[align=CENTER][table1="width:95%;background-color:burlywood;border:10px double green;"][cell="filter:;"][align=center]
أتعبني هذا المداد
أتعبني هذا المداد ، أتعبتني حروفي المسافرة إلى شواطئ النسيان ، المبعثرة على أسطح الفراغ ، المهاجرة إلى مرافئ الضياع ، أتعبتني كلماتي المنهكة ، المثخنة ، المتآكلة من أرق حبري النازف على ورق التجوال .
أين هم الآن ؟ أين صخبهم ؟ أين ضجيجهم ؟
أتعبني هذا الصمت ، أتعبني هذا السكون ، أتعبني شتات الفكر وحمى الذهول .
يأخذني قلبي إليهم في كل مساء ، أحمل بين يدي مصباحي العتيق وأطواق من الفل والياسمين ، أتتبع صدى أنفاسهم ، أتلمس خطواتهم وأقتف ِما تبقى لي من أثرهم ، أتوه منهم ويتيهون مني ، أنادي عليهم بملء الصوت ولا مجيب للنداء ، وأعود .. أجرّ خلفي وقع أقدامي الثقيلة وشبح خطواتي وسواد ظلي.
أعوام مضت ، وأنا أحمل إليهم حلمي العتيق ، أحمل إليهم أملي العتيق ، أحمل إليهم مداد قلبي والهمّ العتيق ، همّ الأمس واليوم واللحظة.
كنت أنتظرهم في إشراقه كل صباح وأطويهم في أحداقي مع نسائم الغروب ، أضمهم إلى قلبي الجريح و أنفاسي المتهالكة ، لكنهم مع خيوط الفجر كانوا يفرّون من بين أناملي ، يتسللون
إلى تلك المفارق وينتشرون على أسطح المرافئ .
اليوم قطعت لقلبي الوعد وأضرمت لسهدي النار وأججت الثورة في فكري ، في عقلي ، في كل كياني ، اليوم سأسافر عبرك أيتها الغيمة وسأعاندك أيتها الريح وسأنصب لي خيمة عند
تلك المفارق ، وسأرسلك أيها المداد المتعب للمرة الأخيرة .
لا عودة لك يا مداد من دونهم ولن ألملم حروفي التائهة إلا من حضن أيديهم ، لن أخلع عني الخيمة إلا بزنودهم الأبية ، لاعودة لك يا مداد من دونهم فقد تعبت أنا من طول الانتظار وتعبت أنت من عبث التجوال ، قد تعبتَ يا مداد وأتعبتني ، قد أتعبني في بعدكم هذا المداد .
[/align][/cell][/table1][/align]