23 / 07 / 2013, 36 : 05 AM
|
رقم المشاركة : [15]
|
محقق، مؤلف، أديب وقاص
|
رد: الشيخ الدكتور أحمد الكبيسي / سيرته وروابط محاضراته
خطأ أن يكرر المرء كلامه، أو يستلف ماحكاه سابقاً، لكن أجد نفسي مضطراً،من باب التذكرة، إلى الحديث الذي سقته في مقالي (الغزالي والسنة النبوية) بلفظه،من بابة التعريف الذي أرتأيتُ اتخاذه في تناولي لركام سيل الأخبار وتناقضها وتعارضها واختلاف مراميها وغاياتها،وهو البرُّ الذي رسيتُ عليه بعد تخبُّط كبير.
فقلت وقتها:إنَّ كل مشتغل بهموم التراث، بل كل قارئ جاد، يعاني من تراكم سيل الأخبار ، واختلافها . بل بتناقضها في كثير من الأحيان !
فيحتار، وهو يقرأ ، ماذا يأخذ منها ، وماذا يترك ، وما الضابط في ذلك ؟
فصرح التراث صعب تفهمه وتمثله ، دون (منهج) (علمي)، تحدوه نبل الغاية . وهذا (المنهج) مطلب جليل ، التزمه المتقدمون في كل ما كتبوه ،وعدّوا ذلك من الدين .قال ابن قتيبة (عبد الله بن مسلم ، المتوفى عام 276 هجرية ):إن لله في كل نعمة أنعم بها حقاًّ ، وعلى كل بلاء أبلاه زكاة .فزكاة المال الصدقة ، وزكاة الشرف التواضع ، وزكاة العلم نشْره ، وخيرالعلوم أنفعها ، وأنفعها أحمدها مغبَّة، وأحمدها مَغَبَّة ما تُعُلم وعُلم وأريد به وجه الله تعالى(عيون الأخبار / المقدمة).
والحق ، أنه لاسبيل لفهم حق قراءة التراث ، إلا بإعادة ترتيبه ،وتحقيقه :
أي ترتيب الأسانيد والأخبار أولا .
وجمْع الأقران من مظانها وتصنيفها ثانيا .
وتمحيص الأجزاء وتحليلها ، لإعادة صياغة ترتيبها ، بدُربة وصبر وتأن ثالثا . باعتبار علوم العربية كلها وحدة لا تتجزأ : فالشعر عِلْم ، واللغة عِلْم ، والأدب عِلْم،والتاريخ عِلْم ، والقراءات والأحاديث وعلل الرجال عِلْم .. لها رواية عالية ، ورواية مقبولة ، ورواية شاذة ، ورواية ضعيفة، ورواية هالكة ..ترتبط جزئياتها ، وتمتزج بناء سامقاً ، وصرحاً متفرداً(شِرْعة ، ومنهجاً ، وصياغة ، وطريقة استدلال ) . ومن دون ذلك ، تصبح جميع نصوص التراث هياكل جامدة دون أساس ، وأوابد صماء بلا حياة ! بل يصبح نَشْر أي مخطوط قديم ، نقلا آلياً من مخطوط إلى مطبوع .
وفي حديثي عن الشعر الجاهلي (نظرات في الشعرالجاهلي) قلت:
كثر الحديث عن العصر الجاهلي، واستفاض جداً بما بين مغالٍ شديد المغالاة، قذف العصر بأبشع المثالب، وبين مسرف في المديح غاية الإسراف، وبالتالي ظهرت كتب كثيرة، فتخبط الكلام بين مد وجزر .
فإذا أردنا دراسة العصر الجاهلي بصورة أقرب للصحة، فلابد من دراسة نصوص مجموع مصادره، واستقصائها، ومقابلة بعضها ببعض، ومناقشتها، وفي رواية هذه المصادر وتسلسلها، ومعرفة عدالة رواتها ومدى الثقة بهم، وتتبع المصادر الأولى التي استقى منها أولئك الرواة حتى تصل بين هؤلاء الرواة والعصر الجاهلي نفسه، بحيث ينتهي كل ذلك إلى تغليب نص على آخر، أو ترجيح رواية على غيرها، أو تفصيل خبر على سائر الأخبار، في صيغ ترجيحية غالبة .
** ** **
وبالتالي فالحكم على رجالات التاريخ ،ليس عاطفة توجِّه الحديث أو المطلب، وإنما يوجهه يقين الخبر ومخرجه، فلا يهمُُّ تعارض النتيجة مع سائد المفهوم !
وهذا لا يعني (تزمتاً) و(إقصاءاً) ورفضاً للآخر، بل يعني تقديم (الصورة) دون تزويق أو تشويه كما يراها يقين الخبر، وليس كما يراها هوى الخبر.
ولأننا بشر فكلنا خطََّاء ،ولا يغض الخطأ من قامة العالم ورؤاه أبداً.
|
|
|
|