء، وعدم الاستعانة بغير الله.
وأجازعبد الله بن عمرو العاص (ت:63 هجرية) تعليق التمائم التي من القرآن وأسماء الله وصفاته (فكان عبد الله بن عمرو يكتب دعاء الفزع في النوم ،ويعلقه على عنق من لم يبلغ من أولاده)،وهو ظاهر ماروي عن السيدة عائشة (ت:58 هجرية) ،وهو ماقال به سيد التابعين سعيد بن المسيِّب القرشي (ت:94 هجرية) والإمام الباقر(محمد بن علي،ت: 114 هجرية الإمام الخامس عند الشيعة) وأحمد بن حنبل(ت:241 هجرية)، وكان ابن سيرين (محمد بن سيرين ،ت:110 هجرية) لايرى بأساً بالشيء من القرآن يعلقه الإنسان كبيراً أو صغيراً ،وهو الذي عليه الناس قديماً.
وأما الأحاديث التي تنهى عن الرقى،فإنما المراد بها الرقى التي هي من كلام الكفار،والرقى المجهولة التي بغيرالعربية، وما لا يُعرف معناه.
والعلاج بالرقى يكون بقراءة سور أوآيات معينة على الماء، أو أيِّ سائل طاهر كالزيت أو اللبن، ثم يُشرب هذا السائل.
أو يُكتب آياتٌ من القرآن الكريم والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالزعفران أو المداد ،في ورقة أو نحوها ،ثم توضع في الماء، ويُشرب منها، أو تصب على العضو المريض.
وعن ابن عباس(عبد الله بن عباس،ت:68 هجرية) قال: إذا عسر على المرأة ولادتها فليكتب: بسم الله ،لا إله إلا الله، الحليم الكريم ،سبحان رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين:(كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ) ،(كأنهم يوم يرونها لم يلبثو إلا عشية أو ضحاها). يُكتب ذلك في ماء نظيف فتُسقى منه.
وزاد وكيع بن الجراح الرؤاسي(ت:197 هجرية): تسقى ويرش ما دون سرتها.
وقال عبد الله بن الأمام أحمد بن حنبل(ت:290 هجرية): رأيت أبي يكتب للمرأة في جام أو شيء نظيف.
وقال ابن تيمية (أحمد بن عبد الحليم،ت: 728 هجرية) : ويجوز أن يكتب للمصاب وغيره من المرضى شيء من كتاب الله وذكْره، بالمداد المباح ،يُغسل ويُسقى منه المريض كما نص على ذلك الإمام أحمد وغيره.
والرقى يمكن أن تكون بأي آية من القرآن الكريم، وأكملها الفاتحة والمعوذات لما تضمنته الفاتحة من إخلاص العبودية والثناء على الله والاستعانة به والتوكل عليه
،ومافي المعوذتين من الاستعاذة من كل مكروه وعظيم الشأن في الاحتراس والتحصن من الشرور قبل وقوعها.
ومن أسباب فشل المعالجة بالرقى، حين فشلها، إهمال المريض الدواء المادي ،المعروف فائدته لمرضه.ففي ذلك الفشل تأديب من الله للمهمل.
فإهمال المريض للدواء،يعني تركه الأخذ بالأسباب ،فكأنه يعترض على الحكمة الإلهية في خلق الأدوية المادية التي هي سبب للشفاء، فتؤدبه القدرة الإلهية بخيبة رقيته.
فالإسلام ما أجاز الرقى لتحل محل الدواء المادي، كما ثبت من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وسلوكه في صحته ومرضه،لكن كي تكون دعماً نفسياً لبلوغ المريض أفضل النتائج العلاجية. فيكون بين العبد وربه صلة دائمة تقوي
يقينه وتملأ قلبه طمأنينة، فلا يعتريه يأس وقنوط ،ولا تضجره المصائب والأمراض، ولذلك جعل نبي الله صلى الله عليه وسلم "الدعاء مخ العبادة".