عرض مشاركة واحدة
قديم 05 / 07 / 2013, 02 : 12 AM   رقم المشاركة : [6]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رد: القراءة النقدية للنصوص الفائزة في مسابقة القصة القصيرة

[align=center][table1="width:100%;"][cell="filter:;"][align=justify]
قصة التحدي
شاردة كعادتها تجوب أفكارها شوارع الألم، تقلب صفحات حياتها علَّها تصادف بصيص سعادة، يوما أبيض تخترق به سواد عمرها القاتم، تهرب من عزلتها، ترتدي فستان الأمل، تتسلل إلى دهاليز ذاكرتها و ما أن تجتاز بهوها حتى يوصد الباب على تلابيب غبار رماد دفنته تحت التراب.
اصطدمت المسكينة بتحامل كل من حولها عليها، و هذه دوامة عاشتها أين ما حلت و ارتحلت؛ كأنها لعنة تطاردها، أو كأنها تؤدي ثمن ذنب هي بريئة منه براءة الذئب من دم يوسف، أو كأنها فدية خطيئة لم تقترفها.
عانت من مطاردة أخ لها تصغره بحولين لا لشيء؛ فقط لأنه يحس بضعف أمام قدراتها العالية التي تفرغها في كل شيء من أبسط شيء في أي مجال صادفته.
و كان أساس كرهه لها تجاوزها له في الدراسة؛ لم يكن أقل منها في التحصيل؛ و إنما كانت أوفر منه حظا عندما استقبلتها مدرسة البنات في سن مبكرة، طبعا كانت مدرسة متميزة؛ تحظى بزيارة ملك البلاد و أمرائها. و لربما حظها هذا هو الذي جلب لها الويل عمرا.
حظي أخوها و كل أخواتها بمحبة الوالدين، كما حظي بالاستفادة من الدروس الخصوصية في كل المواد في حين رفض طلبها في التقوية في مادة اللغة الإنجليزية التي أحبتها؛ بدعوى أن الدراسة لن تنفعها وأن مصيرها القبوع في البيت لإنتاج الجنس البشري و خدمة الزوج.
هذه النقطة بالذات سوسة نخرت راحتها، سودت حياتها، و جعلت بينها و بين تحقيق ذاتها حاجزا مانعا ستجند كل طاقاتها، وستلبس أمتن الدروع لصده، و ستكسره بقبضة عناد.
فكم رفضت من عريس تقدم لخطبتها و لم ينضج تفاح صدرها بعد، كان يوصى بها أن تحجز لفلان أو لآخر من الجيران، من الأهل و من المعارف و كأنها أريكة من قرو مزخرفة توفر الراحة للآخر، أو وسيلة لتفريغ شهواته..و كانت تلاقي الويل من رفضها هذا؛ حيث اعتبرتها العائلة شؤما على أخواتها الست أو كما يراها من يكن لها المحبة شمسا تحجب النجوم؛ إذ كانت محط إعجاب الكثيرين قبل أن تستوي قامتها ويمتلئ قدها الذي كانت تظهر عليه بوادر الرشاقة و الجمال.
كان هم الأسرة هو التخلص من نحس أنجبته رغم أن ميلادها صادف هدية مؤجلة مستحقة من الدولة؛ لما كان يقوم به والدها من أعمال فدائية ضد الاستعمار.. و كان همها إتمام الدراسة وتحصيل العلم الذي سكن كيانها.. و أقامت الأسرة كل الموانع ضد تحقيقه فكانت تتجرع المرارة من صد باب أملها الوحيد، وكثيرا ما كان يسرح بها خيالها إلى شكوك لا تجد لها جوابا. فذات ليلة في زهرة شبابها و هي منطوية كعادتها من شدة السهاد في ركن غرفتها، و ذقنها فوق ركبتيها في جلسة قزمت ذاتها كما قزمت الظنون يقينها، تفكر في حالها و في صراع عنيف مع نفسها تبادرت إلى ذهنها أفكار أرابتها؛ ترفضها و هي تجثم على عقلها.
ـ هل من سر يخفي انتمائي لهذه الأسرة؟ ماذا دهاهم حتى ينبذونني؟
فعلاوة على الدور الذي كانت تلعبه كخادمة للبيت دون أخواتها والاستفادة من محاضرات التقوية في فن المطبخ.. كانت تستفز بأبشع الطرق ليلة اجتياز الامتحانات. و أهون ما كان يرتكب في حقها عندما يسلمها العياء للنوم؛ هو الصراخ المباغت في أذنها بأعلى صوت من أخيها؛ فتقوم مفزوعة مذعورة وكأن صاعقة لفظتها من عال إلى قعر مشفر الحدود؛ لتستفيق من صدمتها و غمامة بألوان خوفها تغشى عينيها على ضحكات تدوي في أرجاء غرفتها؛ التي اقتلع قفل بابها من أجل هذه المهمة السخيفة.. وعندما تجهش بالبكاء من شدة الوجع ينتصب أمامها بقامته الضخمة و عيناه الجاحظتين تنم عن كراهية منفلتة تنطوي على مكر بغيض؛ تجلى في قدرته على التحايل على الأسرة ليتولى أمرها من أجل تطويعها لتسلم أمرها و تفر إلى دار الزوجية؛ و لأجل ذلك يصب جام غضبه عليها قائلا:
ـ سأظل وراء تدميرك و سأحطمك لن تنالي مرادك ما حييت.
ـ خلي عني اتركني و شأني لن أنصاع لرغبتكم و لو قطعتموني إربا إربا.
عندها ينحّى عليها بالشتائم و تنال من السياط ما لا جسدا في مثل سنها احتمل، فتبدو ترقص من ألمها ككبش ينحر، و من حلق يبس ريقه من شدة الإرهاق تصدر أنينا متقطعا بشهقات تنبعث من فوهة صدرها؛ فيخاصم النوم جفنيها.. و تبيت تحتسي ملوحة غلا سائلها على مجرى المقل؛ لتفيض على الخدين مدرارا إلى أن ينفلق الصباح.
تعد الفطور في وقت مبكر، و تغادر إلى قاعة الامتحان دون أن تدور آلة أسنانها التي كانت تعض شفتيها المحمرتين المتورمتين من طول بكاء، و دون أن تبلل فاها و أنى لها؛ و قد ارتوى غصبا من ملوحة شققت بساط قلبها و صدعت ركائز عقلها، لقد كفتها المواد الدسمة لعصير الألم الذي تجرعته ليلا عن الإفطار.
كان عزاؤها من كل الاضطهاد و العذاب الذي مورس عليها هو ارتقاؤها الرتب الأولى، و افتخار أساتذتها بمجهوداتها التي أجهضها القدر؛ لتنتقل من حلم التحصيل إلى حلم العمل فكان لها ذلك.. و لم تستسلم لرغبة الأسرة بل أصرت على الإضراب عن الزواج ممتطية صهوة التحدي، حتى لم يبق في البيت من البنات إلا هي. و كان ذلك انتصارا لرغبتها في ضرب العقلية الجامدة، و تجاوز حدود صحراء الجهل.
انفردت بأمها لتخرجها من غياهب المعتقدات الفاسدة و تزيل وشما بصم اصطدام الأحزان على صفحة قلبها، مارست تمردها البريء من العنف بعد أن خلا لها الجو من كل عائق. والحق يقال لم تكن عاجزة عن تحقيق ذلك في حضرة الجميع؛ و لكن وكما يقول المثل الدارجي "لحمية تغلب السبع" و السبع ظل سبعا في محمية فصلت على مقاسه، وأقيمت خصيصا من أجل الحفاظ على نقاء نوعه؛ إن لم أقل من أجل الحفاظ على شرف العائلة من أن يُدنس ثمره قبل موسم الجني.
و تصالحت بتواصل منفتح مع من بقي في البيت، ائتلفت القلوب بعدما أدارت بعين فاحصة و بكل لباقة عقلياتهم إلى الوجهة الصحيحة كما كانت تدير و حدها أشغال البيت.
أحبها الجميع لكنها منعت نفسها من أن تحب أي عاشق لها؛ حرمت أحلام الفتاة في عز الشباب لا لشيء إنما تحديا لما يفرض عليها، و عاشت على تحدي ظلم و ظلام المجتمع المتمثل في أسرتها التي أعطتها أكثر مما سلبتها، و تعلمت من ظلمها الكثير عوض أن تلبسها سرابيل الظلام، و أقل ما علمتها أن تطرد الكراهية من صدرها. علمتها أن تدر على وسطها وابلا من ضرع الحب الذي حرمته منذ حداثة سنها. رفضت أن لا يغازل أوتار قلبها إلا العشق لكل من و ما حولها، و أن تجعل من قبضة شوك مجتثة على محيطها باقة ياسمين تضوع أرجاءه عطرا.
و من مولد حرارة أسرتها الذي كوى جلد حياتها في ربيع العمر، استمدت شحنة كهربائية لتحقيق ذاتها، و لم تفرغها من مبادئها وحريتها في اتخاذ قرارات قناعاتها. تلك الحرية التي نثرتها باتفاق مع شريك حياتها على بيتها و أولادها. و بممحاة العزيمة عوضت ضنكا أثقل كاهلها، صبغت سواد حياتها ببياض عاشته حياة رغيدة هنيئة، تمنى كل من أساء لها بعضا منه.
***


[align=center][table1="width:100%;"][cell="filter:;"][align=justify]القصة ذات لغة عذبة، وعرض سلس، على الرغم من زيادة الزخارف البلاغية في صياغتها السردية، لكن مع ملاحظة أن هذه الزيادة لم تُسئ لسيرورة سرد الحدث وفنيته..
موضوع القصة اجتماعي/عادي، لكن عرض المؤلف/المؤلفة له كان مقبولاً.. وقد حافظ المؤلف/المؤلفة على وحدة القصة، وعلى العناية بشخصيتها المركزية، وإبراز حركيتها ضمن الحدث بعيداً عن أسلوب الوصف لهذه الحركية، الأمر الذي أكسب تلك الشخصية قدراً كبيراً من القبول والحيوية.. قصة جيدة.. وكان من الممكن أن تكون أفضل.
[/align]
[/cell][/table1][/align]
[/align]
[/cell][/table1][/align]
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس